الأشجار في القرآن


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7110 - 2021 / 12 / 18 - 09:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كل الميثولوجيا في العالم القديم اعتبرت أن الشجرة هي أصل الحياة. نجد مثلاً في الأساطير الاسكندنافية أن شجرة الكون تربط عروقها العالم السفلي بالعالم العلوي حيث الآلهة، ويجلس على قمتها نسر ضخم لا يطير. وفي الديانة الزرادشتية عندما صعد الرجل الصالح إلى السماء ورأى الشجرة التي يجلس عندها الإله أهور مازدا، رأى أن لها سبعة فروع: ذهبي وفضي، والثالث من البرونز، والرابع نحاس، والخامس قصدير، والسادس من فولاذ، والسابع من حديد. وهذه كانت الشجرة المقدسة بجوار عرش الإله
أما في الهندوسية فهناك شجرة فروعها في السماء وجذورها في العالم السفلي، وجذعها هو البراهمن الخالد الذي لا يفنى. وفي الأساطير السومرية نجد شجرة ضخمة يقيم في أعاليها نسر وفي جذورها أفعى. كل الأساطير القديمة تحدثت عن أشجار أو غابات، لأن مناخ البلاد التي ظهرت فيها هذه الأساطير في آسيا، أو أوربا، أو أفريقيا ممطر ويساعد على نمو الأشجار. ثم ظهرت بعد ذلك في الميثولوجيا غابات مقدسة. وربما يكون السبب في ذلك أن الأوربيين بعد أن تركوا حرق الجثث واستبدلوا ذلك بالدفن، نبتت أشجار ضخمة وكثيرة الخضرة في المقابر لأنها كانت تتغذي على النتروجين والأملاح من الجثث المتحللة. واعتقد الناس وقتها أنها غابات مقدسة لأن أشجارها أكبر حجماً وأكثر خضرةً من الأشجار العادية. واعتقدوا أنها تحتوي على أرواح الموتى مما يجعلها أكبر وأكثر خضرةً. حتى اليهودية كانت تقول بشجرة الحياة (8 وغرس الإله الرب جنة عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله. 9 وأنبت الإله الرب من الأرض كل شجرةٍ شهيةٍ للنظر وجيدة للأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر) (سِفر التكوين، الإصحاح الثاني)
ثم جاء الإسلام الذي نبت في صحراء جرداء، قاحلة، كما قال النبي إبراهيم عندما أنزل هاجر وإسماعيل في مكة، كما يزعم مؤلف القرآن دون أي سند تاريخي، فقال مخاطباً ربه (ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم) (إبراهيم 37). منطقة مكة منطقة صحراوية، والصحراء والأشجار لا يلتقيان.
مما لا شك فيه أن الأديان وليدة بيئتها، ولكن إله الإسلام، رغم البيئة الصحراوية الخالية من الأشجار، ذكر الشجر، والنخل، والزيتون اثنتين وعشرين مرة، وكلها في آيات مكية ما عدا أربع آيات في سور مدنية. ورغم أن أهل مكة لهم خبرة محدودة جداً بالأشجار، نجده يقول لهم عن شجرة الزقوم غير المعروفة لأي شخص في العالم (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين) (الصافات 64-65). ومن المؤكد أن عرب مكة لم يشاهدوا الشياطين، ناهيك عن رؤوسها، وبالتالي يصبح هذا الوصف حشواً لا قيمة له.
ثم نجد أن إله القرآن يخلط بين الشجر والخضروات، فهو يقول عن يونس بعد أن لفظه الحوت (وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين) (الصافات 146). واليقطين هو القرع، وهو نوع من الخضروات، وهناك نوع منه يُعتبر فاكهة. واسمه العلمي cucurbita. وبالتالي هو ليس شجراً. إنه نبات زاحف على الأرض creeper. ربما احتاج مؤلف القرآن إلى بعض الدروس في علم النبات.
إله القرآن مغرم بالمبالغة، فهو يقول (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) (لقمان 27). المبالغة هنا مهولة. فلو جعلنا فقط البحر الأبيض مدادا، لكتب إله القرآن مليارات الكتب الكبيرة دون أن يؤثر ذلك في كمية مداد البحر الأبيض. وأعجبت هذه المبالغة شيوخ الإسلام، فقال ابن كثير، في البداية والنهاية: هناك شجرة في الجنة يسير الراكب عاماً ولا يقطع ظلها (البداية والنهاية، ج1، ص 16). والمرء يستغرب من أين أتى ظل هذه الشجرة والقرآن يقول عن أهل الجنة (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا) (الإنسان 13). إذا لم تكن هنالك شمسٌ فحتماً لن يكون هناك ظلٌ يسير فيه الراكب.
