دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 2/4


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7727 - 2023 / 9 / 7 - 15:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 2/4
في اللاهوت الذي أعتمده والذي توصلت إليه عام ٢٠٠٧، يكون التنزيه هو الأصل الأول لهذا الدين اللاديني، وليس التوحيد، كما في الإسلام على سبيل المثال، لأنه يعتبر التوحيد فرعا للتنزيه، وليس العكس، وكذلك العدل هو من فروع ولوازم التنزيه. وأما الجزاء فما هو بدوره إلا من لوازم العدل، لثبوت عدم تحقق العدل لنا في هذه الحياة.
لماذا نحن بحاجة إلى دين جديد، رغم إن هذا الدين اللاديني، يعتقد أن البشرية أصلا لا حاجة لها للدين في عصرنا، إذا افترضنا أنها كانت سابقا في حاجة إليه؟ فهل هناك تناقض في قولي؟ عندما أقول إننا بحاجة إلى دين جديد، فأعني جانبا من الدين، ألا هو الإيمان، لمن هو في حاجة إلى الإيمان، طالما كان من الناس ممن لا يستطيع أن يعيش من غير الإيمان والجانب الروحي، وطالما بقي التصور الخاطئ بوجود تلازم بين الإيمان والدين سائدا، ولغاية زوال هذا الفهم الخاطئ. بل لا حاجة للإنسان عموما، حتى للإيمان اللاديني، سواءً كان عقليا، كما أعتمده، أو كان وجدانيا أو روحيا. أقول هذا خاصة ونحن لا يمكن أن نتصور أن بالإمكان تحويل كل سكان كوكب الأرض إلى ملحدين أو لاأدريين، بل سيبقى البحث عن أصل الوجود قائما، ولن يلغي ذلك العلم، لأن العلم ينفي فقط الخالق بالصورة التي عرضتها الأديان، وينفي قصة الخلق الدينية، وكما قلت سابقا العلم لا يثبت وجود الخالق العاقل المصمم المريد، لكنه لا يثبت كذلك عدم وجوده. وهذا متأت من اختلاف ميداني البحث، كما إن في علم الاقتصاد، إذ إننا لا نبحث عن النظام الاقتصادي الأفضل في الكيمياء، أو في فيزياء الكون، أو في الطب، أو في علم الجينات. وهنا لا بد لي أن أؤكد مرة أخرى إن الإيمان نفسه، بما فيه العقلي اللاديني، لا يمثل أصلا حاجة للإنسان، بل هو ليس إلا قضية معرفية، يعتمدها من يقتنع بها، وينفيها من لا يعتقد بها، بل الإيمان نفسه ليس مما يهتم الله به حسب لاهوت التنزيه الذي أعتمده.
قد يتبادر إلى الذهن، هل يريد ضياء الشكرجي تأسيس دين جديد؟ ومحق من يطرح هذا السؤال، أو يشكل بهذا الإشكال. فأقول إن هذا الدين اللاديني، أو اللاهوت العقلي، يرفض تكرار الخطأ - حسب تقديره - الذي وقعت فيه بعض الحركات الإصلاحية، إما بتأسيس دين جديد، كما فعل الباب وبهاء الله، بتأسيس الديانة البهائية، مع كل احترامي ومحبتي للبهائيين ودفاعي المستميت وبحماس عن حقوقهم المهدورة، أو ما سمعنا عنه في الآونة الأخيرة في محاولة لتأسيس ما سمي بالديانة الإبراهيمية، والتي يبدو لي أنها تريد أن توحد الأديان الإبراهيمية الثلاثة باعتماد المشتركات، كما أظن، وإهمال القضايا المختلف فيها، والتي اعتبرها الكثير من المسلمين مؤامرة على الإسلام، خاصة أولئك الغارقون في نظرية العالم، والذين يتصورون أن العالم لا شغل له إلا بحوك المؤامرات على الإسلام والمسلمين.
