دراسة منهجية للقرآن - الفصل الثاني عشر - الناسخ والمنسوخ والتكرار


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7399 - 2022 / 10 / 12 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مشكلة القرآن الذي بين أيدينا أن إكماله استغرق ثلاث وعشرين سنة تخللتها غزوات ومشاجرات بين المسلمين أنفسهم، وزيجات متكررة لمحمد واحتفالات. الذاكرة البشرية، مهما تعاظمت قدرتها، عرضة للنسيان والخلط. ولهذا السبب نجد أن القرآن مليء بالتكرار الذي نتج من ضعف ذاكرة محمد، خاصةً أن المسلمين الأوائل أشاعوا أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وهو ادعاء لا تسنده الوقائع. المهم أن محمداً كان يأتي بآيات وبعد مرور عدة سنوات ينسى أنه قالها، فيقولها مرة أخرى مع بعض التغيرات الطفيفة. وربما تكون بعض هذه الآيات متعارضة مع آيات أخرى سبقتها. وللخروج من هذا المأزق اخترع شيوخ الإسلام فكرة الناسخ والمنسوخ، وهي فكرة فطيرة نُسبت لإله من المفترض فيه أنه لا ينام ولا ينسى، وقال لنا أنه كتب هذا القرآن في لوح محفوظ عنده في السماء السابعة من قبل أن يخلق العالم. ونعجز أن نجد سبباً لهذه العجلة في كتابة القرآن قبل أن يخلق العالم والإنسان بمليارات السنين. ثم بعد أن خلق الإنسان، أرسل عدة رسل وأنبياء، منهم من كان خليل الله، ومنهم من كلمه الله، ومنهم من سخّر له الريح والجن ليخدموه، ومع ذلك لم يجد من يحمل هذه الرسالة من المئة وأربعةً وعشرين ألف رسول الذين تقول كتب التراث إنه أرسلهم، حتى خلق محمد الأمي، اليتيم، ليحملها.
ونتيجةً لعدم كتابة القرآن حال نزوله، حدث التناقض الواضح بين آياته فقالوا بعض الآيات نسخت بعضاً من القرآن. وهناك مجموعة من المسلمين يسمون أنفسهم "أهل القرآن" ينكرون أن يكون هناك ناسخ ومنسوخ في القرآن، كلام الله. هم يقولون إنّ النسخ تعني الكتابة وليس الإلغاء. ولكن المشكلة التي تواجه هؤلاء القوم هي قول القرآن نفسه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّـهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج 52). من المؤكد أن الله لا يكتب ما يُلقى الشيطان على رسله، فالمنطق القويم يقول إن الله يُلغي ما ألقى الشيطان. فإذاً هناك ناسخ ومنسوخ في القرآن لأن إله القرآن يقول (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة 106). فإذا كان سوف يأتي بمثلها، لماذا نسخها؟
تفنن شيوخ الإسلام في طرح الناسخ والمنسوخ، وقال الشيخ هبة الله بن سلامة: "النسخ في القرآن ثلاثة أنواع:
1- منسوخ التلاوة دون الحكم
2- منسوخ التلاوة والحكم
3- منسوخ الحكم دون التلاوة
لماذا ينسخ الله التلاوة ويترك لنا حكمها؟ هل ليقلل عدد آيات المصحف التي تبلغ الآن أكثر من ستة آلاف ومئتين آية، كثير منها مكرر عدة مرات بدون أي داعٍ لذلك؟ حتماً الجواب بالنفي. فليس هناك أي سبب منطقي لإزالة الآية من المصحف وإبقاء العمل بأحكامها. يقول ابن الجوزي في كتابه – فنون الأفنان – ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به. وهذا يعني إسراع الأمة في اتباع الظن، مع أن القرآن يقول (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (يونس 36). ويقول كذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات 12).
ولماذا ينسخ إله القرآن التلاوة والحكم لآيات كان قد أنزلها من قبل، وفي فترة ليست بالطويلة. هل تغير حال عرب الجزيرة بهذا السرعة بعد بدء رسالة محمد، أم أن الله لم يكن يدري أن الحال سوف يتغيّر بعد فترة قصيرة واستعجل بإنزال الآيات المنسوخة؟
أما الأصعب فهما من ذلك هو لماذا ينسخ الله الحكم ويترك الآية في مكانها في المصحف، والمصحف، كما قلنا، مليء بالآيات المكررة دون سبب أو فائدة؟ أما كان من المفيد نسخ الآية إذا نسخ حكمها؟ و كمثال على الآيات التي نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، كما يقول الحسين بن المناوي، في كتابه – الناسخ والمنسوخ -، سورتي الخلع والحفد: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك، ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك، ونخشى عذابك إنّ عذابك بالكافرين ملحق.
