القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٧


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7526 - 2023 / 2 / 18 - 14:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٧
يا أَهلَ الكِتابِ لا تَغلوا في دينِكُم وَلا تَقولوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابنُ مَريَمَ رَسولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقاها إِلى مَريَمَ وَروحٌ مِّنهُ فَآمِنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقولوا ثَلاثَةٌ انتَهوا خَيرًا لَّكُم إِنَّمَا اللهُ إِلـاـهٌ وّاحِدٌ سُبحانَهُ أَن يَّكونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ ما فِي السَّماوات وَما فِي الأَرضِ وَكَفى بِاللهِ وَكيلًا (١٧١) لَن يَّستَنكِفَ المَسيحُ أَن يَّكونَ عَبدًا للهِ وَلَا المَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ وَمَن يَّستَنكِف عَن عِبادَتِهِ وَيَستَكبِر فَسَيَحشُرُهُم إِلَيهِ جَميعًا (١٧٢)
هنا دعوة للعقلانية والاعتدال والابتعاد عن الغلو في الدين، على فرض أن الدين هو فعلا دين الله. وهي دعوة الأَولى أن تُوجَّه اليوم إلى معظم المسلمين المغالين في دينهم. ونفي أن المسيح، مع فرض أنه رسول من رسل الله، هو ابن الله، هو نفي يوجبه العقل الفلسفي أيضا، كما يوجب العقل نفي القول بالتثليث الذي يقول به معظم المسيحيين، لكن قول معظم المسلمين بما يرفضه العقل لا يقل عن ذلك أبدا. فلو طرحت بنوة المسيح لله بالمعنى المجازي والعرفاني، لا بالمعنى الحقيقي واللاهوتي، لكان ذلك أقرب للتعقل؟ فالإيمان بالله وما يترتب على هذا الإيمان من تنزيه له سبحانه، وما يترتب على التنزيه من واحدية ووحدوية الله، أي امتناع تعدده وامتناع تجزؤه، يوجب تنزيهه عن كونه أبا لأحد أو ابنا لأحد، فهو حقا كما قالت سورة الإخلاص «لَم يَلِد وَلَم يولَد،وَلَم يَكُن لَّهُ كُفوًا أَحَدٌ»، بل ثبت أن لم يكن له رسولا أحد، ولم يكن له كتاب أنزله، أو دين شرعه، إلا ما تملي على الإنسان فطرته التي فطرها الله عليها، أو نزعته الإنسانية، أو ضميره، أو نفسه اللوامة، كما يعبر القرآن، مما يحتم عليه أن يعمل الصالحات، ويجتنب السيئات، بمعايير الأخلاق، وليس بالضرورة بمعايير الدين، إلا ما التقى منه مع معايير الأخلاق. وليست وحدها بنوة إنسان ما، كاليسوع، أو عموم الناس لله، هي بنوة مجازية عرفانية، بل حتى عبودية المسيح وعبودية محمد وعبودية الناس لله، هي الأخرى عبودية بالمعنى المجازي والعرفاني، ولا يجب أن تكون بالمعنى الحقيقي واللاهوتي.
فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفّيهِم أُجورَهُم وَيَزيدُهُم مِّن فَضلِهِ وَأَمَّا الَّذينَ استَنكَفوا وَاستَكبَروا فَيُعَذِّبُهُم عَذابًا أَليمًا وَّلا يَجِدونَ لَهُم مِّن دونِ اللهِ وَلِيًّا وَّلا نَصيرًا (١٧٣)
الذين آمنوا المبشَّرون في هذه الآية وآيات عديدة أخرى في القرآن، هم بعد الدراسة المستفيضة والشاملة لآيات القرآن الذين آمنوا بالله والبعث والنشور واليوم الآخر والملائكة والجنة والنار، وآمنوا بالذات بمحمدٍ رسولَ الله، وبالقرآنِ كتابَ الله، وبالإسلامِ دينَ الله. أما الصالحات، أي الأعمال الحسنة والصالحة، فإن العلاقة بين الصالحات بمعيار الدين والصالحات بمعيار الأخلاق هي علاقة خصوص وعموم من وجه، كما يعبر في علم المنطق، فبعض الصالح دينيا هو صالح أخلاقي، وبعض الصالح الأخلاقي هو صالح ديني، مما يعني أن بعض الصالح الديني ليس صالحا أخلاقيا، كما إن بعض الصالح الأخلاقي ليس صالحا دينيا. ثم ليس كل من لا يعبد الله، يجوز تفسير عدم عبادته له استنكافا واستكبارا منه، كما تؤكد العديد من آيات القرآن، مثل هذه الآية والتي سبقتها.
يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِّن رَّبِّكُم وَأَنزَلنا إِلَيكُم نورًا مُّبينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا بِاللهِ وَاعتَصَموا بِهِ فَسَيُدخِلُهُم في رَحمَةٍ مِّنهُ وَفَضلٍ وَّيَهديهِم إِلَيهِ صِراطًا مُّستَقيمًا (١٧٥)
لم يثبت أبدا أنه قد جاء الناس برهان من ربهم، إلا ما كان برهانا بحكم العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي. والصراط المستقيم لا يجب أن يكون صراطا واحدا أوحد، لا صراط سواه، بل إن طرق وسبل وصراطات الاستقامة والصلاح متعددة بميادينها غير المحدودة، والمرضية كلها والمثاب عليها كلها من الله، كما هي متفاوتة أو كل منها متفاوت في درجاتها، خلاف ما يفترضه الدين.
يَستَفتونَكَ قُلِ اللهُ يُفتيكُم فِي الكَلالَةِ إِنِ امرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَّلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِن لَّم يَكُن لَّها وَلَدٌ فَإِن كانَتَا اثنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِن كانوا إِخوَةً رِّجالًا وَّنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم أَن تَضِلّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ (١٧٦)
الآية التي ختمت بها سورة النساء، محلها ليس هنا، بل كان يجب أن تكون في سياق آيات الإرث من نفس السورة، وهي الآيتان السابعة والثامنة، والآيتان الحادية والثانية عشر، والقراءة المغايرة للقرآن هذه غير معنية بتناول معنى هذه الآية وأحكامها أو نقدها، إلا بتكرار ذكر انعدام المبرر لجعل حصة الذكر ضعف حصة الأنثى، وبالتالي حصتها نصف حصته، وغير معنية بالخوض في معنى الكلالة، مما يمكن مراجعته في التفاسير ممن يشاء.