أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد فرحات - انحرافات خالد أبو الليل: كيف تحوّل -الباحث الشعبي- إلى بوقٍ أيديولوجي؟














المزيد.....

انحرافات خالد أبو الليل: كيف تحوّل -الباحث الشعبي- إلى بوقٍ أيديولوجي؟


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 23:17
المحور: قضايا ثقافية
    


خالد أبو الليل، من غير ألقاب ولا زخارف أكاديمية، لم يكن يومًا باحثًا بريئًا يتتبع خيوط الثقافة الشعبية حبًا في التراث أو شغفًا بالناس البسطاء. بل كان، ومنذ زمن، يهيئ نفسه لخدمة غرضٍ أيديولوجي مُعلّب، يظهر في صورة "تأريخ شعبي"، بينما هو في الحقيقة نسخة محسّنة من بروباغندا الإخوان بلهجة فلاحية.

في كتابه الأخير ـ إن صحّ أن نسميه كتابًا لا منشورًا دعائيًا ـ قدّم أبو الليل ما يمكن اعتباره دراسة مرتزقة؛ فهو لم يأتِ بجديد علمي، ولا بنقد موضوعي، بل اكتفى بدور الـ"مُسجّل الصوتي" لرواية واحدة: رواية الإخوان عن حكم عبد الناصر.

لكن لا تخطئ التقدير، فالبوق هذه المرة مصنوع في معامل الأكاديميا المصطنعة، مغطّى بعباءة "الباحث المتجرد"، ومسكّنًا بعبارات مثل "الرواية المضادة" و"الصوت الشعبي المهمّش"، بينما هو في جوهره يعيد تدوير سردية التنظيم الدولي للإخوان، بعد طلائها بقليل من "الشعبيات" والموال الشعبي، لترسيخ خرافة أن عبد الناصر "خان الثورة"، وأن الشعب كان "يئن من القهر الناصري"، وكأن السجون والمعتقلات لم تكن نتيجة مؤامرات واغتيالات وتفجيرات نفذها التنظيم نفسه.

عندما تتحول الثقافة الشعبية إلى حطب في موقد المؤامرة

ما فعله أبو الليل لا يندرج تحت بند البحث الأكاديمي، بل أقرب إلى عمل نُسّاخ العصور الوسطى، الذين ينسخون ما يُملى عليهم دون سؤال أو تمحيص. هو لم يبحث في الأرشيف الوطني، ولم يقارن بين الروايات، ولم يجرؤ حتى على الاقتراب من مراكز الوثائق أو شهادات الضباط الأحرار، بل لجأ إلى "العوالم والسميعة" و"الحكّائين بالنيابة"، الذين يملكون ذخيرة كافية من الحكايات المفبركة عن عبد الناصر و"قمعه"، وكل ذلك تحت عنوان فضفاض اسمه "الذاكرة الشعبية".

والشعب هنا ليس هو الفلاح الذي وزّع عليه عبد الناصر الأرض، ولا العامل الذي بنا له المصانع، ولا الطالبة التي فتحت لها المجانية باب الجامعة، بل هو ذلك "الشعب" المخلوق في رأس خالد أبو الليل، شعب خيالي يسكن الحارات الخلفية للتنظيم السري، ويحكي حكاياته الموجهة عند اللزوم، تمامًا كما تفعل لجان البث في الفضائيات الإخوانية.

فورد فاونديشن... الراعي الرسمي للبحث "المضاد"

ما يثير السخرية أن كتاب أبو الليل يحمل ختما غير معلنًا: "طُبع برعاية فورد فاونديشن"، وهي المؤسسة التي ما فتئت تمول دراسات تهدف إلى تفريغ الذاكرة الوطنية من مضامينها التحررية، وزرع الشك في كل رموزها، من جمال عبد الناصر حتى آخر جندي شارك في تأميم القناة أو حفر في السد العالي.

وما بين دفّتي الكتاب، ستجد كمًا هائلًا من التحيّز المقصود والتجاهل المتعمد، في مشهد أقرب إلى أفلام التحقيقات التي يُخفى فيها الدليل الحاسم في الدُرج الأخير من المكتب، لأن الحقيقة لا تروق للراوي.

لقد تجاهل أبو الليل عمدًا كل الوثائق التي تشرح دوافع قرارات عبد الناصر، وغضّ البصر عن المشاريع العملاقة، والتحولات الاجتماعية العميقة، واختزل مصر الستينيات في مشهد كاريكاتوري، حيث "الشعب مسجون، والزعيم جبار، والأمل في الخلاص على يد مشايخ السجون".

من باحث شعبي إلى نائب رئيس هيئة الكتاب: الجوائز في زمن اللامعقول

والأعجب من كل ما سبق، أن الدولة نفسها التي يبصق عليها أبو الليل في كتابه، هي التي قامت بمكافأته، لا فقط بطباعة الكتاب على نفقة وزارة الثقافة، بل أيضًا بتعيينه نائبًا لرئيس الهيئة العامة للكتاب!