أما النوع الثاني: الآيات التي نُسخت تلاوتها وحكمها، يُعطي ابن سلامة مثالاً عنها بقصة عبد الله بن مسعود حينما قال: "أقرأني رسول الله [...] آيةً فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت إلى مصحفي فلم ارجع منها بشيء، وعدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء، فأخبرت رسول الله [...] فقال لي يا ابن مسعود تلك رُفعت البارحة.
أي عبث هذا الذي يقول به شيوخ الإسلام. محمد يملي آية على ابن مسعود الذي كتبها في مصحفه، وبعد ساعات عندما جاء الليل لم يجد الآية لا في ذاكرته ولا في مصحفه. هذا القول يشي بأن رب القرآن متذبذب لا يعرف ما يريد. ينزل الآية وبعد ساعات فقط ينسخها. ثم يأمر ملائكته بإزالة الآية من مصحف ابن مسعود ومن ذاكرته كذلك. لماذا كل هذا المجهود الضائع. هل في الآية شيء ندم إله القرآن عليه وأراد أن يخفيه عن بقية الناس فمحى الآية من مصحف بن مسعود؟ وحتى اليوم لا نعرف ما هي تلك الآية التي خبأها إله القرآن عنا.
أما النوع الثالث: منسوخ الحكم دون التلاوة، فقد نجد عدة آيات منه. فمثلاً الآية التي طلبت من المسلمين أن يقدموا صدقة بين يدي رسول الله إذا ناجوه: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) (المجادلة 12). ثم نسخها في الآية التي تليها في نفس السورة (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المجادلة 13).
معظم سور القرآن بها آيات ناسخة أو منسوخة، ما عدا ثلاث وأربعين سورة فقط ليس بها ناسخ أو منسوخ. وأغرب ما في باب الناسخ والمنسوخ نجده في سورة البقرة. الآية 234 تقول (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة 234). فإله القرآن يخبرنا أن الرجل إذا توفي تكون عدة أرملته أربعة أشهر وعشرة أيام. هذه الآية نسخت آية في نفس السورة لم تكن قد نزلت بعد، وهي الآية 240 (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة 240). هذه الآية تقول إن عدة الأرملة سنةٌ كاملة وليست أربعة أشهر وعشرة أيام، كما سبق.
وهنا يقف العقل حائرا في فهم منطق إله القرآن. ما دام الآية 234 حددت مدة نفقة الأرملة بأربعة أشهر وعشرة أيام، لماذا أتى بالآية المنسوخة بعد خمس آيات من الآية الناسخة؟ والآية المنسوخة تقول إنّ عدة الأرملة سنة كاملة كما كان العرب يفعلون قبل الإسلام؟ هذا منطق أشك أن نجد شخصاً يفهمه. ولا نفهم كذلك كيف يقول رب القرآن (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة 106). فإذا كان سوف يأتي بمثلها، لماذا نسخها؟ قد نفهم أنه يأتي بأحسن منها أما أن يأتي بمثلها، فشيء يصعب فهمه.
التكرار:
حجم المصحف الحالي ربما ينقص بحوالي الربع لو حذفنا كل الآيات المكررة. فكما ذكرنا سابقاً فإن موسى تكرر في القرآن 136 مرة. أما قصص إبراهيم وبني إسرائيل فقد تكررت عشرات المرات. وهناك آيات غير موسى وبني إسرائيل تكررت عدة مرات. فمثلاً سورة الرحمن بها 78 آية، كرر فيها (بأي آلا ربكما تكذبان) إحدى وثلاثين مرةً.
عندما كان إله القرآن يحاول أن يحث الأعراب على الغزوات قال (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح 17). ثم كررها لنا بدون أي داعٍ لذلك، فقال:
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (النور 61).
فما دخل الأعمى والأعرج والمريض بالأكل في البيوت التي عددها. وهل نحتاج آية قرآنية تنزل من السماء لنعرف أنه يجوز لنا أن نأكل في بيوت آبائنا وأمهاتنا وأصدقائنا. وما دام القرآن صالحاً لكل زمان ومكان، لماذا لم يذكر لنا الأكل في المطاعم والفنادق، وحتى في الطائرات أو محطة الفضاء العالمية. فهل يحل لنا أن نأكل في المطاعم أم لا بد أن يكون عندنا مفاتيحها.
(إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (المائدة 110)
هل هناك أي داعي لتكرار "بإذني" كل هذه المرات؟ الا تكفي مرة واحدة لنعرف أنه يُخرج الموتى ويشفى المرضى ويخلق من الطين طيراً بإذن الله؟
(إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (الحجر 31)
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (الحجر 32)
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الأعراف 11)
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ]) (سورة ص 75)
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف 12)
ماذا نستفيد من كل هذا التكرار لقصة رفض إبليس أن يسجد لآدم؟
في سورة المرسلات كرر (ويل يومئذٍ للمكذبين عشرة مرات، والسورة بها خمسون آية فقط.
