جائزة ثربانتس في الآداب للأوروغويّة كريستينا بيري روسّي


خالد سالم
الحوار المتمدن - العدد: 7076 - 2021 / 11 / 13 - 16:42
المحور: الادب والفن     

" لكنها تدور يا ملوك الطوائف"

جائزة ثربانتس في الآداب للأوروغويّة كريستينا بيري روسّي

د.خالد سالم
أميركا اللاتنية قارة خلاقة، ومن رحم الاستبداد والطغيان المحلي والأميركي أبهرت العالم بأدبها الذي أخذ يحتل الفضاء الذي يسحتقه بين آداب العالم بدءًا من الطفرة والواقعية السحرية التي أصبحت تشكل تيارًا يُقلد في الآداب الأخرى. وفي هذا السياق نهضت من رماد احراقها كالعنقاء على المستويات كافة، بعد عقود طويلة من معاناة شعوبها، بينما آثر كثير من مبدعيها ومثقفيها المنفى ملاذًا على الاستئناس أو الموت في السجون، وفي المنفى صوبوا سهام الكلمة ضد الأنظمة الاستبدادية. وفي المنفى أبدعوا وتركوا بصمات لا تُمحى في الساحة الأدبية المحلية والعالمية.
وجميل أن يُكرم المبدع على مشواره الطويل قبل أن يترجل إلى السماء، خاصة وإن كان قد كابد المنفى والحرمان من الوطن والملاحقة على أيدي الطغاة. إنها حالة الروائية والشاعرة الأوروغويّة كريستينا بيري روسّي التي حازت جائزة ثربانتس، نوبل الآداب المكتوبة باللغة الإسبانية، ليلة احتفالها باتمام عقدها الثامن في برشلونة التي استقرت فيها منذ خمسة عقود هربًا من الإستبداد العسكري في بلدها، الأوروغواي.
بيد أن برشلونة لم تكن ملاذًا مخمليًا إذ طالتها يد طاغية آخر، الجنرال فرانكو الذي كان نظامه يلفظ أنفساه الأخيرة، ما اضطرها إلى البحث عن منفى آخر، فلجأت إلى فرنسا إلى أن رحل فرانكو الذي جثم على أنفاس الإسبان قرابة أربعة عقود، بعد أن أشعل حربًا أهلية ضد النظام الجمهوري المنتخب في ثلاثينات القرن العشرين.
بيد أنها استلت سلاح الكلمة لمحاربة الاستبداد في بلدها الذي ينعم اليوم بالديمقراطية مسجلاً،إلى جانب تشيلي، أعلى مستويات النمو الاقتصادي والحريات في أميركا اللاتينية، والدفاع عن المرأة، وهو ما أخذته في الحسبان لجنة تحيكم جائزة ثربانتس، الجائزة الأهم في الدول الناطقة بالإسبانية، "لأن أدبها ممارسة مستمرة للاستكشاف والنقد، دون تجنب قيمة الكلمة كتعبير عن الالتزام بالقضايا الرئيسة المعاصرة، ووضع المرأة والجنسانية".
وكريستينا بيري روسّي تشكل إلى جانب كثيرين من مثقفي وكتاب أميركا اللاتينية نهجًا متفردًا في التصدي للطغاة وفضح جرائم الأنظمة المستبدة التي خنقت القارة الناطقة بالإسبانية والبرتغالية عقودًا طويلةً في القرن العشرين.
وهو ما أخذته في الاعتبار لجنة تحكيم الجائزة في دورتها الحادية والأربعين، إذ أشارت إلى "مسيرتها الإبداعية في عصرنا وحجم كاتبة قادرة على التعبير عن موهبتها في تعددية الأجناس الأدبية". وعرجت اللجنة على دورها كجسر بين أميركا اللاتينية وإسبانيا مشيرةً إلى "ضرورة أن يظل في الذاكرة الدائمة للمنفى ومآسي القرن العشرين السياسية".
ورغم أن هذا الكاتبة تتمتع بشهرة واسعة إلا أن فضاءها بين كتاب أميركا اللاتينة لا يتناسب مع جودة نتاجها الأدبي، وقلما يُعرف أنها من كُتاب "ألبوم"، أو الطفرة، التي شهدها الأدب المكتوب بالإسبانية في السبعينات والثمانينات، وكان من أقطابها الكولمبي غابرييل غارثيا ماركيث والأرجنتيني خوليو كورتاثر ووالبيروفي ماريو بارغاس يوسا والمكسيكي خوان رولفو، إلى جانب كثيرين آخرين. بل إنها المرأة الوحيدة التي تنتمي إلى الطفرة.
كريستينا بيري روسّي سادس امرأة تحوز جائزة ثربانتس، والثانية من الاوروغواي، بعد أكثر من خمسة عقود مارست خلالها الكلمة المكتوبة في شتى الأجناس الأدبية، ما أدى إلى ترجمتها إلى خمس عشرة لغة. والجائزة تخلد اسم مؤلف رواية دون كيخوتي، ميغيل دي ثربانتس، التي تحتل المركز الثاني، بعد التوراة، في عدد النسخ المطبوعة منها. وتُسلم الجائزة في ربيع العام التالي في مدينة ألكالادي إناريس – قلعة عبد السلام، أو فرج، العربية- مسقط رأس ثربانتس، في حفل يترأسه ملكا إسبانيا. سبق أن حاز الجائزة مواطنها الشاعر خوسيه أونيتي عام 1980 والشاعرة إيدي بيتالي عام 2018.
حُرمت كريستينا بيري روسّي من ذكر اسمها أو أعمالها في وسائل الإعلام في بلدها طوال النظام العسكري الديكتاتوي، خلال السبعينات حتى منتصف الثمانينات. وإلى جانب الأدب عملت أستاذةً للأدب وفي الترجمة والصحافة. وظل اسمها طوال العقود السابقة رمزًا للالتزام السياسي، إلى جانب دفاعها عن حرية الميول الجنسية.
بدأت الكتابة في سن مبكرة حيث بدأت بالقصص القصيرة في مطلع الستينات بنشر مجموعتها الأولى التي لاقت استحسان النقاد وكبار الكتاب، وعلى رأسهم الأرجنيتني خوليو كورتاثر الذي تنبأ لها بأنها سوف تحتل مكانة كبيرة في عالم القص وتجديد القصص القصيرة في اللغة الإسبانية. وقد حصلت على الإجازة الجامعية في الأدب المقارن بعد أن تحولت من دراسة العلوم، اتساقًا مع توجهاتها الأدبية المبكرة.
إلا أن ابداعها لم يقتصر على السرد إذ كتبت الشعر واعدها النقاد إحدى كبار شعراء عصرها إلى جانب ثيسار باييخو وبابلو نيرودا. ولها مغامراتها في عوالم السينما والتصوير الزيتي والتصوير.