القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٢


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7513 - 2023 / 2 / 5 - 13:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٢
إِنَّ الَّذينَ آمَنوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ آمَنوا ثُمَّ كَفَروا ثُمَّ ازدادوا كُفرًا لَّم يَكُنِ اللهُ لِيَغفِرَ لَهُم وَلا لِيَهدِيَهُم سَبيلًا (١٣٧)
أعرف من تنطبق عليه هذه الآية، وكأنها قد نزلت، على فرض نزولها، به، فقد فتح عينيه في أسرة مسلمة، وعندما أصبح صبيا، رأى أباه يصلي فصلى، ورأى أنه يصوم فصام، وعرف منهم أهله وبيئته حرمة شرب الخمر والزنا، فحاول أن يبتعد عنهما، ثم حصل لديه شك في شبابه، آل به إلى الإلحاد لحقبة من عمره دامت عقدا ونصف عقد، ثم تأثر بكتاب وعاد إلى الإيمان بالله وبالإسلام، وأصبح متدينا لحقبة أخرى من عمره دامت ثلاثة عقود، وبدأ تدينه يتعقلن ويتأنسن مع الوقت أكثر فأكثر، فأصبح في آخر شوط فيما يتعلق بالدين لاأدريا، وأخيرا انتهى به المطاف إلى البقاء على الإيمان بالله مع قناعة راسخة بأن الإسلام وعموم الأديان كلها نتاج بشري، وليس وحيا إلهيا، فكفر بها، إذا تسامحنا في استخدام مصطلح الكفر. فهو كان مؤمنا بالإسلام، ثم كفر بالله وبالضرورة بالإسلام، ثم عاد إلى الإيمان بهما، ثم كفر باعتماده اللاأدرية الدينية، ثم ازداد كفرا، عندما وصل إلى قناعة راسخة بعدم إلهية الأديان، بالرغم من بقائه على إيمانه العقلي التنزيهي بالله، وازداد كفرا بعد كفر، عندما بدأ يؤلف الكتب في إثبات امتناع صدور الأديان عن الله، تنزيها له. فهذا وأمثاله «لَم يَكُنِ اللهُ لِيَغفِرَ لَهُم وَلا لِيَهدِيَهُم سَبيلًا» حسب قرآن مؤسس الإسلام.
بَشِّرِ المُنافِقينَ بِأَنَّ لَهُم عَذابًا أَليمًا (١٣٨) الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ أَيَبتَغونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَميعًا (١٣٩)
(النفاق)، أي إظهار الإيمان بالإسلام، دون الاقتناع حقيقة به، كان أحد الخيارات الثلاثة في الجزيرة العربية، بعد ما أصبح الإسلام يمثل القوة المهيمنة دينيا وسياسيا وعسكريا، وهذه الخيارات الثلاث، هي إما الاقتناع بمحمد، فهذا هو المسلم المؤمن، وإما إظهار الاقتناع ظاهرا فقط، إما حقنا لدمه، وإما طمعا في الامتيازات، فذلك هو المنافق، وإما الكفر بالإسلام والإفصاح عن كفره به، فهو مهدور الدم. هذه الآية كالكثير غيرها تتوعد من يسميهم القرآن بالمنافقين عذابا أليما، وتبين أحد أنواع السلوك، الذي يدل على كونهم منافقين، وفي الآية التالية، ستذكر علامة أخرى من علامات السلوك. فهنا تستدل هذه الآية على نفاق من تذكرهم، بصداقات لهم مع أشخاص من غير المسلمين، فهم «يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ»، أي بتعبير آخر يتخذون غير المسلمين أصدقاء بدلا من المسلمين.
وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذَن مِّثلُهُم إِنَّ اللهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا (١٤٠)
كثير جدا من المسلمين الطيبين والمعتدلين هم حسب هذه الآية معدودون منافقين، ومجموعون مع الكنافرين في نار جهنم. لأنهم يحضرون بعض المجالس التي فيها أصدقاء إما ملحدون وإما مؤمنون لادينيون، وأحيانا يدور الحديث حول الله وحول الدين، فيتناول أولئك الأصدقاء الدين بالنقد وإثارة الإشكالات عليه. فهذه الآية تأمر هؤلاء المسلمين أن يطلبوا تغيير الحديث، وإلا فهم مطالبون بمقاطعة المجلس ومغادرة المكان، وإن لم يفعلوا فهم بمثابة المنافقين، ويكونون عندها هم والمنعوتين بالكافرين سواء بسواء مجموعين في جهنم.
الَّذينَ يَتَرَبَّصونَ بِكُم فَإِن كانَ لَكُم فَتحٌ مِّنَ اللهِ قالوا أَلَم نَكُن مَّعَكُم وَإِن كانَ لِلكافِرينَ نَصيبٌ قالوا أَلَم نَستَحوِذ عَلَيكُم وَنَمنَعكُم مِّنَ المُؤمِنينَ فَاللهُ يَحكُمُ بَينَكُم يَومَ القِيامَةِ وَلَن يَّجعَلَ اللهُ لِلكافِرينَ عَلَى المُؤمِنينَ سَبيلًا (١٤١)
ربما إذا فهمنا الآية السابقة في ضوء هذه الآية، نفهم منها إن المعنيين بالسابقة هم أشخاص محددون في ظرف ما آنذاك، لأن هذه الآية تصف الكفرين بالإسلام بأنهم كانوا يتربصون بالمسلمين، ليروا أي الفريقين المتقاتلين سيربح الحرب ليصطفوا إلى جانبه، فيستفيدوا من ذلك. بلا شك هناك دائما الأوصوليون والنفعيون والمتقلبون حسب الظروف وبحسب ما تملي عليهم مصالحهم. لكن الإسلام ينعت كل من يضمر عدم إيمانه بالإسلام، لأي سبب كان، بأنه منافق، ولذا فهو يستحق أن يكون مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، كما سيأتي في الآية (١٤٥).