بلاغة القرآن المزعومة


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 6642 - 2020 / 8 / 10 - 15:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

بقوة السيف وانعدام المنطق استطاع المسلمون الأوائل أن يخلقوا هالة حول القرآن والسنة ألغت وظائف العقل الفردي والجمعي وجعلت من المسلم أداة طيعة في يد رجال الدين يعجنونه ويوحون إليه ما يريدون منه أن يفعله. وزرع المسلمون الأوائل الأميون في أطفالهم هذا الإذعان لرجل الدين وللنص الإسلامي. واستمر هذا الإذعان والخنوع إلى يومنا هذا في المسلمين لدرجة أنهم وهبوا عقولهم للدين واحتفظوا منها بالجزء الأسفل من الدماغ الذي يقوم بالوظائف الحيوانية من تنفس وأكل وشرب وممارسة الجنس وأضافوا إليه أداء الشعائر الدينية.
لم يقتصر هذا الإذعان على الأميين فقط بل تعداهم إلى رجال يشار إليهم بالبنان في العلوم اللغوية والعلوم الطبيعية والفلسفة، مثل العلامة محمد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر الشهير بخطيب الري (544 - 604 هجرية) (وهو غير الفيلسوف محمد بن زكريا الرازي، توفي 312 هجرية، وكان لا يؤمن بفكرة الأنبياء والرسل وقد كفرّه الغزالي). هذا الرجل (محمد الرازي فخر الدين) رغم نبوغه في الفلسفة والطب والكيمياء والرياضيات، كما فعل محمد بن زكريا الرازي، فقد أذعن كغيره من المسلمين لعبودية التراث ولتبجيل القرآن. فزعم أن القرآن يفوق في بلاغته كل ما أتى به العرب من بلاغة في الشعر والنثر، ويزعم أن القرآن، عكس الشعر العربي، يخلو من الكذب. فهو يقول:
" واعلم أنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة تقتضي نقصان فصاحته، ومع ذلك فإنه في الفصاحة بلغ النهاية التي لا غاية لها وراءها فدل ذلك على كونه معجزاً، أحدها: أن فصاحة العرب أكثرها في وصف مشاهدات مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة وليس في القرآن من هذه الأشياء شيء فكان يجب أن لا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتفقت العرب عليها في كلامهم"
"وثانيها: أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق وتنزه عن الكذب في جميعه وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً ألا ترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما نزل شعرهما. ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي وأن الله تعالى مع ما تنزه عن الكذب والمجازفة جاء بالقرآن فصيحاً كما ترى."
"وثالثها: أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين. والباقي لا يكون كذلك، وليس كذلك القرآن لأنه كله فصيح بحيث يعجز الخلق عنه كما عجزوا عن جملته."
"ورابعها: أن كل من قال شعراً فصيحاً في وصف شيء فإنه إذا كرره لم يكن كلامه الثاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأول. وفي القرآن التكرار الكثير ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً. "
"وخامساً: أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الكلمات توجب تقليل الفصاحة."
"وسادسها: أنهم قالوا إن شعر أمرئ القيس يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل. وشعر النابغة عند الخوف، وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء، وبالجملة فكل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن، أما القرآن فإنه جاء فصيحاً في كل الفنون على غاية الفصاحة ........."
