أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد فرحات - حين يُطارَد الصوت الفلسطيني: بيسان عدوان بين منافي الجغرافيا ومحاكم الخطاب














المزيد.....

حين يُطارَد الصوت الفلسطيني: بيسان عدوان بين منافي الجغرافيا ومحاكم الخطاب


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 21:18
المحور: حقوق الانسان
    


كتبه، محمد فرحات.

ليست البداية هنا متفائلة، ولا يمكن لها أن تكون.
فالتجربة، حين تتكرر، تفقد براءتها، وحين يُعاد المشهد نفسه بأدوات مختلفة، يصبح اليأس جزءًا من الوعي لا من المزاج.
ومع ذلك، ثمّة أمل غامض، عنيد، لا يُرى بوضوح، لكنه يصرّ على البقاء، كأنّه آخر ما يتبقى للضحايا حين تُغلق أمامهم المنابر وتُصادَر أصواتهم.

بيسان عدوان لم تُطرَد من مصر رسميًا، لكنها أُقصيت فعليًا.
أُبعدت لا لخطأ قانوني، ولا لتجاوز مهني، بل لأنها كانت نابهة أكثر مما ينبغي، وناشرة قوية، وكاتبة لا تقبل أن تُخفّف لغتها لتناسب ذوق السلطة أو حساسياتها.
غادرت مصر محمّلة بتجربة مبكرة عن معنى أن تكون فلسطينيًا، وأن تكتب، وأن تمتلك صوتًا مستقلًا لا يمكن تطويعه بسهولة.

اليوم، تحاول الدوائر الصهيونية الأوروبية أن تكرّر التجربة ذاتها، ولكن بواجهة أكثر «تحضّرًا»، وبخطاب يدّعي الحياد، ويستند إلى منظومة إعلامية وقانونية تُجيد تحويل القمع إلى إجراء، والإقصاء إلى «مساءلة».

ما تتعرض له بيسان عدوان في بعض المنابر الإعلامية السويدية لا يمكن توصيفه بوصفه تحقيقًا صحفيًا نزيهًا، بل هو أقرب إلى محاكمة رمزية لتعبير سياسي وثقافي فلسطيني.
محاكمة تُنتزع فيها الكلمات من تربتها، وتُفصل عن سياقها التاريخي والإنساني، وتُقدَّم للرأي العام كأدلة إدانة، لا كصرخات صادرة عن جرح مفتوح.

لم تُواجه بيسان اتهامًا قانونيًا، ولم يصدر بحقها حكم أو قرار قضائي، ومع ذلك جرى دفعها إلى واجهة الرأي العام بوصفها «خطرًا أمنيًا».
هنا يُخرق مبدأ قرينة البراءة، وتُمسّ حرية التعبير في جوهرها، لا باعتبارها حقًا يُصان، بل باعتبارها امتيازًا يُسحب حين يصبح الصوت الفلسطيني «مقلقًا».

إن البوح بالحزن، والتعبير عن الغضب، حين يُمحى شعب كامل وتُسحق حياته اليومية، لا يحوّل الإنسان إلى مجرم، بل يؤكد إنسانيته.
وإن تحويل الفلسطيني إلى موضع شبهة لأنه فلسطيني، ولأنه يتكلم من موقع الضحية لا من منصة القوة، ليس سوى وجه آخر من وجوه الإقصاء، وعنصرية سياسية تتخفّى خلف خطاب الحياد و«مكافحة التطرف».

الاتهامات الجاهزة بمعاداة السامية أو مساندة الإرهاب، حين تُستخدم على هذا النحو، لا تهدف إلى حماية جماعات أو قيم، بل إلى إسكات رواية كاملة.
هي تمهيد لسحب المنحة، ثم الإقامة، ثم الشرعية المعنوية للوجود ذاته.
ليست مساءلة قانونية، ولا نقدًا مهنيًا، بل محاكمة سياسية وإعلامية للرواية الفلسطينية نفسها.

