القرآن محاولة لقراءة مغايرة 11


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6346 - 2019 / 9 / 9 - 12:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 11
ضياء الشكرجي
[email protected]o
تكملة الآية (2) من سورة البقرة
ثم قد يشكل على تخصيص الهداية بالمتقين، لأن التقوى درجة متقدمة على الإيمان، والإيمان حسب الطرح القرآني درجة متقدمة على الإسلام بمعناه الخاص، أي معناه الفقهي أو الحقوقي، أي ظاهر الاعتقاد بالدين الإسلامي والانتماء للجماعة المسلمة، وشرطه الشهادة بألّا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وما يتفرع عن تينك الشهادتين من لوازم، بينما الإسلام بمعناه العرفاني أعلى مرتبة في القرآن من الإيمان. ولكن المعنى يستقيم، ولا تناقض فيه، إذا فهمنا هنا من الهداية تلك التفصيلية، وليست الهداية الإجمالية، أو إذا فهمنا من صفة المتقين معنى امتلاك الاستعداد على التدرج في مراتب التقوى. في كل الأحوال حسب الفهم القرآني لا يكون متقيا، من لا يتحقق فيه شرط الإسلام، أي الإيمان والإقرار بدين محمد، وهذا نوع من الاحتكار، وهو نفس الاحتكار الذي مارسته كل الأديان، ومارسته داخل كل دين كل من المذاهب والفرق والملل والاتجاهات الفقهية والفكرية، فدعوى احتكار الحق ظاهرة تكاد تكون ملازمة لجميع الاديان، والمؤسسون غير مبرئين من مسؤولية التأسيس لثقافة دعوى احتكار الحق والحقيقة، كما سنجد ما يؤيده عبر هذه المحاولة لقراءة مغايرة للقرآن. وإن كنا قد شهدنا دعوى احتكار الحق والحقيقة ليس في الدين فحسب، بل في العديد من الإيديولوجيات الشمولية. وبعيدا عن ذلك فإن للتقوى من الناحية اللغوية والناحية الإيمانية معنى جميل ودقيق، فالمتقي يختلف عن مجرد الخائف، لأن من الخوف ما هو خوف سلبي أو منفعل وغير فاعل، حيث يخاف الخائف دون أن يتخذ إجراءً وقائيا مما يخافه، بينما التقوى، وأصلها الاتِّقاء، تعني ما يمكن تسميته بالخوف الإيجابي، أو الفاعل، أي أن يتخذ الخائف من شيء إجراءً وقائيا يقيه خطر ما يخافه. مع هذا فبلا شك إن علاقة الحب لله أرقى بكثير من علاقة الخوف منه، واجتناب عمل الشر انطلاقا من قناعة ومن خلال نزعة الخير، دون استحضار مشاعر الخوف، أرقى إنسانية من مجتنب الشر خوفا من العقوبة، سواء العقوبة الدنيوية، أي عقوبة القانون للمخالف، أو المجرم، أو خوفا من العقوبة الأخروية في نار جهنم، فالذي يجتنب الشر، لمقته للشر، دون التفكير بالعقاب الأخروي، ويعمل الخير، لحبه للخير، دون التفكير بالثواب الأخروي، أحب إلى الله، والمواطن الذي يحترم القوانين التي سنت لحفظ الصالح العام، ويجتنب العدوان والظلم والجريمة، لما يتحلى به من نزعة إنسانية، هو المواطن الأكثر صلاحا، من الذي يراعي القوانين ويجتنب الاعتداء وارتكاب الجرائم خوفا من عقوبة القانون، لأنه إذا ما ضمن لنفسه درء العقوبة عنه، لن يرتدع عن مخالفة القانون والاعتداء على الناس وارتكاب السرقة والاغتصاب والقتل، إذا مالت نفسه إليه، أو حقق له ذلك مصلحة مادية. لكن القرآن ركز على عنصر التخويف والترعيب والتهديد، وجعل علاقة المؤمن بربه بالدرجة الأولى علاقة الخائف من المَخوف.