نعم، في هذا الزمن الذي ارتبكت فيه البوصلة، وصار التاريخ مجرد وجهة نظر تُكتب بأموال المنظمات الأجنبية، يتحول مؤلف كتاب عدائي إلى مسؤول ثقافي رفيع، ويُقدّم على أنه "رمز للتنوير"، بينما هو في الحقيقة بوق لأشد أنواع الظلام إظلامًا.

وهنا لا يسعنا إلا أن نستحضر مقولة شهيرة: "إذا أردت أن تقتل مشروعًا وطنيًا، فعيّن خصومه أمناء على روايته".

ولكم في تجربة "أبو زبيبة" المؤمن عبرة!

يا من تبحثون عن العقل والمنطق، لا تتعبوا أنفسكم. فالدروس تتكرر، والعبث يعيد إنتاج نفسه. ألم نرَ من قبل كيف صار أنور السادات، المتدين الورع، صديق التنظيمات، منقذًا للديمقراطية، وباع لنا صلحًا لا نزال ندفع ثمنه حتى اليوم؟!

أبو زبيبة الأول سلّم الأرض مقابل السلام، وأبو زبيبة الثاني يسلّم التاريخ مقابل وظيفة ومقعد في هيئة الكتاب.

---

عندما يُكافأ التحريف وتُهان الحقيق

المشكلة ليست فقط في خالد أبو الليل، فمثله كثيرون، بل في المنظومة التي تسمح لهذا النوع من "الباحثين" بالصعود، لأنهم يُجيدون اللعبة: كتابة ما يُطلب منهم، بمصطلحات يصفق لها الجمهور، وغلاف علمي يسحر المؤسسات، وعلاقات مريبة تمهّد لهم الطريق.

لكن التاريخ لا يُكتَب إلى الأبد بأيدي المتآمرين. وإن نجح خالد أبو الليل في طباعة روايته المزيفة على نفقة الدولة، فإن الرواية الحقيقية ما زالت محفوظة في ضمير الشعب، وفي ملفات الوثائق، وفي وجدان أجيال تعرف جيدًا من الذي بنا ومن الذي خان.

وفي النهاية، سيبقى خالد مجرد اسم عابر في سجل المحاولات الفاشلة لإعادة كتابة التاريخ على طريقة: "شعبنا شعب عظيم.. لكنه لا يعرف الحقيقة إلا إذا حكاها له أحد الممولين."






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعبان يوسف يخلع عباءة النقد ليرتدي جلباب الرقيب المتقاعد
- زياد الرحباني: حين صار الفن موقفًا والصوت مانيفستو لا يساوم
- دولة نص كُم خير من عصابة بكُم
- بين الحلم الاشتراكي والحلم الليبرالي
- اكتبوه ميتًا: تمثلات القمع ومقاومة الحياة في سردية الطفولة ع ...
- جسد من حرير السماء: شعرية التقمص الصوفي في خطاب سعدني السلام ...
- الموظف الأخير
- برهامي والميثاق المقدّس: فتوى على مقاس الاحتلال
- كنافة على الهامش: عبث الواقع وسخرية الحلم – قراءة نقدية في ض ...
- من رجال الدين إلى دين الرجال: كيف تحوّل النص المقدّس إلى أدا ...
- لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟
- مأساة العصافير: قراءة اجتماعية ماركسية في بنية القمع الرمزي
- الميليشيا بديل الدولة: من الحلم الإسلامي إلى الوكالة الاستخب ...
- مسلسل -معاوية-
- حارس الكلمة الأخير
- -مرارًا وتكرارًا- جسور التجريبية والتراث بشعر خالد السنديوني ...
- الوجود والعدم عند مصطفى أبو حسين، قصة -ابن الجزمة- نموذجا.
- تحقيق الشفا للقاضي عياض: بين السخرية العلمية وتزوير التراث
- لينين الزعيم الإنساني الديمقراطي
- نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.


المزيد.....




- أمريكا تحجم عن إدانة قتل الصحفيين في غزة.. وتُحيل الأمر إلى ...
- أمهات رهائن تناشدن من جنيف إنهاء الحرب في غزة وإنقاذ أبنائهن ...
- نتنياهو يدعو الإيرانيين لـ-المخاطرة.. والنزول إلى الشارع-
- الأردن وسوريا والولايات المتحدة يتفقون في عمّان على أهمية تع ...
- الحكومة أعلنت موتها.. مصير مبادرة السلام الكينية حول جنوب ال ...
- تأهب بفرنسا جراء موجة حر قياسية
- تقرير: تجسس بريطاني في سماء غزة لصالح إسرائيل
- محللون: التدخل الإسرائيلي يعمق أزمة الدروز في سوريا
- مفتاح العودة والدبكة والكوفية.. رموز النضال والهوية الفلسطين ...
- اجتماع ثلاثي في عمّان لدعم استقرار السويداء ووحدة سوريا


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد فرحات - انحرافات خالد أبو الليل: كيف تحوّل -الباحث الشعبي- إلى بوقٍ أيديولوجي؟