دراسة منهجية للقرآن - الفصل الخامس - الإرادة والتخويف


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7386 - 2022 / 9 / 29 - 04:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

المسلم مسلوب الإرادة في الإسلام. فالفرد يذوب في الأمة التي لا إرادة لها ويصبح الاثنان بلا إرادة. ما تتفق عليه الأمة، ونادراُ ما تتفق الأمة، يصبح الأمر المطاع. وفي هذه الحالة يكون القرار بيد الحاكم أي الخليفة. والخروج على الحاكم يوجب القتل، كما تقول الفتاوى منذ زمن الخلفاء الراشدين. ويسري قرار ولي الأمر على الكل والفرد لا خيار له. حتى غير المسلم لا يستطيع أن يُسلم إن لم يشأ الله.
حتى أبسط الأشياء في حياتنا محكوم بإرادة الله: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إلا أن يشاء الله) (الكهف 23-24).
على المسلم أن يقول "إن شاء الله سوف أزورك غدا." وهذا واحد من أسباب تخلف المسلمين لأن تعامل المواطن مع أجهزة الدولة مرتبط بمشيئة الله. إذا أخذ المسلم جوازه، مثلاً، للتجديد وسأل الموظف متى أرجع لاستلام جوازي؟ يكون رد الموظف: بعد أسبوع إن شاء الله. ويحضر المواطن بعد أسبوع والجواز غير مجدد لأن الله لم يشأ، ولا يستطيع أحد الاعتراض على مشيئة الله.
أما في الغرب فشركات الطيران، مثلاً، تنشر برامج رحلاتها لمدة عام كامل، بالساعة والدقيقة، وتنفذ جميع رحلاتها دون أن تقول إن شاء الله. ولا يعترض الله في بلاد الكفر. أما في بلاد الإسلام فلا تقل إني فاعل ذلك غداً.
يبدو أن إله القرآن لا يستطيع أن يقرر ما ذا يريد. فهو يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات 56). فإذاً السبب الوحيد لوجود أي إنسان هو عبادة إله القرآن. لكن الإنسان لا يستطيع أن يؤمن بالرسالة الأخيرة ويعبد الإله إلا إذا شاء له هذا الإله أن يؤمن.
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّـهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (الأنعام 111).
فهذا الإله خلق الناس فقط ليعبدوه لكن لكي يؤمنوا ويعبدوه لا بد أن يشاء هو ذلك الإيمان. والسبب أنه لا يشاء الإيمان لكل الناس هو عهد أخذه على نفسه سابقاً ولا يريد أن يتخلى عنه: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (السجدة 13). وكرر هذا العهد ثلاث مرات أخرى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف 18). (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود 119). (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص 85).
ورغم عهده هذا فهو يهدّي روع رسوله عندما يئس من قبول الناس دعوته، فيقول له: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر 8).
وكرر أنه يهدي من يشاء ويُضل من يشاء عدة مرات. فهو مثلاً يقول: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (النحل 37). (وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل 93). (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) (الرعد 27).
ويؤكد لنا في سورة يس أن الإنسان الذي خلقه إله القرآن بغرض عبادته لا ينفع معه الإنذار أو الدعوة بالتي هي أحسن، فيقول (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقحمون. وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون. وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم هم لا يؤمنون) (يس 7 – 10). فهو ما خلق الناس إلا ليعبدوه لكنه حكم على أكثرهم بأن لا يؤمنوا حتى يملأ جهنم بهم، وجهنم لا تمتلئ وتقول هل من مزيد.
ويقول كذلك: (ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدةً ولكن يُدخلُ من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير) (الشورى 8). ويكرر هذا في عدة سور، مثل (قل لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) (الأنعام 139).
وسلب إرادة المسلم يصل قمته في حالة الغزوات عندما كان أصحاب محمد يهجمون على القرى ليلاً ليقتلوا الرجال ويسبوا النساء. حتى عندما يقتل المسلم رجلاً آخر، تجد القرآن يقول (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال 17). فالله هو الذي يرمي والله هو الذي يقتل ولا ندري لماذا يحث المسلمين على القتال في الغزوات ما دام هو الذي يرمي وهو الذي يقتل.
وحتى لو أراد الشخص في أيام محمد الاستماع إلى القرآن عله يؤمن، يقول له إله القرآن: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا. وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً) (الإسراء 44-45). فليست هناك أي فرصة لشخص أن يستمع للقرآن ويتأمله ويستعمل عقله لكي يؤمن أو لا يؤمن، فإله القرآن قد وضع أكنة على قلوبهم.
وكان هناك من يستمع إلى القرآن ولكن لا يفهمه ولا يؤمن به لأن إله القرآن قد جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه فلا إرادة لهم في الإيمان به (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (الأنعام 25). فما دام السبب الوحيد الذي من أجله خلق إله القرآن الناس هو عبادة الإله، لماذا يجعل على قلوب أغلب الناس أكنةً فلا يفهمون القرآن وبالتالي لا يعبدون إلهه؟
-------------------------
إله القرآن لا يستعمل أي وسيلة إقناع للمخالفين. الاعتماد الكلي في إدخال الناس في الإسلام هي السيف أو الجزية، أو التخويف بعذاب غير محتمل وغير عادل. الإنسان في المتوسط يعيش ستين عاماً، خاصة في القرن السابع، وإذا لم يسلم يعذبه إله القرآن في جهنم خالداً فيها أبدا. أليس من العدل أن يعذبه فترة تساوي عمره منذ البلوغ حتى موته؟
فلنقرأ بعض وسائل الإقناع القرآني:
(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ) (الحج 2). منظر مخيف يبعث الرعب في قلب القارئ أو السامع ويجعله يفكر ألف مرة في هل يتبع محمداً أم لا.
(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّـهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (الأعراف 94).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّـهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام 42). فطريقة الإقناع الأولى هي التخويف وأخذ الناس بالبأساء لعلهم يتضرعون بعد أن تقسو عليهم الحياة ويقتلهم ويقتل ماشيتهم الجفاف. ويبدو أن الآية التي تقول (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل 125) لا مكان لها في نشر الإسلام لأن إله القرآن يأخذ الناس بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم يدخلون الإسلام، أو يأخذهم بالسيف.
فلو آمن هؤلاء الناس بعد البأساء التي أصابتهم، فسوف يفتح لهم أبواب الرزق: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأرض وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف 96).
فإن لم يؤمنوا يأتهم العذاب (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ) (الأعراف 97)
ومن المؤكد أن يؤمنوا إذا أخذهم بالبأساء، ولكنه إيمان دون اقتناع (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) (غافر 84). وهذا ما حدث في مكة التي كذب أهلها محمداً وسخروا منه على مدى عقدين من الزمان، ويوم جاءهم بجيش قوامه اثني عشر ألف مقاتل، أسلم كل أهل مكة في يوم الفتح لما رءوا بأس محمد.
وحتى الذين آمنوا إذا لم يتبرعوا بأموالهم لمحمد من أجل بناء جيشه للغزوات، يهددهم إله القرآن بأسوأ أنواع العذاب: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة 35). ولذلك لما تبرع عثمان بن عفان بكثير من أمواله لمحمد لبناء جيشه في المدينة، قال لهم محمد "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم".
القرآن يعترف أنه يعتمد على تخويف الناس لإدخالهم في الإسلام، فهو يقول: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) (الإسراء 59). ويكرر التخويف، فيقول: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (الإسراء 60)