"وسابعها: أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه. وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق"
وسوف نثبت هنا ان كل النقاط السبع التي ذكرها الرازي مغلوطة ولا أساس لها من الصحة. فالنقطة الأولى تقول "إن فصاحة العرب أكثرها في وصف مشاهدات مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة وليس في القرآن من هذه الأشياء شيء فكان يجب أن لا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتفقت العرب عليها في كلامهم"
القرآن ملئ بالوصف مثله مثل القصائد العربية وعليه يجب ان تكون فصاحته مثل فصاحة الشعر الجاهلي. ها هو القرآن يصف المعارك وحال الناس يوم الحساب:
(يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (الحج 2). أو هلاك عاد (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سع ليالٍ وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نحل خاوية) (الحاقة 6-7). ودعونا نقرأ وصف أهل الكهف (وترى الشمس إذا طلعت تزورّ عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه. وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا) (الكهف 16-18). فهذا الوصف لا يختلف عن وصف إمرئ القيس لفرسه "مُكرٍّ ُمفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً **** كجلمود صخرٍ حطه السيل من علٍ"
أما وصف الخيل والمعارك فهناك عدة سور في القرآن تفعل ذلك، مثل (والعاديات صبحاً. فالموريات قدحاً. فالمغيرات صبحاً. فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً) (العاديات 1-5). فهذا وصف لمعركة حدثت صبحاً. فقول الرازي أن القرآن يخلو من الوصف ليس صحيحاً.
وثانيها: أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق وتنزه عن الكذب في جميعه وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً ألا ترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما نزل شعرهما. ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي وأن الله تعالى مع ما تنزه عن الكذب والمجازفة جاء بالقرآن فصيحاً كما ترى.
الرازي هنا بعقله الجمعي يزعم أن القرآن صادق في كل شيء وأن الشعراء الذين أسلموا مثل حسان بن ثابت، شاعر محمد، قد التزموا الصدق في شعرهم ولذلك نزل مستوى البلاغة فيه. وهذا حديث تنقصه الأمانة. حسان لم يترك الكذب بعد أن أسلم، بل زاد فيه وروّج لحادث الإفك عن عائشة وجلده محمد ثمانين سوطاً حد القذف (الكذب على عائشة). ثم أن القرآن، كلام الله، كما يزعمون، لا يخلو من الكذب. المسلمون عندما يقرأ الواحد منهم أو يسمع آية من القرآن يقول "صدق الله العظيم". فإذا كان المؤمن يمكن أن يحكم أن الله قد صدق، يمكن كذلك أن نقول إن الله قد كذب. فلو كان الله منزهاً عن الكذب لما احتاج المسلم أن يقول "صدق الله العظيم".
فإذا أخذنا مثلاً قوله لبني إسرائيل (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وإني فضلتكم على العالمين) (البقرة 122)، نفهم أنه فضّل بني إسرائيل على جميع خلقه من الناس، ولم يصدر عنه بعد ظهور الإسلام أن ألغى هذا التفضيل. فبنو إسرائيل يظلون شعبه المختار. لكنه كذب على المسلمين حين قال لهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) (آل عمران 110). فلو كان أهل الكتاب، وهم اليهود، أكثرهم فاسقون، كيف فضّلهم على بقية الناس وجعلهم شعبه المختار؟ فإما أنه يفضّل الأمم بدون أي مقياس أخلاقي، أو أنه كذّب على بني إسرائيل عندما قال لهم إنهم شعبه المختار. الكذبة الثانية أنه قال (منهم المؤمنون) فهل هناك يهود يؤمنون بالقرآن؟ في حياة محمد وقت نزول القرآن أسلم عبد الله بن سلام من بني قينقاع، وأسد بن كعب من بني قريظة، ويامين بن عمير من بني النضير. هؤلاء النفعيون أرادوا أن ينجوا من الموت فأسلموا. ومن التابعين أسلم كعب الأحبار من اليمن، ووهب بن منبه، وهارون بن موسى النحوي. ولم يحدث أن آمن يهودي بعد ذلك بالإسلام حتى يومنا هذا. سورة البقرة التي قال فيها لليهود أنهم شعبه المختار كانت أول سورة كشفها محمد بالمدينة، وبعدها مباشرةً أتت سورة آل عمران التي قال فيها للمسلمين إنهم خير أمة أُخرجت للناس. فإما أن يكون القرآن قد كذّب على اليهود أو كذّب على المسلمين. وبما أن صاحب القرآن يكذب كالشعراء، يجب أن يكون القرآن في نفس بلاغة الشعراء قبل الإسلام. لكنه غير ذلك
ثم هناك كذبة أكبر عندما قال القرآن عن اليهود (وإذ تأذّن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) (الأعراف 167). يقول الطبري في تفسيره: تأذّن يعني أمر. فهل الله أمر أن يرسل على اليهود من يسومهم سوء العذاب إلى يم القيامة؟ فها هي إسرائيل تتحكم في الشرق الأوسط وعائلات روثجايلد Rothchild و روكوفيلار Rockefeller يتحكمون في أمريكا، وبالتالي على العالم. فالقرآن فيه الكذب، على عكس ما يقول الرازي.
