عندما مات الله في جزيرة العرب


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 6990 - 2021 / 8 / 16 - 11:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الله كان صنماً من أصنام العرب قبل أن يظهر الإسلام. وكان يُعبد في البتراء (مكة القديمة) مع اللات والعُزى ومناة. والدليل على ذلك أن الشاعر الجاهلي أوس بن حجر بن مالك التميمي (530م – 620م) الذي عاش معظم حياته قبل الإسلام، وحوالي عشرة سنوات بعد ظهور الإسلام، قال:
وباللات والعزى ومن دان دينها **** وبالله إن الله منهن أكبرُ
أحاذر نج الخيل فوق سراتها ***** ورباً غيوراً وجهه يتمعرُ
كلمة "يتمعر" تعني يتغير لونه إلى الصفار. فالله بالنسبة لأوس بن حجر هو ربٌ غيورٌ يتغير لون وجهه للأصفر عندما يغضب. وهذه صفات رب اليهود "يهوى" الذي كان عرب الجزيرة على علم به. فالله الصنم عندما يغضب يتغير لون وجهه إلى الإصفرار، كما يتخيل الشاعر. فإنه من غير المعقول أن يكون الشاعر قد قصد رب الإسلام الذي لا تدركه الأبصار ولا يعرف أحد لون وجهه عندما يغضب.
مع ظهور الإسلام وتحطيم الأصنام، مات الله. حاول محمد (قُثم بن عبد اللات) إحياءه من جديد وصبه في نفس القالب الذي صب فيه اليهود ربهم، فأصبح إله الإسلام يغضب، ويضحك، وله يدان (كلتاهما يمين)، وله ساقان يدخلهما في جهنم فتبرد وله كرسي يجلس عليه وعرش يستوي عليه. وأصبح الله أكبر من كل الأصنام، وأصبح المسلمون ينادون لصلاتهم ويقيمونها ب "الله أكبر". لكنهم لا يعرفون أن المقصود هو الصنم الله الذي كان أكبر من أصنام اللات والعزى.
حاول بعض المسلمين الأوائل مثل الجعد بن درهم وابن الراوندي وفلاسفة صدر الإسلام مثل ابن سينا والفارابي إقناع المسلمون أن صنمهم قد تحطم ومات، لكن الجهلاء من رجال الدين كان صوتهم أعلى وتبعهم عامة المسلمين فكفّروا الفلاسفة. ثم جاء فلاسفة التنوير في أوربا في القرن السابع عشر وما بعده، من أمثال نيتشه وسبنوزا فأكدوا ما ذهب إليه ابن الراوندي وغيره بأن الله قد مات وتهشم مع بقية الأصنام. وبدأ الإلحاد يظهر في أوربا.
أنتوني فلو Antony Flew (1923 – 2010) كان من أشهر فلاسفة الإلحاد الإنكليز. كان والده قسيساً غير أن الابن أصبح ملحدا في سن الثالثة عشر. درس الفلسفة في جامعة أكسفورد وأصبح محاضراً ثم أستاذا للفلسفة في جامعة أكسفورد وعدة جامعات بريطانية وأمريكية وكندية، وألّف عدة كتب عن الإلحاد. في إحدى كتبه (فرضية الإلحاد) Presumption of Atheism قال إن الشئ الطبيعي أن يكون الإلحاد هو الموقف الافتراضي لكل إنسان.
The Barna Group جمعية مسيحية أجرت عدة تجارب على مجموعات كبيرة من الناس وخلصت الجمعية إلى أن ما يعتقده الإنسان في سن الثالثة عشر سوف يظل معتقده إلى أن يموت. ولكن أنتوني فلو عندما بلغ عمره أحد وثمانين عاماً غيّر رأيه وأعلن أنه أصبح مؤمناً بوجود إله، وأصدر كتاباً بعنوان There is a God.
ما هي الأسباب التي جعلت أنتوني فلو يؤمن بوجود إله بعد خمسين عاماً من الإلحاد؟ كل الأسباب الي قادها أنتوني فلو كانت معروفه له في شبابه عندما كان ملحداً. لخصّ الأسباب التي حملته إلى تغيير رأيه بالآتي:
1- وجود قوانين دقيقة في الطبيعة تلتزم بها الطبيعة وكل شيء في الوجود. فلا بد أن هذه القوانين قد خلقها عقل خارق الذكاء
2- لا شيء يأتي من العدم لأن كل شيء موجود لا بد أن يكون سبقه شيء قبله
3- الحامض النووي DNA الذي يتحكم في عوامل الوراثة معقد للغاية ولا يمكن أنه حدث بالصدفة. فلا بد من وجود خالق ذكي خلقه
4- وجود الشر في الكون لا يمنع وجود رب خارق القوى ورحيم ويحب مخلوقاته وخلق العالم من أجلهم
5- وجود إنسان عاقل يفكر ويدبر أموره لا يمكن أن يكون قد أتى من مواد جامدة
6- الكون نفسه ليس له بداية فهو ازلي دائم الوجود
فدعونا نلقي نظرة على هذه النقاط.
