القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٤


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7520 - 2023 / 2 / 12 - 16:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٤
لا يُحِبُّ اللهُ الجَهرَ بِالسّوءِ مِنَ القَولِ إِلّا مَن ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَميعًا عَليمًا (١٤٨) إِن تُبدوا خَيرًا أَو تُخفوهُ أَو تَعفوا عَن سوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَديرًا (١٤٩)
هاتان الآيتان هما من آيات الأخلاق والسلوك الحسن، إذ تنهى عن استخدام الكلام السيئ والعبارات النابية، عند الاختلاف، لكنها تستثني الذين أصابهم شيء من الظلم، وهو استثناء له مبرراته، ولكن ربما كان الأجدر، أن ينصح حتى الذين يُظلَمون من الترفع عن السوء من القول، مع تأكيد حقهم في رد الظلم عن أنفسهم، ولكن هذا لا يجب أن يكون برد القول السيئ بسيئ مثله، إلا اضطرارا. ثم تحث الآية اللاحقة على مواصلة السلوك الأخلاقي بابتغاء الخير، سواء جُهِرَ به أو أُخفِيَ في نفس محب الخير للناس، فلكل من الجهر بالخير، وعدم الجهر به، فوائده، فعدم الجهر به، يحول دون تحوّل فعل الخير إلى رياء ومباهاة ورغبة في الحصول على مديح الناس، لكن الجهر به يسهم في تحويل إضمار الخير وفعله، إلى ظاهرة اجتماعية، عندما يتأثر آخرون به، ويقتدون بفاعله. ثم تصعّد الآية مستوى التحلي بسمو الخلق، لتدعو المساء إليهم إلى العفو عمن أساء إليهم، لكن بالتأكيد ليس عفو العاجزين عن رد الإساءة، بل خير العفو هو كما يقال العفو عند المقدرة. ونقل حديث نبوي لا ندري مدى صحته، لكن بقطع النظر عن ذلك، فهو يمثل نصا جميلا لتحبيب العفو عند الناس بقول «ينادي منادٍ يوم القيامة: من له حق على الله فليقم، فيقوم العافون عن الناس، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بغير حساب»، وتختم الآية من أجل المزيد من التحلي بالعفو بوصف الله أنه عَفُوٌّ قدير، أي قدير على تعذيب الذين يعفو عنهم، مع لحاظ أن غير المؤمنين بالإسلام لا ينالهم عفو الله حسب القرآن.
إِنَّ الَّذينَ يَكفُرونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدونَ أَن يُّفَرِّقوا بَينَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقولونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَّنَكفُرُ بِبَعضٍ وَّيُريدونَ أَن يَّتَّخِذوا بَينَ ذالِكَ سَبيلًا (١٥٠) أُلـاـئِكَ هُمُ الكافِرونَ حَقًّا وَّأَعتَدنا لِلكافِرينَ عَذابًا مُّهينًا (١٥١)
لكننا نجد أنفسنا أمام آية، تريد أن تسثني من الذين يستحقون الثواب من الله، بسبب حبهم للخير وعفوهم عن الناس، وتحليهم بسائر مكارم الأخلاق، ألا هم أولئك من غير المؤمنين بالله، أو المؤمنين به، دون إيمانهم بالرسل، أو حتى المؤمنين ببعض الرسل، دون الإيمان بالبعض الآخر، لاسيما بخاتمهم، فهؤلاء وإن حسنت أخلاقهم، يستحقون العذاب المهين، لأنهم سُجِّلوا في سجل الكافرين.
وَالَّذينَ آمَنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَم يُفَرِّقوا بَينَ أَحَدٍ مِّنهُم أُلـاـئِكَ سَوفَ يُؤتيهِم أُجورَهُم وَكانَ اللهُ غَفورًا رَّحيمًا (١٥٢)
وبعكسهم الذين آمنوا بالله ورسله، بما في ذلك، بل في مقدمتهم الإيمان بخاتم الرسل، حسب عقيدة الإسلام محمد، فأولئك وحدهم الذين يستحقون الأجر العظيم، والمغفرة عن سيئاتهم، أو عن الكثير منها، مما لا يستحقه غير المؤمنين، من ثواب أو مغفرة.
يَسأَلُكَ أَهلُ الكِتابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيهِم كِتابًا مِّنَ السَّماءِ فَقَد سَأَلوا موسى أَكبَرَ مِن ذالِكَ فَقالوا أَرِنَا اللهِ جَهرَةً فَأَخَذَتهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلمِهِم ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجلَ مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ فَعَفَونا عَن ذالِكَ وَآتَينا موسى سُلطانًا مُّبينًا (١٥٢)
ولِمَ لَمْ يستجب الله لطلبهم، ليقيم عليهم الحجة، بأن ينزل عليهم كتابا من السماء؟ فالذي فلق البحر لموسى، وجعل النار على إبراهيم بردا وسلاما، لا يعجزه إنزال كتاب من السماء، مع التسليم بأن السماء هي مكان الله، مما يتعارض مع مبدأ التوحيد الذي يعتمده الإسلام، باعتباره الأصل الأول والأساسي للعقيدة، لأنه يتنزه عن المكان والزمان، بحيث لا يصح القول أنه فوق أو تحت، لأن الله لا يَتَأَيَّن ولا يتحيّز، حسب لاهوت العقل ولاهوت الإسلام على حد سواء. ومن أجل التهرب من الاستجابة لطلبهم، برر بذلك، أن المعجزات السابقة لم تنفع مع أجدادهم، بل اتخذوا رغم كل تلك الآيات العجل إلها من دون الناس، بمجرد غياب موسى عنهم، حيث كان مشغولا عنهم بتبادل أطراف الحديث مع الله.
وَرَفَعنا فَوقَهُمُ الطّورَ بِميثاقِهِم وَقُلنا لَهُمُ ادخُلُوا البابَ سُجَّدًا وَّقُلنا لَهُم لا تَعدوا فِي السَّبتِ وَأَخَذنا مِنهُم مّيثاقًا غَليظًا (١٥٤)
وهنا يقص علينا القرآن عن لسان الله، أنه قد رفع فوق رؤوسهم جبل طور سيناء، حتى ظنوا أنه واقع عليهم، ثم أعاده إلى مكانه، وكيف منّ عليهم بتمكينهم من احتلال المدينة التي أمرهم أن يدخلوا بابها ساجدين، لينصرهم على أهل تلك المدينة، الذين كانوا على غير دينهم، وتذكرهم الآية كما في العديد من آيات أخرى بقضية تحريم العمل عليهم يوم السبت، بما في ذلك تحريم مزاولة مهنتهم الرئيسة في صيد السمك، حيث قاموا بحيلة شرعية، التفوا بها على الحكم الشرعي في تحريم الصيد، وقصة مسخ الذين عصوا الله بهذه الحيلة الشرعية إلى قردة، وكيف أخذ منهم بعد ذلك ميثاقا غليظا، لم يكن ربما الذين عاصروا بداية الدعوة للإسلام منهم يعلمون شيئا عن ذلك الميثاق الذي قطعه أجدادهم السالفون على أنفسهم أمام الله.