فهذا الدين كما أسميه مجازا، يؤكد كونه ليس وحيا من السماء، بل هو اجتهاد بشري شخصي، وبالتالي ينفي كونه يملك الحقيقة النهائية والمطلقة، بل يزعم أنه اكتشف ما لا يمثل الحقيقة، كما اكتشف بعض ملامح ما يعتقد أنه الحقيقة، أو ما هو من الحقيقة، لأنه هو يؤمن بنسبية المعرفة الإنسانية، حيث يختزن كل صواب منها على نسبة من الخطأ، ويختزن كل خطأ على نسبة من الصواب. وهكذا فكل ما هو نافع يشتمل على نسبة من الضرر، وكل ما هو ضار يشتمل على نسبة من النفع.
قلت إن الأصل الأول لهذا الدين هو التنزيه، ومنه يتفرع التوحيد، وكذلك يتفرع منه العدل. وبما أننا نعلم من خلال الواقع، وليس من خلال البحث الفلسفي، أن العدل غير متحقق في هذه الحياة، يكون بذلك الله، الذي نفترض عقلا أنه قدير قدرة مطلقة، وعادل عدلا مطلقا، إما ظالما وإما عاجزا، لعدم تدخله في تحقيق العدل في هذه الحياة الآنية والهنائية. وإذا كان الله ظالما أو عاجزا أي فاقدا لواحدة من أهم صفات الكمال المطلق الواجبة عليه عقلا، فإذن هو والعدم سواء، ومن هنا لا يكون لدينا خيار غير الإلحاد، أو في أحسن الأحوال اللاأدرية. إذن ما هو الجواب على هذا السؤال اللامجاب عليه جوابا مقنعا، لا أقول لكل، بل لأغلب متوسطي العقلاء؟
قد يقال إن الأديان قد أعطت جوابها بتحقق العدل في الحياة الأخرى، ذلك بالثواب والعقاب. ولنأخذ الإسلام مثالا، فقد بشر مستحقي الثواب بالجنة خالدين فيها أبدا، وتوعد مستحقي العقاب بالنار أيضا إما خالدين فيها أبدا، وإما خالدين فيها، وإما خالدين إلا ما شاء الله، وإما لابثين فيها أحقابا. وفي الحقيقة، إذا تمعنا بطرح الإسلام لصور الثواب والعقاب، فناهيك عن كونها غير معقولة أبدا من الله الحكيم الرحيم، فإن ذلك جاء من أجل الترغيب والتخويف، ليلتزم المؤمنون بأحكام الدين طمعا في الجنة وخوفا من النار، ولم تطرح صورتا الثواب والعقاب هاتان كلازم من لوازم العدل الإلهي. بل إن العدل لم يتخذ أصلا موقعا مركزيا في القرآن، فيما يتعلق بوصف الله، فكل الصفات التي سميت بالأسماء الحسنى تكررت كثيرا في القرآن فذكرت بصير ٢٧ مرة، وتوّاب ١٢ مرة، وخبير ٢٥ مرة، ورؤوف ٦ مرات، ورحيم ٦٣ مرة، وسريع الحساب ٨ مرات، وسريع العقاب مرتين، وسميع ٢١ مرة، وشديد العقاب ١٤ مرة، وعزيز ٢٤ مرة، وعليم ١٠٥ مرات، وغفور ٥٢ مرة، وغني ٤٨ مرة، وقدير ٣٧ مرة، وقوي ١٣ مرة، ومتين ٣ مرات، وودود مرة واحدة. ولم ترد صفة عادل أو صيغة المبالغة "عَدْل" ولا مرة واحدة، ولا يكفي ذكر ذلك ضمنا بنفي الظلم عن الله، كقول "لَيسَ بِظَلّامٍ لِّلعَبيدِ" أو "لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ"، فلو كفىـ ذلك لاكتفي بذكر الصفات الأخرى بنفي عكسها، كنفي القسوة بدل تأكيد الرحمة، ونفي الضعف بدل ذكر القوة، ونفي الجهل بدل وصف الله بالعلم وغيرها.

