شباب إسبانيا يتفوقون على ثوار مصر في تقليد ميدان التحرير


خالد سالم
الحوار المتمدن - العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 20:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

" ولكنها تدور، يا أرض الكنانة"

شباب إسبانيا يتفوقون على ثوار مصر في تقليد ميدان التحرير

د. خالد سالم
مؤكد أن كثيرين أحبطوا لما آلت إليه الأمور بعد ثورة شباب مصر، ثورة 25 يناير، ثورة ميدان التحرير، الظاهرة المصرية التي حاول تقليدها شباب من دول أخرى، عربية وأجنبية، ومنها من وُئد ومنها ما تمخض عن نتيجة لم يكن يحلم بها المقلدون، رغم إصابة البعض بالحيرة والربكة لما انتهت إليه الثورة.
كان الإسبان من بين شعوب العالم التي أبدت اعجابها بثورة المصريين فقاموا بتأييدها ومساندتها بالتظاهر من أجلها بينما كان الصراع يحتدم بين الشعب ونظام مبارك، وكان اعتصام ميدان التحرير نموذجًا احتذى به الشباب الإسبان في اعتصاماتهم التي بدؤها في بويرتا ديل صول، ميدان الشمس، في قلب العاصمة مدريد في 15 مايو 2011، وعلى ضوء ذلك الاعتصام تشكلت حركة 15-م ونالت أسماء عديدة، من بينها حركة المواطنين، حركة الغاضبين، من بين أخريات.
اتخذ الشباب الإسبان الغاضبون من النظام الحزبي الثنائي وسيطرة قطاع المصارف على اقتصاد البلاد، الثورة المصرية فاتحة خير لتقليدها بأشكال عدة ما يقرب من ثلاثة أعوام، وفي يناير الماضي اتفقت مجموعة منهم يؤيدهم فريق من المثقفين على وضع بديل ينفخ الحياة في اقتصاد متهالك ونظام سياسي متكلس فأسسوا حركة أطلقوا عليها "نحن نستطيع" Podemos بمبادرة من أساتذة جامعة شباب ومثقفين وممثلين ونشطاء سياسيين واجتماعيين ومساندة موقع إلكتروني. الملفت للنظر أن زعيم هذه المبادرة، الحزب، أستاذ علوم سياسية في جامعة مدريد كومبلوتنسي، اسمه بابلو إيغليساس وهو اسم مؤسس الحزب الإشتراكي العمالي الإسباني، أحد أكبر حزبين في الوقت الراهن.
وفي مارس الماضي تحولت الحركة إلى حزب سياسي استطاع الحصول على خمسة مقاعد في برلمان بروكسل وحوالي ثمانية في المائة من أصوات الإسبان. وبهذه النتيجة اقتنص الحزب الجديد الترتيب الرابع بين الأحزاب السياسية الإسبانية العتيدة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت الأسبوع الماضي. ويعد زعماء هذه الحزب الوليد بأنه سيكون الحزب المفصلي في تشكيل الحكومة الإسبانية في انتخابات عام 2015.
تصدر مؤسسي الحزب شاب يعمل أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة مدريد كومبلوتنسي. ووتسق أفكارهم مع الكثير من أفكار ومطالب الحركة التي انبثقت تقليدًا لثورة 25 يناير المصرية، خاصة في ما يتعلق بالقلق والغضب من الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في إسبانيا، وسيطرة السياسيين المفسدين ورجال الأعمال والمصارف عليها، فأخذت الأزمة تنخر عظام ما بناه الشعب الإسباني من رفاه وحريات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
حري أن نشير أن الحياة السياسية الإسبانية يتقاسمها، منذ حوالي ثلاثة عقود، حزبان رئيسان، يتبادلان تناوب السلطة، الحزب الاشتراكي –اشتراكي ديمقراطي- والحزب الشعبي-يميني-. ويعد هذا النظام إحدى عورات الفترة الإنتقالية التي تمخضت عن وفاة الجنرال فرانكو في منتصف السبعينات ودستور عام 1978 الذي لا يزال معمولاً به. وبهذا أصبح هناك متسع لحيز يساري تقدمي يشغله الحزب الجديد إلى جانب تحالف اليسار المتحد الذي ولد على ركام الحزب الشيوعي، الذي أحرز تقدمًا في هذه الانتخابات، وأحزاب يسارية أخرى اختفت في الثمانينات.