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (النساء 141). هذه كذبة أخرى. فالكافرون قد استولوا على كل البلاد الإسلامية من جنوب شرق آسيا إلى شمال إفريقيا، وأذاقوا المؤمنين الويلات. فكيف يقول إنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا؟
" وثالثها: أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين. والباقي لا يكون كذلك، وليس كذلك القرآن لأنه كله فصيح بحيث يعجز الخلق عنه كما عجزوا عن جملته." يزعم الرازي أن القصيدة العربية تكون البلاغة فيها محصورة في بيتين أو ثلاثة فقط، وهذا غير صحيح. أي معلقة من المعلقات السبع تنضح بلاغة في جميع أبياتها. وشعر المتنبي فصيح في جميع أبيات قصائده. أما القرآن ففصاحته تكاد تكون محصورة في السور المكية القصار. أما السور المدنية، بعد أن اشتغل محمد بالغزوات وانقطع عن أساتذته، نجدها مليئة بالآيات الركيكة، مثل (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون) (التوبة 69). فالتكرار الممل هنا لكلمة "بخلاقهم" يرمي بالبلاغة من نافذة الحجرة. أما قوله (كالذي خاضوا) فيرمي بالنحو كذلك. فالمفروض أن يقول (وخضتم كالذين خاضوا) أو (كالذي خاض وليس كالذي خاضوا).
" ورابعها: أن كل من قال شعراً فصيحاً في وصف شيء فإنه إذا كرره لم يكن كلامه الثاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأول. وفي القرآن التكرار الكثير ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً." انتهى
أنا لست ملماً بأي شاعر وصف نفس الشيء في قصيدتين أو أكثر، ولكني أعلم أن القرآن قد كرر كثيرا وحدث فيه تفاوت كثير على عكس ما يقول الرازي. فمثلاً القرآن يقول (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) (المؤمنون 51-52). ثم يقول لنا (ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين) (هود 118). فهو قد أخبر جميع الرسل أن أمتهم أمة واحدة. ثم جاء وقال لو شاء لجعل الناس أمة واحدةً. فها هو القرآن يتحدث عن الأمم في آيتين ويظهر التفاوت واضحاً بينهما على عكس ما يقول الرازي. ويقول كذلك، وفي منتهى الركاكة (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة ً هي أربى من أمةٍ إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) (النحل 92). يقول الطبري في تفسير هذه الآية "الدخل كل شيء لم يكن صحيحاً. وتكون أمة أربى من أمة يعني أكثر منها عدداً". هذه الآية أبعد ما يكون عن البلاغة إذ كان يمكن لكاتب القرآن أن يختصر ويقول "ولا تنقضوا عهدكم مع أمةٍ لأن هناك أمةٌ أكبر منها تريد أن تتعاهد معكم".
" وخامساً: أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الكلمات توجب تقليل الفصاحة." ومن المؤكد أن الرازي لم يكن نزيهاً في هذا الطرح. فيكفي أن نقرأ خطبة قس بن ساعدة الأيادي في الحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا والتركيز على الآخرة لنرى البلاغة في أسمى معانيها. " أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تَمور، وبحار لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر.. إِنَّ فِى السَّمَاءِ لَخَبَراً، وإِنَّ فِى الأرضِ لَعِبَراً، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟!، أرَضُوا فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر إياد.. يا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه.. يقسم (قس) بالله قَسَماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضَى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً». هذه هي البلاغة التي تعوز القرآن.
