دراسة منهجية للقرآن


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7378 - 2022 / 9 / 21 - 08:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"الدين إهانة لكرامة الإنسان. الناس الطيبون يفعلون الخير بدونه، والأشرار يفعلون الشر بدونه كذلك. لكن أن يفعل الأخيار أشياءً شريرة فهذا يحتاج إلى الدين ". - ستيفن واينبرغ

على مدى عدة سنوات كنت قد كتبت عدة مقالات في الحوار المتمدن انتقدت فيها الإسلام. وأخيراً خطر لي أن أنقّح بعض هذه المقالات، مع الحذف والإضافة لتعكس ما طرأ على مخزوني المعلوماتي من تغيير. وقد جمعت بعض هذه المقالات في كتاب سميته "دراسة منهجية للقرآن". وبما أن جميع الناشرين العرب يخافون ردة الفعل من نشر مثل هذا الكتاب، فقد قررت أن أنشره في الحوار المتمدن على شكل مقالات أو فصول من الكتاب. وأرجو من القارئ أن يتحلى بالصبر إن وجد بعض التكرار فيما يقرأ.
اللغة العربية كانت، وحتى القرن الثالث الميلادي، لغة صوتية يتخاطب بها أهل الحجاز والهلال الخصيب وقبائل البدو في وسط الجزيرة العربية. وأكثر ما كانت اللغة العربية استعمالاً في الشعر والخطابة. واستعان المتحدثون بالعربية بالسجع لمساعدة الذاكرة على حفظ الشعر والخطابة، لكنها لم تكن لغة مكتوبة.
ولدت اللغة العربية والسريانية من اللغة النبطية التي ولدت من اللغة الآرامية. وكل هذه اللغات اشتقت من اللغة الكنعانية التي كانت قد انتشرت من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى مناطق واسعة في جزيرة العرب. بنهاية القرن الثالث الميلادي كان أهل الهلال الخصيب (سوريا والعراق ولبنان وفلسطين) قد أتقنوا اللغة السريانية، التي تحتوي أبجديتها على اثنين وعشرين حرفاً.
بالتدريج بدأ عرب شمال الجزيرة استعمال الحروف السريانية المعربة لكتابة اللغة العربية. وقد استتب الأمر على أن تكون أبجدية اللغة العربية ثمانية وعشرين حرفاً. وبالتالي اضطروا لتعديل بعض الحروف السريانية لتستوعب الأبجدية العربية.
بنهاية القرن الخامس الميلادي كانت المسيحية قد انتشرت في الهلال الخصيب وبعض قبائل وسط جزيرة العرب. برع مسيحيو الشام في توليف أناشيد مسجوعة باللغة السريانية تمجد المسيح وتساعد المصلين في ترنيمات الأدعية المسيحية، وقد كتبوا هذه الترانيم في صحف. وقد وجدت بعض هذه الصحف طريقها إلى منطقة الحجاز، ووقع بعض منها في أيدي ورقة بن نوفل وبعض المسيحيين بمكة. قصة اسلام عمر ربما تؤكد ذلك. تقول كتب التراث إن عمر بن الخطاب كان في طريقه ليقتل محمداً لأنه سبّ آلهتهم، ومر بالقرب من منزل اخته فاطمة بنت الخطاب وسمع أصواتاً ترتل القرآن، فدخل عليهم ووجد معهم الصحابي خباب وكانوا يرتلون من صحيفة فيها سورة طه. فتناول عمر الصحيفة وقرأها وأسلم . فمن أين أتت أخت عمر بالصحيفة وقتها ولم يكن القرآن وقتها قد كُتب منه شيئٌ وحتى عندما بدأ محمد بكتابة القرآن كانوا يكتبونه على الحجارة والجلود وعظام الكتف. فلا بد أن محمداً أو ورقة بن نوفل أعطاها هذه الصحيفة. وسوف نتحدث لاحقاً عن أثر هذه الصحف في نشأة القرآن الذي بين أيدينا