في اللاهوت الذي أعتمده والذي توصلت إليه عام ٢٠٠٧، يكون التنزيه هو الأصل الأول لهذا الدين اللاديني، وليس التوحيد، كما في الإسلام على سبيل المثال، لأنه يعتبر التوحيد فرعا للتنزيه، وليس العكس، وكذلك العدل هو من فروع ولوازم التنزيه. وأما الجزاء فما هو بدوره إلا من لوازم العدل، لثبوت عدم تحقق العدل لنا في هذه الحياة.
لماذا نحن بحاجة إلى دين جديد، رغم إن هذا الدين اللاديني، يعتقد أن البشرية أصلا لا حاجة لها للدين في عصرنا، إذا افترضنا أنها كانت سابقا في حاجة إليه؟ فهل هناك تناقض في قولي؟ عندما أقول إننا بحاجة إلى دين جديد، فأعني جانبا من الدين، ألا هو الإيمان، لمن هو في حاجة إلى الإيمان، طالما كان من الناس ممن لا يستطيع أن يعيش من غير الإيمان والجانب الروحي، وطالما بقي التصور الخاطئ بوجود تلازم بين الإيمان والدين سائدا، ولغاية زوال هذا الفهم الخاطئ. بل لا حاجة للإنسان عموما، حتى للإيمان اللاديني، سواءً كان عقليا، كما أعتمده، أو كان وجدانيا أو روحيا. أقول هذا خاصة ونحن لا يمكن أن نتصور أن بالإمكان تحويل كل سكان كوكب الأرض إلى ملحدين أو لاأدريين، بل سيبقى البحث عن أصل الوجود قائما، ولن يلغي ذلك العلم، لأن العلم ينفي فقط الخالق بالصورة التي عرضتها الأديان، وينفي قصة الخلق الدينية، وكما قلت سابقا العلم لا يثبت وجود الخالق العاقل المصمم المريد، لكنه لا يثبت كذلك عدم وجوده. وهذا متأت من اختلاف ميداني البحث، كما إن في علم الاقتصاد، إذ إننا لا نبحث عن النظام الاقتصادي الأفضل في الكيمياء، أو في فيزياء الكون، أو في الطب، أو في علم الجينات. وهنا لا بد لي أن أؤكد مرة أخرى إن الإيمان نفسه، بما فيه العقلي اللاديني، لا يمثل أصلا حاجة للإنسان، بل هو ليس إلا قضية معرفية، يعتمدها من يقتنع بها، وينفيها من لا يعتقد بها، بل الإيمان نفسه ليس مما يهتم الله به حسب لاهوت التنزيه الذي أعتمده.
قد يتبادر إلى الذهن، هل يريد ضياء الشكرجي تأسيس دين جديد؟ ومحق من يطرح هذا السؤال، أو يشكل بهذا الإشكال. فأقول إن هذا الدين اللاديني، أو اللاهوت العقلي، يرفض تكرار الخطأ - حسب تقديره - الذي وقعت فيه بعض الحركات الإصلاحية، إما بتأسيس دين جديد، كما فعل الباب وبهاء الله، بتأسيس الديانة البهائية، مع كل احترامي ومحبتي للبهائيين ودفاعي المستميت وبحماس عن حقوقهم المهدورة، أو ما سمعنا عنه في الآونة الأخيرة في محاولة لتأسيس ما سمي بالديانة الإبراهيمية، والتي يبدو لي أنها تريد أن توحد الأديان الإبراهيمية الثلاثة باعتماد المشتركات، كما أظن، وإهمال القضايا المختلف فيها، والتي اعتبرها الكثير من المسلمين مؤامرة على الإسلام، خاصة أولئك الغارقون في نظرية العالم، والذين يتصورون أن العالم لا شغل له إلا بحوك المؤامرات على الإسلام والمسلمين.
