القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٥


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7759 - 2023 / 10 / 9 - 18:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٥
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغوا إِلَيهِ الوَسيلَةَ وَجاهِدوا في سَبيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ (٣٥) إِنَّ الَّذينَ كَفَروا لَو أَنَّ لَهُم مّا فيِ الأَرضِ جَميعًا وَّمِثلَهُ مَعَهُ لِيَفتَدوا بِهِ مِن عَذابِ يَومِ القِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ (٣٦) يُريدونَ أَن يَّخرُجوا مِنَ النّارِ وَما هُم بِخارِجينَ مِنها وَلَهُم عَذابٌ مُّقيمٌ (٣٧)
علمنا إن مصطلح الذين آمنوا يعني (المسلمون)، أي الذين آمنوا بالله وبمحمد وبالقرآن وبالإسلام. لو كان القرآن فعلا هو كتاب الله، والإسلام هو دينه، فهذه من الآيات الجميلة، لأنها تحث الذين آمنوا بكتاب الله ودين الله ورسوله على أن يجاهدوا، وبمصطلحنا اليوم أن يناضلوا في سبيل الله، وما كان في سبيل الله، يعني بالضرورة - فلسفيا وليس قرآنيا - في سبيل المثل العليا، من عدالة وإنسانية وسلام، ولمصطلح "في سَبيلِ اللهِ" معنى آخر، هو ألا يكون الجهاد من أجل المصالح الشخصية، ولكن جعلت الآية مقدمة ضرورية للجهاد أو النضال، ذلك أن يتقي أصحاب الرسالة ربهم، وهذا يعني استحضار رقابة الله لهم، من خلال استحضار ضمائرهم والشعور بمسؤولياتهم، ثم أن يبتغوا إلى الله الوسيلة، أي أن يتحروا الوسائل الناجعة في تطبيق رسالة الله على الأرض، وكل ذلك ببذل أقصى الجهد، مما يعني أن النظرية مهما تألقت، تبقى هناك مسافة بينها والتطبيق، لما للإنسان، بما في ذلك الإنسان الرسالي من نوازع قد تحرفه عن الجادة القويمة قليلا أو كثيرا، لذا جاءت التقوى كوسيلة للرقابة الذاتية وتصحيح الأخطاء، ولو إنها بالمعنى القرآني لا تكون إلا بشرط الإيمان بالإسلام والالتزام بلوازمه، وجاءت النتيجة غير حتمية، بل على نحو الرجاء والتمني والاحتمال، وهو شيء جميل، ذلك بإيراد كلمة (لَعَلَّ) في عبارة "لَعَلَّكُم تُفلِحونَ"، أي بمقدار ما تجاهدون أنفسكم الأمارة أحيانا بالسوء. لكن هذه المعاني الجميلة تنقض بعامة نصوص القرآن التي يبتعد أكثرها عن العدل والمساواة والسلام، ويحث على كراهة ومجاهدة الآخر المغاير في العقيدة، أو على أقل تقدير على الانفصال النفسي عنه، بالحذر من موادته ومولاته.
إِنَّ الَّذينَ كَفَروا لَو أَنَّ لَهُم مّا فيِ الأَرضِ جَميعًا وَّمِثلَهُ مَعَهُ لِيَفتَدوا بِهِ مِن عَذابِ يَومِ القِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ (٣٦) يُريدونَ أَن يَّخرُجوا مِنَ النّارِ وَما هُم بِخارِجينَ مِنها وَلَهُم عَذابٌ مُّقيمٌ (٣٧)
فنجد الآية التالية تتوعد الذين كفروا، أي الذين لم يؤمنوا بدين الإسلام، بالعذاب الأليم والمقيم أي الدائم والأبدي في نار جهنم، لا لشيء إلا لأنهم لم يقتنعوا بهذا الدين، مما لا يستحق عليه المرء في ضوء موازين العدل العقاب، حتى لو افترضنا أن الإسلام هو دين الله الحق، فالله بعدله ورحمته يستحيل عليه أن يعذب إنسانا على أمر غير اختياري، ذلك بعدم قدرته على الاقتناع بثمة حقيقة، أو ما يفترض أنها الحقيقية.
وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقطَعوا أَيدِيَهُما جَزاءً بما كَسَبا نَكالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ (٣٨)
وهنا عقوبة للسارق والسارقة، غاية في اللاإنسانية، ببتر عضو من جسد السارق وتحويله إلى إنسان معوق، ذلك بقطع إحدى أو ربما كلتا يديه، وهنا لا نريد أن نرجع إلى تفسير المفسرين، ولا إلى استنباط الفقهاء، لأن كلام الله يجب أن يكون مفهوما ومستغنيا عن التفسير، ناهيك عن التأويل. لذا عندما تورد الآية الأيدي لشخصين هما السارق والسارقة بصيغة الجمع، فالجمع بالعربية يكون لما هو أكثر من اثنين، وبما أن العقوبة هنا متساوية للرجل السارق وللمرأة السارقة، فلا بد من أن نفهم إن عدد الأيدي المراد قطعا هو أربعة أيدٍ، وليست ثلاثة. صحيح إن هناك ما يشبه الإجماع بأن المقصود هو قطع يد واحدة من كل منهما، لكن لماذا أوردها المؤلف بصيغة الجمع، بينما كان يجب أن يقول "فَاقطَعوا يَدَيهِما"؟ ثم ما هو حد القطع يا ترى، أهو الكف لحد الرسغ، أم هو الذراع الأسفل لحد المرفق، أم هو كامل الذراع. لأن القرآن استعمل اليد بعدة معاني، فيمكن فهم اليد الأصابع الثلاثة التي يمسك بها القلم، وهي الوسطى والسبابة والإبهام، بحكم قول القرآن "يَكتُبونَ الكِتابَ بِأَيديهِم"، كما ينقل من تأويل عن الخليفة الراشدي الرابع، أو قد يفهم منه الذراع الأسفل بحكم قوله "فَاغسِلوا وُجوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلِى الَمرافِقِ"، أو كامل الذراع كما جاء "إِنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ [...] أَو تُقَطَّعَ أَيديهِم وَأَرجُلُهُم مِن خِلافٍ". وهنا لا بد من الإشارة إن مؤلف القرآن، الذي يفترض به إتقان العربية، كثيرا ما لا يميز بين اليد والذراع، ولا بين القدم والساق، وإذا أضفنا الخلط بين المثنى والجمع، والخلط بين المذكر والمؤنث، يرد السؤال ما إذا كانت هذه النصوص بالذات مقترحة من شخص غير عربي.
فَمَن تابَ مِن بَعدِ ظُلمِهِ وَأَصلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتوبُ عَلَيهِ إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ (٣٩)
هنا تكون التوبة من الله للسارق والسارقة هي توبة أخروية، دون أن يعني ذلك أن يعفى عنه من العقوبة بقطع اليد في الحياة الدنيا، وهذا ما تؤكده عبارة "مِن بَعدِ ظُلمِهِ"، أي من بعد مزاولته السرقة.
أَلَم تَعلَم أَنَّ اللهَ لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ يُعَذِّبُ مَن يَّشاءُ وَيَغفِرُ لِمَن يَّشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (٤٠)
ثم تنتقل هذه الآية إلى موضوع آخر، ولو بثمة علاقة بما قبلها، خلاف حالات القفز بين المواضيع بدون مناسبة، مما يتكرر كثيرا في القرآن. فهنا صحيح تنتقل الآية إلى ذكر أن الله هو مالك السماوات والأرض، ولكنها ربما تذكر ذلك، كمقدمة لكونه "يُعَذِّبُ مَن يَّشاءُ وَيَغفِرُ لِمَن يَّشاءُ"، لأن الآية السابقة تكلمت عن إن الله يتوب عمن يتوب بعد ظلمه، أي بعد معصيته لأحكام الدين، وهنا تقصد بها السرقة كما مر. لكن عبارة "مَن يَّشاءُ" غير مناسبة هنا وفي معظم ما وردت فيه، لأنه يمكن أن يفهم منها إن الله مزاجي، يعذب من يشاء مزاجه أن يعذبه، ويغفر لمن يشاء مزاجه أن يغفر له، هكذا مثل "يَهدي مَن يَّشاءُ وَيُضِلُّ مَن يَّشاءُ" أو "يَرزُقُ مَن يَّشاءُ وَيَقِدرُ" أي يجعل رزقه محدودا بقدر قليل. أما تأكيد إن الله هو مالك السماوات والأرض، فلمن يؤمن به خالقا للكون يعد هذا من البديهيات، فمن البديهي أن من يبعث شيئا من العدم إلى الوجود أن يكون هو المالك له. ثم ما علاقة كونه قديرا على كل شيء، بكونه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء. فهل هذا بالكلام الحكيم؟ أما سماوات فجاءت دائما بمعنى الكون، والتي تصورها مؤلف القرآن كطوابق من السقف، لذا قال إنها بقدرة الله قامت "بِغَيرِ عَمَدٍ" أي من غير أعمدة.