القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٤


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7752 - 2023 / 10 / 2 - 22:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٤
إِنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَسعَونَ فيِ الأَرضِ فَسادًا أَن يُّقَتَّلوا أَو يُصَلَّبوا أَو تُقَطَّعَ أَيديهِم وَأَرجُلُهُم مِّن خِلافٍ أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ ذالِكَ لَهُم خِزيٌ فيِ الدُّنيا وَلَهُم فيِ الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ (٣٣)
هذه الآية من أشد الآيات قسوة تجاه الذين لم يؤمنوا بالإسلام. صحيح إنها لم تستخدم مصطلح "الذين كفروا" والذي ثبت ببحث قرآني مستفيض وشامل لكل الآيات ذات العلاقة، بأنها لا تعني إلا "الذين لم يؤمنوا بالإسلام وبمحمد وبالقرآن"، بل استخدمت مصلح المحاربة لله ورسوله. ولا يمكن أن يكون هؤلاء كلهم محاربين لله، فيكفي أن يكونوا غير مؤمنين بمحمد، أن يعدوا كافرين بالله وبالتالي محاربين له، لأن القرآن اعتبر كل موقف سلبي تجاه محمد، هو موقف ضد لله، فمن عصى الرسول فقد عصى الله، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن شاقّه أو حادّه فقد شاقّ وحادّ الله. قد يقال لكن الآية الآن لا تتكلم هنا عن قضية عدم الإيمان بمحمد وحسب، بل عن محاربته، ومن يشن حربا عدوانية على طرف آخر، بقطع النظر عن الحق والباطل، أو لنقل الصواب والخطأ الذي يعتقد به كل الفريقين، فمن تشن عليه الحرب، من حقه أن يدافع عن نفسه، فهنا يرد بنقطتين؛، الأولى ليس من الدفاع تقطيع أيدي وأرجل العدو، والثاني إن محاربة الله ورسوله لا تعني القتال وحسب، بل هذا يشمل حتى الحرب الفكرية، التي يمكن أن يعتبر منها مجرد نقد الإسلام، ونفي كونه من الله، يكفي أن يستنبط الحاكم أو القاضي أو الفقيه أو المفسر من الآية شمولها للحرب الفكرية. ثم أبهذه القسوة، أن تقطع يدا ورجلا المدان بتهمة محاربة الله ورسوله؟ ولو إن الآية تدرجت بالقسوة إلى أعلى فجعلت الحد الأدنى وذلك (أرحم) تلك الدرجات هو القتل، تليها الصلب، ثم قطع الأيدي والأرجل، والتي وردت جمعا، وهذا ما يبرره وردود الواقعة عليهم العقوبة بالجمع، حيث قالت الآية "الذين يحاربون الله ورسوله"، ولم تقل "من حارب الله ورسوله"، وإلا لوجب إيراد الأيدي والأرجل بالمثنى، إذا أريد أن تقطع كلتا يديه وكلتا ذراعيه، بحيث يقال "تقطع يداه ورجلاه"، أما إذا قصد قطع إحدى يديه وإحدى رجليه، فكان يجب القول "تقطع يده ورجله من خلاف"، أو "تقطع إحدى يديه وإحدى رجليه من خلاف". لأن عبارة "من خلاف" يمكن أن تفهم بمعنيين، إما أن تقطع من الخلف، أو يقطع كل منهما خلاف الثانية، فإذا قطعت اليد اليمنى، تقطع الرجل اليسرى، أو بالعكس. ثم استخدام مصطلحي الأيدي والأرجل يجعل المعنى قابلا لشتى التأويلات، فاليد تعني الكف، وليس كل الذراع، بينما الرجل تعني الساق، وليس مجرد القدم، فكان المفروض أن يقول إما "أيديهم وأقدامهم" وإما "أذرعهم وأرجلهم". لكن مثل هذا الإبهام كثير في القرآن، كقطع أيدي السارق والسارقة، فجاءت جمعا، بينما علمنا أنه يقصد من كل منهما يدا واحدة، لذا كان يجب أن يقول يديهما أو يد كل منهما، كما هناك الكثير من الحالات التي يستخدم فيها القرآن المذكر مكان المؤنث والمؤنث مكان المذكر. لكن كما مر، المهم في هذه الآية مدى القسوة وانعدام المروءة والرحمة في هذه العقوبة. ثم جعلت الآية العبارة مبهمة، ولم تحدد ما المقصود بمحاربة الله ورسوله، بحيث تركت للمفسر والمؤول والفقيه والقاضي والحاكم فرصة توسيع المعنى ليشمل بها كل ناقد للإسلام، ناهيك عن شمولها الملحدين واللاأدريين، بل وأتباع الديانات الأخرى المنكرين لنبوة محمد. وهذا ما جعل نظام دولة إسلامية يعتبر تهمة محاربة الله ورسوله شاملة للمتظاهرين ضد النظام. إذن لم يبعثه الله رحمة للعالمين، كما يؤكد القرآن.
إِلاَّ الَّذينَ تابوا مِن قَبلِ أَن تَقدِروا عَلَيهِم فَاعلَموا أَنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ (٣٤)
لكن الآية التالية هذه تستثني الذين تابوا قبل أن يلقي المسلمون القبض عليهم، حتى لو كانت التوبة ظاهرية، فالقرآن يقبل توبتهم ظاهريا، برفع العقوبة الدنيوية عنهم، لكنه ينعتهم بالمنافقين، ويتوعدهم بالخلود في نار جهنم، ثم تأتي سورة (التوبة) أو (براءة) لتلغي حتى العفو الدنيوي، وتطالب المسلمين بمقاتلة المشركين والمنافقين. أما إذا قيل إن التوبة عليهم هي أخروية أيضا بدليل قول "فَاعلَموا أَنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ"، فيمكن وهو الأرجح استنادا إلى القرآن نفسه، أن نفهم منها إن الله سيغفر لهم ويرحمهم، إذا كانت توبتهم صادقة، أي إذا تابوا من الكفر، بعدما اقتنعوا بالدين الجديد، فبلا شك يكونون عندها ضمن "خير أمة أخرجت للناس"، أما إذا كان ذلك نفاقا منهم، أو لنقل ليتقوا من المسلمين تقاة درءً للقتل عن أنفسهم، فسيكون مصيرهم بضرورة القرآن الخلود أبدا في نار جهنم، وإن دعا إلى العفو عنهم في الدنيا.