ونجد في سورة الأحزاب (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمصدقين والمصدقات والصائمين والصائمات والحافظين لفروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً) (الأحزاب 35). تكرار ممل لا يخدم غرضاً واضحاً.
وهناك آيات لا معنًى لها على الإطلاق، مثل:
(وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد 40)
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّـهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ) (يونس 40)
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (غافر 77)
ما معنى هذه الآية المكررة ثلاث مرات؟ يقول لرسوله: إما نريّنك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك. لا الشرط ولا جواب الشرط يفيدنا أي شيء. فإما يريه بعض الذي يعدهم أو يتوفاه. لا علاقة إطلاقاً بين الشرط وجوابه. الله يقول لمحمد إما أن أريك ما أعدهم أو أتوفاك قبل أن أريك ما أعدهم. يمكن لأي شخص أن يقول هذا الكلام.
(وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال . في سموم وحميم. وظلٍ من يحموم) (الواقعة 41 – 43). هل هناك شخصٌ سمع بظلٍ من يحموم؟ إنها القافية التي أجبرته ليستعمل يحموم حتى تنتهي الكلمة بالميم. لا أحد من المفسرين، أو عامة الناس يعرف ما هو اليحموم.
(ثم أنكم أيها الضالون المكذبون. لآكلون من شجرٍ من زقوم. فشاربون عليه من الحميم. فشاربون شرب الهيم) (الواقعة 51 – 55). ما هو الهيم، وما هي شجرة الزقوم؟ القافية قد تضطر الكاتب لاختراع كلمات لا وجود لها في لغة القوم.
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (الزمر 69). هل هناك خصام بين النبيين والشهداء حتى يقضي إله القرآن بينهم بالحق؟ وهل يقصد بالشهداء شهداء الغزوات المباركة، أم يقصد بها الشهود الذين يشهدون في الجرائم؟ فالقرآن يستعمل كلمة "شهيد" لتعني الاثنين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة 282). فالشهيد هنا هو الشاهد وليس شهيد المعارك.
القرآن كذلك يستعمل كلمة "المحصنات" للنساء المتزوجات، وكذلك للفتاة غير المتزوجة ولكن من أسرة كريمة، يعني ليست أمة: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء 25).فالمحصنات الأولى للفتيات غير المتزوجات، فإذا أُحصن، أي تزوجن، فعليهن نصف ما على المتزوجات غير الإماء، من عذاب.
(وإذا الوحوش حُشرت) (التكوير 5). نحن نفهم أن إله القرآن سوف يحشر الخلق يوم القيامة ليقتص من المجرم والمذنب، وليثيب المحسن. لكن لا نفهم لماذا يحشر الوحوش وهو خلقها لتتغذى على الحيوانات غير المفترسة. فهل سيحاسب الوحوش بعد أن يحشرها على أنها مثلاً أكلت جدياً ابن يومين أو ثلاثة ولم تمنحه الفرصة ليكبر؟ أم سوف يحشر الوحوش ليظهر للإنسان الكافر مقدرة إله القرآن على حشر الإنسان والحيوان؟ ولكن الإنسان الكافر يوم القيامة له شأن يغنيه، فلن يلاحظ حشر الوحوش.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس 39). العرجون هو العذق عامةً وقيل هو العذق إذا يبس وأعوج. وقيل هو أصل العذق الذي يعوج ويُقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابساً. بمعنى أخر، العرجون هو الفرع الذي يحمل التمر في النخلة، وبعد أن يحصدوا التمر يموت ذلك الفرع ويتغير لونه ويضمحل. فهل هناك أي علاقة بين القمر أو الهلال والعرجون القديم؟ أنا لا أرى أي علاقة تدعو للتشبيه.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء 25).
الفقير الذي لا يستطيع أن ينكح بنات الأسر الغنية (المحصنات) فعليه بالجواري (ما ملكت أيمانكم). وهذه الأمة التي يتزوجها الفقير إن أتت بفاحشةٍ، والفاحشة في الفقه الإسلامي هي الزنى، فعليها نصف ما على المحصنات من عذاب. ونحن نعلم أن عذاب المحصنات غير الجواري إذا أتين بفاحشة، فعقابهن الرجم. فكيف يكوم على الأمة المحصنة نصف ما على المحصنات غير الإماء؟
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة 67)
هل نحتاج لآية من السماء السابعة تأتي في معية جبريل لتقول لمحمد إذا لم تبلغ رسالة إله القرآن، فما بلّغت؟ أم كان الغرض من الآية زيادة عدد آيات القرآن حتى يكون حجم المصحف كبيراً علّه يُقنع الكافرين بحجمه؟
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور 26). اختلف المفسرون كالعادة في تفسير هذه الآية، فقال بعضهم الخبيثات والطيبات هن الأعمال، وقال أخرون هن النساء. أنا لا أرى أي معنى لهذه الآية، سواء أكانت الطيبات كلمات أم نساء.