عندما بدأ محمد دعوته في القرن السابع الميلادي كانت الكتابة باللغة العربية ما زالت في طور الطفولة، وكان عدد الرجال الذين تعلموا الكتابة بالحروف السريانية المعربة قليلاً، ربما لا يتعدى أصابع اليدين. يذكر الطبري، في تاريخه عشرة رجال كانوا يكتبون الوحي للرسول، منهم عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، خالد بن سعيد، وأبي بن كعب
الكتابة العربية باللغة السريانية المعربة لم يكن بها نقاط فوق أو تحت الحروف، كما لم يكن بها علامات التنوين ولا ألف المد وسط الكلمات. والعدد البسيط من الرجال الذين كانوا يعرفون الكتابة لم يكن مستوى استيعابهم للإملاء والهجاء متساوياً. ونتج عن ذلك اختلاف كبير في كلمات القرآن المكتوبة في ذلك الزمان. ولأن رجال الدين الإسلامي كانوا، وما زالوا، يخافون من إلصاق تهمة التحريف، التي رموا بها المسيحية واليهودية، بالقرآن، أصروا على طباعة القرآن بنفس الطريقة التي كتبها به زيد بن ثابت ولجنته التي جمعت القرآن. ورجال الدين الإسلامي يعرفون جيداً أن القرآن لم ينزل على محمد مكتوباً، إنما كتبه رجال على مستوًى بسيط من التمكن في هجاء الكلمات وقواعد اللغة. ولكن مع ذلك أصروا على الاحتفاظ بنفس الطريقة التي كُتب بها القرآن في القرن السابع الميلادي. لذلك نجد كلمات يصعب على المرء قراءتها، مثل (هل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب) (سورة ص 21). والمقصود (هل أتاك نبأ الخصم). أو (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجأئ بالنبيين) (الزمر 69). والمقصود (وجيئ بالنبيين). وهناك كلمات كُتبت في المصحف كما تُكتب بالسريانية، مثل "الصلوة" والمقصود "الصلاة". أو "الزكوة" والمقصود "الزكاة".
ولأن كلمات القرآن لم يكن بها نقاط فوق أو تحت الحروف، وجد القراء الأوائل صعوبة بالغة في فهم أغلب الكلمات ولذلك اعتمدوا على سياق الآية، أي الموضوع الذي تتحدث عنه الآية ليحددوا نطق الكلمة.فمثلاً، كلمة "تبت" إذا أزلنا منها النقاط، يمكن أن نقرأها "تبت" أو "بثت" أو "بنت" أو "نبت" أو "نبات" أو "بنات" لأن ألف المد لم يكن يُكتب في وسط الكلمة. أو "ثيب" أو "يبث" أو "يتب".
ونتيجة لهذا الاختلاف في تخمين نطق الكلمات غير المنقطة اختلفت قراءة الكلمات عند كثير من القراء في ذلك الزمان. وأجاز الفقهاء المعاصرون في ذلك الوقت سبع قراءات مختلفة على فرض أن القرآن نزل على سبعة أحرف. ثم زادت القراءات إلى عشر، ثم عشرين وأكثر.
يحاول المفسرون قصارى جهدهم أن يلتفوا حول الكلمات غير المفهومة في القرآن، أو الكلمات التي يشعرون أن بها حرجاً وربما تضع القرآن في موضع الدفاع. فمثلاً عندما نادى نوح ابنه ليركب معهم في السفينة ورفض الابن الركوب، نادى نوح ربه وقال: (إن ابني من أهلي)، فرد عليه إله القرآن بقوله (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) (هود 46). وهذا الرد يعني أن امرأة نوح قد خانته. وللخروج من هذا المأزق، يقول جلال الدين السيوطي "ونادى نوح ابنه، بلغة طيء هذا يعني ابن زوجته، وتصبح الآية: ونادى نوح ابنها" والغريب أن القرآن نفسه يقول أن امرأة نوح قد خانته، ومع ذلك يجتهد المفسرون في تحريف معاني الكلمات ليبعدوا شبهة الخيانة عن زوجة نوح: (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم 10).