الدفاع الحقيقي عن حرية التعبير لا يُقاس بمدى راحتها للسلطة، ولا بانسجامها مع السائد، بل بقدرتنا على حمايتها حين تكون حادّة، مُقلقة، ومشحونة بالحقيقة.
حين يصبح الألم الفلسطيني «خطرًا أمنيًا»، ويُجرَّم الغضب الصادر عن موقع الضحية، نكون أمام انحراف خطير عن مبادئ العدالة، وكشفٍ فاضح لازدواجية المعايير حين يتعلّق الأمر بفلسطين.

بيسان لم تطلب امتيازًا، ولم ترفع شعارًا خارج الإنسانية.
طالبت فقط بحق بديهي:
أن يُسمح للفلسطيني أن يحزن، أن يغضب، وأن يروي قصته دون أن يُصنَّف عدوًا.

الدفاع عن بيسان عدوان هو دفاع عن حرية التعبير، وعن الكرامة الإنسانية، وعن حق الفلسطيني في أن يكون شاهدًا على ما يُرتكب بحقه، لا متهمًا لأنه تكلّم.
الصمت هنا تواطؤ، والكلمة الصادقة ليست جريمة.
ورغم كل هذا اليأس المتراكم، يظل الأمل الغامض قائمًا:
أن الصوت، مهما طورد، لا يُمحى.
وأن الرواية، مهما حوصرت، تجد دائمًا من يحملها.


كاتب ومترجم مصري






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كادرات نور: البدايات المشتعلة
- كادرات نور: البدايات التي تشبه النضج-
- : -حَيَاةٌ-: سرديّة الأمل والموت في مجموعة -كَادراتُ نورٍ- ل ...
- الكنتونات المتحدة
- نهلة البيباوي… صرخة بيانو في وجه زمن القبح
- الأكاديمي حينما يتحول لبوق أيديولوجي
- انحرافات خالد أبو الليل: كيف تحوّل -الباحث الشعبي- إلى بوقٍ ...
- شعبان يوسف يخلع عباءة النقد ليرتدي جلباب الرقيب المتقاعد
- زياد الرحباني: حين صار الفن موقفًا والصوت مانيفستو لا يساوم
- دولة نص كُم خير من عصابة بكُم
- بين الحلم الاشتراكي والحلم الليبرالي
- اكتبوه ميتًا: تمثلات القمع ومقاومة الحياة في سردية الطفولة ع ...
- جسد من حرير السماء: شعرية التقمص الصوفي في خطاب سعدني السلام ...
- الموظف الأخير
- برهامي والميثاق المقدّس: فتوى على مقاس الاحتلال
- كنافة على الهامش: عبث الواقع وسخرية الحلم – قراءة نقدية في ض ...
- من رجال الدين إلى دين الرجال: كيف تحوّل النص المقدّس إلى أدا ...
- لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟
- مأساة العصافير: قراءة اجتماعية ماركسية في بنية القمع الرمزي
- الميليشيا بديل الدولة: من الحلم الإسلامي إلى الوكالة الاستخب ...


المزيد.....




- الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن الأونروا
- الأمم المتحدة: المدنيون في الفاشر يعيشون أوضاعًا مهينة وغير ...
- الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب الأون ...
- السودان: حريق بمخيم نازحين في شمال دارفور يشرد 34 أسرة.. ويو ...
- المباني الآيلة للسقوط تقتل النازحين في غزة
- بلديات غزة تكافح الأمطار في الشوارع المدمرة وخيام النازحين
- الأمم المتحدة: يجب أن يشعر المجتمع الدولي بالعار من تجاهل ال ...
- طقس كارثي وانعدام أمن غذائي.. خبير بمنظمة اليونيسف يوضح معان ...
- الأونروا: 235 ألف شخص تضرروا من منخفض بايرون الجوي في غزة
- بيانات أميركية تكشف زيادة هائلة في اعتقالات المهاجرين.. وتوت ...


المزيد.....

- اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة وانعكاسا ... / محسن العربي
- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد فرحات - حين يُطارَد الصوت الفلسطيني: بيسان عدوان بين منافي الجغرافيا ومحاكم الخطاب