" وسادسها: أنهم قالوا إن شعر أمرئ القيس يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل. وشعر النابغة عند الخوف، وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء، وبالجملة فكل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن، أما القرآن فإنه جاء فصيحاً في كل الفنون على غاية الفصاحة". انتهى
مرة أخرى يزعم الرازي أن القرآن فصيحٌ في كل الفنون، وهو غير ذلك. فلنقرأ هذه الآيات:
(لاهيةٌ قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السحرَ وأنتم تبصرون) (الأنبياء 3) منتهى الركاكة، ولغة أكلوني البراغيث. اسم الإشارة (الذين) يجب أن يكون في أول الجملة، فيقول (الذين ظلموا وأسروا النجوى لاهية قلوبهم ويقولون هل هذا إلا بشر مثلكم).
ثم نقرأ هذه الآية (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (النور 61). وكان يمكن أن نختصر هذه الآية كالآتي (ليس على الأعمى ولا الأعرج ولا المريض حرج ولا عليكم إذا اكلتم في البيوت التي يدعوكم أصحابها بعد أن تسلموا على أهلها). وهل الإنسان في حاجة إلى رسالة من رب السماء لكي يعرف أنه يمكنه أن يأكل في كل البيوت التي ذكرها القرآن بهذا الأسلوب الركيك؟
"وسابعها: أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه. وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق". انتهى كلام الرازي.
لا يحتوي القرآن على جملة واحدة من علم الكلام، ناهيك أن يكون كل علم الكلام في القرآن. أما بالنسبة للفقه فالقرآن برئ منه. ها هو القرآن يقول لنا (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (النور 2). وترتيب سورة النور حسب الأزهر هو 102 من 114. يعني من آخر السور التي أتى بها محمد قبل وفاته، ومع ذلك استطاع البخاري أن يقنع فقهاء الإسلام أن اليهود أتوا بامرأةٍ منهم ورجل قد زنيا، وطلبوا من محمد أن يحكم عليهما، فرجمهما محمد ولذلك أصبح عقاب الزاني أو الزانية المحصن الرجم، وغير المحصن الجلد. يثبت المسلمون هنا أنهم لا يفكرون. القرآن يقول لهم (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (المائدة 44). القرآن يقول التوراة فيها نور يحكم بها النبيون. فكيف يُعقل أن يأتي اليهود لمحمد بالمرأة والرجل ليحكم عليهما وعندهم التوراة؟ ثم أما كان بإمكان الله في هذا الوقت المتأخر من الرسالة أن يبين للمسلمين إذا كان عقاب الزنا الرجم أو الجلد؟
ويقول القرآن كذلك (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً) (النساء 16). أي عقوبة اللواط أن نؤذي الرجلين، فإن تابا وأصلحا نتركهما لشأنهما. ولكن فقهاء الإسلام لم يكتفوا بالقرآن وقالوا "ومن تلوط قُتل‏,‏ بكرا كان أو ثيبا في إحدى الروايتين والأخرى حكمه حكم الزاني". أما أبوبكر الصديق فقد أمر بحرقه بالنار حياً. وكالعادة فقد جعلوا الأحاديث فوق القرآن، وأتوا بحديث يقول "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏". رواه أبو داود. (ابن قدامة المقدسي، كتاب المغني، باب الحدود). يظهر جلياً من الطرح أعلاه أن القرآن خليط من البلاغة في السور المكية القصيرة، وعييٌ وسمج في السور المدنية الطويلة. أما القليل من الأحكام التي أتى بها فقد تلاعب بها البخاري والفقهاء وجعلوها خاضعة لأحاديث البخاري، وجعلوا السنة تعلوا عليه. فقول الرازي إنّ الفقه كله في القرآن قول لا يسنده دليل. وكاتب القرآن مثله مثل بقية البشر يكذب ويدعي ما ليس في استطاعته. فبلاغة القرآن شيء مزعوم ولا دليل عليه.

(الرازي، مفاتيح الغيب، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1981، الجزء الثاني، سورة البقرة، الآية 23، ص 126).