القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٢


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7562 - 2023 / 3 / 26 - 16:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٢
وَمِنَ الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى أَخَذنا ميثاقَهُم فَنَسوا حَظًّا مِّمّا ذُكِّروا بِهِي فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ وَسَوفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانوا يَصنَعونَ (١٤)
صحيح قد مرت عصور كانت العداوة والبغضاء والتكفير والحروب بين فرق المسيحيين بأقصى درجاتها، ومما هو معروف لما يتعلق باقتتال المسيحيين فيما بينهم هو حرب الثلاثين سنة في القرن السابع عشر، وكذلك إلى عهد قريب بين كاثوليكيي شمال إيرلندا وپروتستانتيي جنوب إيرلندا، لكن نبوءة مؤلف القرآن لم تصدق، باستدامة العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وإنما هي نبوءة البشر التي تخطئ، ويستحيل ذلك على نبوءة الله.
يا أَهلَ الكِتابِ قَد جاءَكُم رَسولُنا يُبَيِّنُ لَكُم كَثيرًا مِّمّا كُنتُم تُخفونَ مِنَ الكِتابِ وَيَعفو عَن كَثيرٍ قَد جاءَكُم مِّنَ اللهِ نورٌ وَّكِتابٌ مُّبينٌ (١٥) يَهدي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُم مِّنِ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُّستَقيمٍ (١٦)
وهنا يدعو القرآن أهل الكتاب إلى اعتناق الإسلام، بقول أنه قد جاءهم محمد، ليبين لهم الكثير مما يخفون من الكتاب، مع إن أهل الكتاب من يهود ومسيحيين أو نصارى، قد ورث كل منهم كتابه الذي يؤمن به عن آبائه، وهم لا يعتقدون بأنهم يخفون شيئا من توراتهم أو إنجيلهم، إنما هي دعوى الدين الجديد. ولو كان ثمة إخفاء، فهذا ما يمكن أن يكون قد حصل من قبل أحبارهم وحوارييهم القدامى، الذين لم يعاصرهم أهل الكتاب المعاصرون لدعوة الدين الجديد، كما إن المسلمين ورثوا القرآن، معتقدين أنه الذي أوحي به إلى محمد، ولا أحد يعلم ما الذي أُحدِثَ فيه عند جمعه لأول مرة، أو في زمن الأمويين أو العباسيين، كما يذهب بعض الباحثين. ولو صدق قول هؤلاء بأن القرآن الذي وصلنا ليس هو الذي تلاه محمد، سواء كان من تأليفه، أو وحيا من الله إليه، فلا يمكن وصم المسلمين الذين ورثوه، معتقدين أنه وصلهم محفوظا من كل إضافة أو حذف أو تغيير، بأنهم هم الذين يخفون شيئا من القرآن، لأنه لو كان فعلا قد أخفي شيء منه، فليسوا هم الذين أخفوه، ناهيك عن أن يكونوا يعتقدون أنه قد أخفي منه شيء، أو أضيف إليه شيء، أو غير منه شيء.
لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ ابنُ مَريَمَ قُل فَمَن يَّملِكُ مِنَ اللهِ شَيئًا إِن أَرادَ أَن يُّهلِكَ المَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرضِ جَميعًا وَّللهِ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما يَخلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (١٧)
القرآن مولع بتكفير الآخرين، ولو كان قد استعمل (التخطيء) بدلا من (التكفير)، لكان هذا مقبولا، لأن الذي يعتمد الكفر عقيدة له عن علم، هو حصرا من يمكن نعته بالكافر، أما من يعتقد بعقيدة خطأ، فلا يجوز تكفيره، فلو قيل هنا لَقَد أَخطَأَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ ابنُ مَريَمَ، لكان ذلك مقبولا، ولذا يستحيل أن يثقف الله المؤمنين به على ثقافة التكفير والعداوة والبغضاء. وإلا لجاز أن يقال للمسلمين «قَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسولُ اللهِ وَخاتَمُ النَّبِيّينَ»، أو « قَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا مَن يَّتَّخِذ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الخاسِرينَ»، «ما حَرَّمَ اللهُ لَحمَ الخِنزيرِ إِنَّما هُوَ قَولُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ».
وَقالَتِ اليَهودُ وَالنَّصارى نَحنُ أَبناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُو قُل فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنوبِكُم بَل أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّن خَلَقَ يَغفِرُ لِمَن يَّشاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَّشاءُ وَللهِ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما وَإِلَيهِ المَصيرُ (١٨)
وكما قال المسلمون أنهم كانوا «خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ»، ولذا يمكن الرد عليهم بقول «بَل أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّن خَلَقَ يَغفِرُ لِمَن يَّشاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَّشاءُ»، أفيجوز للمسلمين ما يحرم على غيرهم، كيف تحكمون؟
يا أَهلَ الكِتابِ قَد جاءَكُم رَسولُنا يُبَيِّنُ لَكُم عَلى فَترَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقولوا ما جاءَنا مِن مبَشيرٍ وَّلا نَذيرٍ فَقَد جاءَكُم بَشيرٌ وَّنَذيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (١٩)
وكذلك يمكن أن يقال للمسلمين، قد جاءتكم أدلة عقلية تثبت لكم بشرية الأديان، وألّا رسولَ إليكم من الله إلا العقل، ولا رقيب عليكم منه إلا ضمائركم وفطرتكم التي فطركم خالقكم عليها، وألّا شريعة تُلزَمون بها إلى شريعة القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية، فلم لا تستجيبون؟ لكننا نقول إن الله بعدله ورحمته يستحيل عليه أن يؤاخذ أيا منا، ناههك عن أن يعاقب أيا منا على ما أخطأنا فيه من عقائدنا، سواء الدينية أو غير الدينية أو اللادينية.