القرآن يقول عن الخمر (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكراً ورزقاً حسنا) (النحل 67). للالتفاف حول موضوع السُكر هذا والقرآن قد حرّم الخمر، يقول جلال الدين السيوطي: "أخرج ابن عباس أن السكر بلسان الحبشة يعني الخل." كأنما القرآن قد أتى للأحباش. لماذا يخاطب رب القرآن عرب الحجاز بلغة الحبشة، وهو يقول عن القرآن إنه نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء 195)
ونسبةً لأن القرآن قد كتبه النساخ على عظام الكتف وجريد النخل والحجارة، ولم يكن لديهم وسيلة لترقيم تلك المواد، بل لم يكن هناك مكان واحد لحفظها، فقد حدث خلط لبعض السور عندما قرر المسلمون جمع القرآن بعد وفاة محمد. فنجد هناك سور مكية بها آيات كثيرة مدنية، مثل سورة الأنعام المكية التي تحتوي على ثمان آيات مدنية، وهي: الآيات 20، 23، 91، 93، 114، 141، 151، 153. وهناك سور مدنية بها آيات مكية. بل هناك سور مثل سورة الفاتحة، يقول المفسرون إنها نزلت مرة بمكة، ومرة بالمدينة، مع أن ابن مسعود يقول إنها ليست من القرآن إنما هي دعاء كان يدعو به محمد.
هناك عدة أخطاء في القرآن، بعضها إملائي، وبعضها نحوي، والبعض الآخر علمي أو تاريخي. سوف نناقش هذه الأخطاء لاحقاً. والقرآن ضحل جداً عندما يتعلق الأمر بأسماء الأماكن أو تاريخ حدوث المعجزات التي يزعم أنها تثبت وجود الخالق. وهو كذلك لا يذكر اسم أي امرأة، بل ينسب المرأة إلى زوجها ويقول امرأت نوح، وامرأت فرعون. وبالنسبة للرجال من غير الأنبياء، لم يذكر إلا زيد بن حارثة، الذي قضى وطراً من زينب بنت جحش فزوجها الله لنبيه محمد.
الأمنية الوحيدة التي سيطرت على عقل ووجدان محمد كانت اعتراف اليهود به كنبي من أنبياء بني إسرائيل. ولذلك نجده يتودد لليهود ويصلي لقبلتهم عدة سنوات، بل يمتدح التوراة ويقول (إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار) (المائدة 44). وكذلك يقول (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً) (الأحقاف 12). بل يوصي المسلمين باليهود خيراً، فيقول (لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) (العنكبوت 46). بل يقول (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) (النمل 76). كأنما القرآن قد "نزل" لبني إسرائيل. ثم يذكر موسى 136 مرة، وهارون 12 مرة، وبني إسرائيل 93 مرة، والذين هادوا 10 مرات، بينما لم يذكر محمداً نفسه غير أربع مرات. وعندما لم يعترفوا به، انقلب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير.
لغة القرآن عامةً بها حشو وتكرار لا مبرر له، كما بها أخطاء نحوية كثيرة. ولكن يجب الاعتراف أن اللغة المسجوعة كالشعر التي استعملها محمد في السور المكية القصيرة، لغة جميلة في جرسها لكن معانيها ضحلة، وبعضها لا معنًى مفيداً لها. فمثلاً نجد في سورة الجن:
(قل أُوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قُرآناً عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا. وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدا. وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا. وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا. وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقا. وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) (الجن 1 – 7).
اللغة جميلة ولها جرس شعري، غير أن المحتوى لا يفيد القارئ شيئاً. خيال المؤلف شطح بعيداً وتخيل أن الجن قد أسلموا عندما سمعوا محمداً يقرأ القرآن. طبعاً على أرض الواقع لم يكن هناك جنٌ سمع القرآن وأسلم. وليس هناك جن ولا شياطين. مجرد خيال.
بينما نجد في القرآن المدني لغة قائلها مرتبك ولا يدري ما ذا يريد أن يقول، فمثلاً: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (التوبة 69). تكرار ممل لكلمة "بخلاقهم" التي لا يعرف المفسرون معناها. فالواجب على القارئ أن يقرأ القرآن بعقل محايد بعد أن يُسقط القدسية عنه.
المراجع:
https://mawdoo3.com/%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85_1%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8
2 الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407، ج 2، ص 218
3 جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ص 169
4 نفس المصدر، ص 180