فهذا الدين كما أسميه مجازا، يؤكد كونه ليس وحيا من السماء، بل هو اجتهاد بشري شخصي، وبالتالي ينفي كونه يملك الحقيقة النهائية والمطلقة، بل يزعم أنه اكتشف ما لا يمثل الحقيقة، كما اكتشف بعض ملامح ما يعتقد أنه الحقيقة، أو ما هو من الحقيقة، لأنه هو يؤمن بنسبية المعرفة الإنسانية، حيث يختزن كل صواب منها على نسبة من الخطأ، ويختزن كل خطأ على نسبة من الصواب. وهكذا فكل ما هو نافع يشتمل على نسبة من الضرر، وكل ما هو ضار يشتمل على نسبة من النفع.
قلت إن الأصل الأول لهذا الدين هو التنزيه، ومنه يتفرع التوحيد، وكذلك يتفرع منه العدل. وبما أننا نعلم من خلال الواقع، وليس من خلال البحث الفلسفي، أن العدل غير متحقق في هذه الحياة، يكون بذلك الله، الذي نفترض عقلا أنه قدير قدرة مطلقة، وعادل عدلا مطلقا، إما ظالما وإما عاجزا، لعدم تدخله في تحقيق العدل في هذه الحياة الآنية والهنائية. وإذا كان الله ظالما أو عاجزا أي فاقدا لواحدة من أهم صفات الكمال المطلق الواجبة عليه عقلا، فإذن هو والعدم سواء، ومن هنا لا يكون لدينا خيار غير الإلحاد، أو في أحسن الأحوال اللاأدرية. إذن ما هو الجواب على هذا السؤال اللامجاب عليه جوابا مقنعا، لا أقول لكل، بل لأغلب متوسطي العقلاء؟
قد يقال إن الأديان قد أعطت جوابها بتحقق العدل في الحياة الأخرى، ذلك بالثواب والعقاب. ولنأخذ الإسلام مثالا، فقد بشر مستحقي الثواب بالجنة خالدين فيها أبدا، وتوعد مستحقي العقاب بالنار أيضا إما خالدين فيها أبدا، وإما خالدين فيها، وإما خالدين إلا ما شاء الله، وإما لابثين فيها أحقابا. وفي الحقيقة، إذا تمعنا بطرح الإسلام لصور الثواب والعقاب، فناهيك عن كونها غير معقولة أبدا من الله الحكيم الرحيم، فإن ذلك جاء من أجل الترغيب والتخويف، ليلتزم المؤمنون بأحكام الدين طمعا في الجنة وخوفا من النار، ولم تطرح صورتا الثواب والعقاب هاتان كلازم من لوازم العدل الإلهي. بل إن العدل لم يتخذ أصلا موقعا مركزيا في القرآن، فيما يتعلق بوصف الله، فكل الصفات التي سميت بالأسماء الحسنى تكررت كثيرا في القرآن فذكرت بصير ٢٧ مرة، وتوّاب ١٢ مرة، وخبير ٢٥ مرة، ورؤوف ٦ مرات، ورحيم ٦٣ مرة، وسريع الحساب ٨ مرات، وسريع العقاب مرتين، وسميع ٢١ مرة، وشديد العقاب ١٤ مرة، وعزيز ٢٤ مرة، وعليم ١٠٥ مرات، وغفور ٥٢ مرة، وغني ٤٨ مرة، وقدير ٣٧ مرة، وقوي ١٣ مرة، ومتين ٣ مرات، وودود مرة واحدة. ولم ترد صفة عادل أو صيغة المبالغة "عَدْل" ولا مرة واحدة، ولا يكفي ذكر ذلك ضمنا بنفي الظلم عن الله، كقول "لَيسَ بِظَلّامٍ لِّلعَبيدِ" أو "لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ"، فلو كفىـ ذلك لاكتفي بذكر الصفات الأخرى بنفي عكسها، كنفي القسوة بدل تأكيد الرحمة، ونفي الضعف بدل ذكر القوة، ونفي الجهل بدل وصف الله بالعلم وغيرها.