دراسة منهجية للقرآن - الفصل السابع - إله القرآن والغيب


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7390 - 2022 / 10 / 3 - 10:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

إله القرآن يقول إنه يعلم الغيب، ويعلم ماذا سوف يفعل كل شخص في حياته لأنه يقرر له قبل أن يولد هل سوف يكون الشخص سعيداً أم شقياً، غنياً أم فقيراً، ويعلم ما سوف يعمل هذا الشخص في حياته. بل فوق ذلك يعلم حتى عدد أوراق الشجر الذي يقع على الأرض. فهل هذا حقيقة أم مجرد ادعاء من مؤلف القرآن؟
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ) (الحديد 22). فمن المفترض أنه يعلم أي شيء عن الإنسان وما سوف يصنع في حياته، ويعرف ميوله الشخصية. ولكنه يفاجئنا بعدد كبير من الآيات يقول فيها أنه يختبر الإنسان ليعلم هل هو مؤمن برسالته الأخيرة، وهل هو يخاف الله أم لا.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران 142)
فهو إذاً لا يعلم الذين جاهدوا من الذين لم يجاهدوا، ولذلك فهو منتظر الغزوات ليعلم من الذين جاهدوا حتى يدخلهم الجنة.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (التوبة 16)
مرة أخرى يخبرنا أنه منتظر الغزوات ليعلم الذين جاهدوا ولم يكن لهم أي ولاء لغير الله ورسوله. ويؤكد لنا ذلك بقوله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت 2). فالإنسان الذي يقول إنه آمن بدعوة محمد وأصبح مسلماً ونطق الشهادتين، لا بد أن يختبره الله ليعلم صدق إيمانه.
ولا يكفي اختبار المؤمنين في السلم، لا بد أن يختبرهم بالضراء مثل الذين سبقوهم، حتى يستغيث الرسول والمؤمنون بالله ويقولوا متى النصر. حينئذ يعلم من سوف يدخل الجنة.
وفي سورة محمد يقول لنا (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد 31). ولا نعلم كيف يبلوا أي يختبر أخبارهم.
وفي سورة البقرة كذلك يكرر لنا أنه لا بد من الاختبار ليعلم الصابرين من غيرهم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة 155). فهو يختبر المسلم بموت او مرض أبنائه، وبنقص في الأموال وبالجفاف حتى ينقص أو يتلف المحصول الزراعي. كل ذلك ليختبر صبر المسلم وينأكد أنه مؤمن برب القرآن. فهو إذاً لا يعلم من هو المؤمن الحق حتى يختبرهم.
ويوم معركة جبل أُحد، يوم التقى الجمعان وكانت الهزيمة من نصيب المسلمين، كان ذلك بإذن الله، لكنه يريد من هذا الاختبار أن يعلم المؤمنين حقاً: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّـهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 166).
وفي أيام الحج عندما يجتمع آلاف الناس ليحجوا ويعتمروا، لا بد لله أن يختبرهم بالسماح لهم بالصيد في أرض مكة المحرّمة، ليعلم من يخافه بالغيب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّـهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة 94). فهو بدون هذا الاختبار لا يعلم من يخافه بالغيب، ومن يتظاهر أمام الناس أنه يخافه.
ورغم أن إله القرآن يقول إنه يعلم خبايا النفوس إلا أنه لا يستطيع تمييز الخبيث من الطيب من المؤمنين إلا بعد الاختبار: (مَا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران 179).
إله القرآن خلق الأرض والسموات ليس ليظهر مقدرته على الخلق، بل ليعلم أي الناس أحسن عملاً: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (هود 7). ليس هناك أي رابط منطقي يقنعنا أن رب القرآن خلق العالم كله فقط ليعرف أينا أحسن عملاً. ولا نعلم ما الفائدة من ذكر (كان عرشه على الماء) عندما يتحدث عن معرفة أينا أحسن عملاً.
بل أصعب من ذلك أن نعرف المنطق في أنه خلق الموت والحياة ليعلم أينا أحسن عملاً: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك 7). فهل لو لم يكن هناك موت، لم يكن في مقدور رب القرآن أن يعرف أينا أحسن عملاً؟
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء 35). لا بد لكل إنسان أن يموت ولكن لا بد لإله القرآن أن يختبرنا بالشر وبالخير ليعلم من يدخل الجنة ومن يدخل النار. أو ربما فقط لمعرفة الأخيار من الأشرار.
حتى زينة ألأرض من نبات وجبال خلقها ليختبر الناس أيهم أحسن عملاً: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الكهف 7).
و أغرب منطق يمكن أن يقرأه الإنسان نجده في سورة البقرة، الآية 143: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
صلى محمد نحو القدس منذ أن فُرضت الصلاة حوالي العام العاشر من بدء الدعوة. ثم عندما هاجر إلى يثرب وجاور اليهود، كان متفائلاً أنهم سوف يقبلونه رسولاً كأنبياء بني إسرائيل، فاستمر في الصلاة نحو القدس. وبعد عدة شهور عندما أيقن أن اليهود لن يقبلوا به، غيّر قبلته إلى مكة. وها هو إله القرآن يقول لمحمد إنه ما غيّر القبلة إلا ليعرف من يتبع الرسول ومن يتخلى عنه. مع إنه في آية سابقة قال لمحمد إنه غيّر القبلة لإرضاء محمدة لأنه رأى تقلب وجهه في السماء ليطلب من الله أن يغير القبلة له: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة 144).
يتضح لنا من هذا الطرح أن إله القرآن لا يعلم الغيب، ولا يعلم ما في سرائر الناس رغم أنه يقول إنه يعلم السر وما أخفى: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) (طه 7). ويقول كذلك: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان 6). بل يبالغ في علمه السر، فيقول: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام 59).
هناك حديث مرفوع إلى محمد يقول "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" حسب حديث زيد بن أكثم في صحيح مسلم. وكان يجب على إله القرآن أن يستعيذ بنفسه من علم لا ينفع. ما ذا يستفيد هو أو غيره من معرفة عدد أوراق الشجر التي تقع على الأرض في الغابات المطرية في الأمازون، وهي تمتد مئات الكيلومترات، وتقدر الأشجار بمئات الملايين؟ أو ما ذا يستفيد من معرفة عدد الأسماك في المحيطات؟