الحقيقة أن من عرف إسبانيا منذ وفاة المستبد فرانكو ونظامه المتكلس وما شهدته من طفرة كبيرة بدأت مع عودة الحريات والديمقراطية حتى منتصف العقد الماضي، يصاب بالأسى لما أصابها من تردٍ ملحوظ على المستويات كافة، جراء أزمة اقتصادية طاحنة وفساد سياسي مستشرٍ جعل إسبانيا بلدًا طاردًا لأبنائه بعد أن ظال جاذبًا للمهاجرين لأكثر من عقدين. كانت تلك السنوات سنوات وفرة وتقدم بخطى واسعة كنا جميعًا، نحن العرب، نحلم باستنساخها في وطننا المستنزفة شعوبه وثرواته.
ورغم هذه الكبوة التي تمر بها إسبانيا فإنني على يقين من أنها ستنهض قريبًا، فالشعب الذي استطاع ساسته وبطانة عصر فرانكو -بحس رجال الدولة- من التوصل مع المعارضة إلى صلح حقيقي في نهاية السبعينات، أن يسترد عافيته. وهو الشعب نفسه الذي استطاع شبابه اليساري التقدمي اليوم قضم مساحةً واعدة من الحيز السياسي، ولهذا فإنه سيكون قادرًا أن يعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي في بلد قطع شوطًا كبيرًا في عالم الحريات والديمقراطية بعد تشرذم واستبداد طوال أربعة عقود جثم فيها الجنرال فرانكو وزمرته على أنفاس شعبه.
بعض أساطين العمل العام، محترفو السياسة، لم يعجبهم هذا الحزب الجديد، وكان من بين منتقديه رئيس الحكومة السابق، الإشتراكي فليبي غونثاليث، الذي أعرب عن قلقه من التوجه اليساري لهذا التشكيل الجديد، إذ قال إن "هذا التوجه البوليفاري –اليساري- لن يعود على البلاد سوى بتوزيع البؤس". بالطبع هذا ليس رأي الشباب، وهناك من يحمله مسؤولية تحول الحزب الاشتراكي نحو الإشتراكية الديمقراطية أو الابتعاد عن طابعه العمالي، بعيدًا عن فكره اليساري الذي وضعه في مؤسسه، الزعيم العمالي بابلو إيغليسياس، في نهاية القرن التاسع عشر.
مما لاشك فيه أن العمل السياسي في مناخ ديمقراطي قادر على احراز نقلة جماعية إذا اتضحت الرؤى وحُجّم الساسة وانتهازيو الأنظمة من خلال مؤسسات فاعلة. أقول هذا وأنا أفكر في شباب مصر الذي اكتفى بمقاطعة العملية السياسية منذ عام، ووصل إلى الذروة في مقاطعة انتخابات الرئاسة التي أجريت الأسبوع المنصرم، مكتفيًا باجترار المرارة على المقاهي بينما ينفثون دخان الشيشة التي يضيعون حولها الليالي يتسامرون في شأن ثورة جديدة، وفي أحسن الظروف يتجمهورن حول شاشات التلفزيون العملاقة للتفاعل مع نتائج مباريات كرة القدم الأوروبية.
من المفارقات العجيبة التي تستحق التوقف في هذا الإطار هو أنه بينما قام الشباب الإسباني، بالسير على خطى ثورة 25 يناير واعتصامات ميدان التحرير نجد أن شباب مصر الذي فقد ايمانه بالعملية السياسية، ولجأ إلى سلبية ملفتة للأنظار، وهو ما حمل صحيفة رياضية إسبانية كبيرة مثل "ماركا" Marca (1) إلى تناول هذا الأمر في عددها الصادر يوم 28 مايو الجاري إلى نشر تقرير تحت عنوان "سيرخيو راموس رئيسًا لمصر". وسيرخيو راموس هذا هو مدافع فريق ريال مدريد لكرة الذي ساهم بشكل كبير في فوز فريقه بكأس الأبطال مؤخرًا. وكان بعض شباب مصر، قد سودوا ورقة انتخابات الرئاسة المصرية بوضع اسمه بدلاً من نتخاب عبد الفتاح السيسي أو حمدين صباحي!ََ!
إنه درس لمثقفينا في أرجاء الوطن العربي أن يأخذوا بيد الشباب على طريق وضع أطر سياسية تخرج بلدان الربيع العربي من الجب التي حُملت إلى قاعاها الثورات العربية، فانتظار أن يهدي من بيدهم الأمر الحرية والديمقراطية إلى الشعب ضرب من الهذيان. أقول هذا وأنا لا أفكر في نصابي الثقافة وأصحاب دكاكينها الذي تلونوا بألوان الأنظمة كافة وأكلوا على موائدها طول عقود.

هامش:
(1) رابط مقال صحيفة ماركا الإسبانية:
http://linkis.com/www.marca.com/2014/0/rvMaO