القرآن محاولة لقراءة مغايرة 166


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7785 - 2023 / 11 / 4 - 16:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فيِ الكُفرِ مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلوبُهُم وَمِنَ الَّذينَ هادوا سَمّاعونَ لِلكَذِبِ سَمّاعونَ لِقَومٍ آخَرينَ لَم يَأتوكَ يُحَرِّفونَ الكَلِمَ مِن بَعدِ مَواضِعِهِ يَقولونَ إِن أوتيتُم هـاـذا فَخُذوهُ وَإِن لَّم تُؤتَوهُ فَاحذَروا وَمَن يُّرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا أُولـاـئِكَ الَّذينَ لَم يُرِدِ اللهُ أَن يُّطَهِّرَ قُلوبَهُم لَهُم فيِ الدُّنيا خِزيٌ وَّلَهُم فيِ الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ (41)
هنا يفترض مؤلف القرآن إن الله يخاطبه بوصفه رسوله، ليخفف عليه أذاه النفسي، الناتج عن تشخيصه لشك مسلمين التحقوا بركب دعوته، إما اضطرارا، أو نفاقا لمصلحة لأنفسهم رأوها، وإما لأنهم صدقوه في البداية، ثم حصل لديهم شك في صدق نبوته، فيصفهم أنه يظهرون إيمانهم بألسنتهم نفاقا أو خوفا، لكنهم في العمق لم يؤمنوا حقا، أو شاب إيمانهم شك، إما من البداية أو لاحقا. فيخاطبه الله حسب دعوى الآية بأن عليه ألا يحزن، عندما يرى هؤلاء غير مقتنعين، أو غير مقتنعين على نحو اليقين بنبوته، كما عليه ألا يحزن على عدم تصديق يهود الجزيرة به، ليتركوا دينهم، الذي نسخ من قبل الإسلام، ويلتحقوا بدينه الجديد، كما كان يتمنى. ثم يصف هؤلاء الذين آمنوا ظاهرا وكفروا باطنا، أو آمنوا إيمانا مشوبا بقدر من الشك، زاد أو كثر، بأنهم يستمعون إلى كلام غير المسلمين فيما يطرحون من أدلة على عدم صدق الرسول في دعواه، أو ما يثير الشكوك حوله، ثم يصف كلام الداحضين للإسلام أو المشككين به أنه كلام كاذب، وقد يكون محقا، دون أن يعني أن ما جاء هو به صادق. ثم تنبئه الآية عن مجموعة أخرى من غير المؤمنين بدينه، ممن لم يلتق بهم بعد، بل ما أخبره عنهم به جبريل، أو أخبره عنهم جواسيسه وعيونه، كما كان يحصل في كثير من الحالات فينسب علمه بذلك إلى الوحي، كما فعل ذلك مع زوجاته. ثم يتهم كل أولئك بالمحرفين للكلام من الذين ينصحون المسلمين الذين يعيشون الشك، بأخذ أشياء عن نبيهم إذا قال بها، ورفض أشياء أخرى. ثم يخبره الله، كما تفترض الآية، إن من هؤلاء الذين يحزن لعدم إيمانهم بصدق نبوته، أو لإيمانهم بنسبة وشكهم بنسبة، وعدم قدرتهم بلوغ اليقين، بأن منهم من أراد الله فتنتهم، ولذا لا جدوى من محاولة إقناعهم وإزالة الشك من قلوبهم، لأن الله لعلمه بأحوالهم لم يرد أن يطهرهم، بل أعد لهم عذابا عظيما في الآخرة، ليدخل الله السرور والرضا على قلب نبيه، ويجعله يتشفى بتبشيره بتعذيب مخالفيه في الآخرة.
سَمّاعونَ لِلكَذِبِ أَكّالونَ لِلسُّحتِ فَإِن جاؤوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم وَإِن تُعرِض عَنهُم فَلَن يَّضُرّوكَ شَيئًا وَّإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ (42) وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ فيها حُكمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّونَ مِن بَعدِ ذالِكَ وَما أُولـاـئِكَ بِالمُؤمِنينَ (43)
ثم تعود الآية لتصف هؤلاء، أو لعل الوصف لليهود خاصة، بأنهم يسمعون إلى الكلام الكاذب، أي الناقض لمقولات الإسلام، وأنهم يمارسون الربح المحرم كالربا وغيره، وهذا ما نجده عند أتباع كل الأديان، بما في ذلك المسلمون. ويبدو إن هذا كان معنيا به أحوال سكان المدينة، قبل أن يتم أسلمتها بشكل مطلق، لينتقل إلى أسلمة مكة موطنه ومسقط رأسه من بعد ذلك، وبما أنه كان النبي هو صاحب السلطات الثلاث، ومنها القضاء، فهنا يخبره القرآن أنه في حالة جاء يهود المدينة، حيث أقام دولته، إليه ليتقاضوا عنده في قضية خلاف، فيخيره الله حسب الآية بين أن يحكم بينهم، أو يرفض تقاضيهم إليه ويعرض عنهم، لكن إذا ما قرر أن يحكم بينهم، أن يكون حكمه بالقسط، سواء القسط بموازينه العامة، وهذا شيء جميل، أو بمعايير أحكام الإسلام. ثم تتدارك الآية بالتعبير عن الاستغراب من كونهم يتقاضون إليه، ولديهم التوراة التي تشتمل على حكم الله، بينما نحن لا نجد لا في التوراة ولا في القرآن لائحة قانونية لكل حالات الاختلاف ولكل أنواع الجرائم والمخالفات. ثم كيف يريدهم أن يحتكموا إلى التوراة، والإسلام يعتبر التوراة الأصلية التي جاء بها موسى لم يعد لها وجود، لأن اليهود قاموا بتحريفها. لكن ربما يصح هذا القول من قبيل إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، أو إلقاء الحجة عليهم، بأنه لو كانت التوراة قد بقيت كما نزلت على موسى، ولم يحرفها اليهود، لوجدوا فيها حكم الله، ولما احتاجوا إلى التقاضي عند من لم يؤمنوا أنه رسول الله. أما قضية التولي عن حكم الشريعة سواء الإسلامية أو اليهودية، وعدم الالتزام بها في حالة وجد أحد أطراف النزاع إن الحكم لا يصب في صالحه، فهذا ما نجده اليوم كثيرا لدى الكثيرين من المسلمين الملتزمين أو المتدينين بل (الأتقياء) بمعايير الإسلام. فنرى واحدهم يصر كمتدين على الالتزام بأحكام الشريعة، إذا كانت أصلح له، ويرفض الاحتكام إلى القانون الوضعي، بل يرفض الحكم الشرعي للاجتهاد الفقهي الذي يتبعه، ليلجأ إلى اجتهاد آخر، إذا وجد في ذلك الاجتهاد ما هو أصلح له، ثم يرفض أحيانا عموم الحكم الشرعي رغم تدينه، ويريد الاحتكام إلى القانون، إذا رأى القانون يحقق له ما هو في صالحه، بل أحيانا يرفض الاحتكام إلى القانون وإلى الشريعة على حد سواء، ويلجأ إلى حكم وأعراف العشائر. فالقرآن يدين سلوك أتباع الديانات الأخرى، كاليهود كما هنا، وكأن الله لا يعلم إن المسلمين سيسلكون نفس السلوك، بينما لو كان هذا كلام الله، لعلم الله بأحوال المسلمين في المستقبل.