النقطة الأولى: قوانين الطبيعة. قوانين الطبيعة من الجاذبية إلى طلوع الشمس وغروبها، إلى القوى المغنطيسية لا تحتاج إلى خالق ذكي. كلها نتجت من الانفجار العظيم الذي نتج عنه تكوين النجوم والكواكب التي تدور حول نفسها بسرعة فائقة. كل جسم يدور حول نفسه يخلق نوعين من القوى: القوى الأولى هي قوى طاردة ودافعة إلى الخارج Centrifugal Force وقوى أخرى رافعة إلى الأعلى Centripetal Force تدفع إلى الأعلى. وبسبب القوى الأولى نجد أن الكون ما زال يتمدد بسبب دوران النجوم حول نفسها وقوى ال Centrifugal Force.
النقطة الثانية: لا شيء يأتي من العدم. كل شيء موجود سبقه شيء آخر من نوعه. وهذا يقودنا إلى أن الإله، إن وُجد، لا بد أنه سبقه شيء آخر أي قوى أخرى خلقته. فالخالق له خالق
النقطة الثالثة: الحامض النووي المعقد لم يبدأ بهذا التعقيد. بدأ الحامض النووي في الحيوانات ذات الخلية الواحدة بحامض أميني واحد أو أثنين وبعد ملايين السنين زاد عدد الحوامض الأمينية إلى ثلاثة، وهكذا استمر الحال على مدى أربعة مليارات من السنين حتى أتى الإنسان بحامضة النووي المعقد. وكما يقولون الحاجة أم الاختراع. حاجة الحيوان المتزايدة إلى بروتينات جديدة على مدى مليارات من السنين أدت إلى زيادة الحوامض الأمينية في الحامض النووي
النقطة الرابعة: وجود الشر في العالم لا يمنع وجود رب رحيم قادر. إذا كان هذا الإله غير محدود القوى، ورحيم ويحب مخلوقاته، لماذا خلق البعوضة التي لا فائدة منها مطلقاً للإنسان أو الحيوان، وتنقل الملاريا التي تقتل الملايين كل عام، وتنقل الحمى الصفراء كذلك؟ فالنحلة مثلاً قد تلدغ الإنسان لكنها في نفس الوقت تصنع العسل وتلقح النباتات. فإذا كان قادراً على خلق النحلة المفيدة لماذا خلق البعوضة؟ ولماذا خلق الشر في الإنسان ليضر إنساناً آخراً؟
النقطة الخامسة: وجود إنسان عاقل لا يمكن أن يكون قد أتى من مواد جامدة. الحياة بدأت على الأرض بعد حوالي مليار سنة من تكوين الأرض. في هذه الفترة تكون الماء على الأرض وتكونت بعض المواد المعدنية وبدأ الأوكسجين بالظهور. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ظهور كائن ذي خلية واحدة مثل البكتريا. وبعد ملايين السنين تطورت الخلية الواحدة إلى خليتين. وبعد مليار سنة نقريباً ظهرت الحيوانات ذات الخلايا المتعددة. ولم يظهر الإنسان العاقل إلا منذ حوالي مائة ألف عام فقط بينما كوكب الأرض عمره أكثر من أربعة مليارات من السنين. فلماذا انتظر الإله أربعة مليارات من السنين بعد أن خلق الحيوان ليخلق الإنسان؟
النقطة السادسة: الكون ليس له بداية. نحن نعرف الآن أن الكون بدأ مع الإنفجار العظيم قبل ثلاثة عشر مليار من السنين.
الفيلسوف والعالم الفرنسي باسكال كان غير مقتنعاً بوجود إله في السماء لكنه قال من الأفضل أن تؤمن بوجود الإله لأنه لو ظهر أخيراً أنه لا يوجد فأنت لم تخسر شيئاً، ولكن لو ظهر أنه موجود فأنت الخاسر إذا لم تكن تؤمن به. سميت هذه الفكرة "رهان باسكال" Pascal Wager وأظن أن الفيلسوف أنتوني فلو عندما بلغ الثمانين وعرف أنه اقترب من القبر قرر أن يتبع رهان باسكال فآمن بوجود إله بعد خمسين سنة من الإلحاد. العقل يخبرنا أن الله قد مات في جزيرة العرب أولاً ثم في بقية أقطار العالم.