يخاطب إله القرآن عرب مكة الصحراوية، ويقول لهم (ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) (الأنعام 99). كيف ينظر أهل مكة إلى أشجار العنب والرمان عندما تينع، أي تُزهر، وهم لم يروا الرمان في حياتهم؟ ثم أن لغته غريبة إذ يقول مشتبهاً وغير متشابه. ومشتبهاً تعني به شُبهة، أي شك. فهو دون شك كان يعني متشابهاُ
في كل الميثولوجيا الهندية والفارسية والأوربية نجد الأشجار والغابات المقدسة ذات أوراق ضخمة وجميلة وشديدة الخضرة. وعندما نرجع إلى القرآن نجد أن إله الصحراء قد وضع عرشه عند سدرة المنتهى في السماء السابعة (النجم 14). والمعروف أن السدر، وهو شجر النبق، أوراقه صغيرة، قليلة الظل، وبه شوك طويل يؤذي من يلتقط النبق. ويقال إن إعرابياً أتى محمداً وقال له: إن الله جعل في الجنة شجرةً تؤذي صاحبها، فقال له محمد ما هي؟ فقال السدر فإن له شوكاً. وحتى القرآن نفسه يؤكد دونية السدر، فيقول (لقد كان لسبأ في مسكنهم آيةٌ جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل) (سبأ 15-16). ويقال إن محمداً قال للإعرابي إن سدرة المنتهى مخضوضة، أي أن الله نزع شوكها وأبدله بثمر كثير. الثمرة الواحدة تفتق عن 72 لوناً من الطعام (انتهى). بدل أن يُتعب إله القرآن نفسه بنزع الشوك من السدرة، لماذا لم يختر شجرة ظليلة وجميلة كشجرة اللبخ أو البلوط مثلاً؟ ولكن لا غرابة، فإله الصحراء لا بد أن يختار شجرةً صحراوية كالسدر.
(وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (الإسراء 60). القرآن حتماً لم يلعن أي شجرة، ولكن المفسرين قالوا إنها شجرة الزقوم التي تنبت في جهنم ويأكل منها أهل النار. كأنما أهل النار لديهم الوقت ليأكلوا بينما النار تشوي جلودهم. وهذه الشجرة لا بد أنها من الفولاذ لأنها تحتمل نار جهنم وتنتج ثمراً يأكله المعذبون في النار.
القرآن له قصة مع النخيل الذي لا يوجد في مكة. واحة يثرب مليئة بالنخيل وكذلك منطقة فلسطين مثل أريحا والأغوار وخان يونس وقطاع غزة. ولكن عندما تحدث إله القرآن عن مريم العذراء عندما حبلت بعيسى، قال (فحملته فانتبذت به مكاناً قصيا. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا.. . وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) (مريم 25-27). يخبرنا إله القرآن أن مريم بعد أن حملت بعيسى سارت من بيت لحم إلى مكان قصي، ولا بد أنها دخلت مزرعة وجاءها المخاض عند نخلة في المزرعة لأن النخل يعتمد على تلقيح النخلة بواسطة شخص يربط جزءاً من ذكر النخل إلى أنثى النخل ليلقحها، وإلا لن تنتج النخلة رطباً جنيا. فلا بد أنها لم تكن نخلة في الصحراء في مكان قصيا. وإذا كانت مزرعة فإنها لن تكون قصيا لأن عمال المزرعة يرتادونها يومياً من مكان سكنهم، ومريم هذه لا بد أنها كانت تملك من القوة شيئاً هائلاً لتهز بجذع النخلة ليتساقط إليها رطباً جنياً وهي قد ولدت لتوها. وتثبت قصة تأبير النخل ما ذهبنا إليه. فبعد أن ارتحل محمد من صحراء مكة إلى يثربـ رأى أهلها يلقحون النخل، فسألهم ماذا يفعلون، فأخبروه. فقال لهم: لا أظن أنكم تحتاجون هذا. فتركوا النخل دون تلقيح ولم ينتج لهم تمراً. وعندما علم محمد بذلك قال لهم: أنتم أعلم بأمور دنياكم
هذه الآيات تثبت أن القرآن صناعة بشرية أتى بها محمد الذي تربى في الصحراء المكية، فجاء قرآنه صحراوياً بحتاً لدرجة أنه منح إله القرآن شجرة النبق (السدرة) ليضع عندها عرشه بعد أن يقتلع منها شوكها الكثير وينبت مكانه ثماراً.