أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد فرحات - زياد الرحباني: حين صار الفن موقفًا والصوت مانيفستو لا يساوم














المزيد.....

زياد الرحباني: حين صار الفن موقفًا والصوت مانيفستو لا يساوم


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


زياد الرحباني: حين يصبح الفن موقفًا

حين يُذكر اسم زياد الرحباني، تتبادر إلى الأذهان فورًا صورة الموسيقي النابغة، ابن فيروز وعاصي، الذي أعاد تشكيل الذائقة الفنية في العالم العربي. لكن هذا الوجه لا يكشف إلا نصف الحقيقة. فالوجه الآخر لزياد هو المثقف المتمرّد، والسياسي الجذري، واليساري المنخرط في صراعات بلاده الطبقية والطائفية، والمؤمن بأن الفن لا يُجدي إن لم يكن موقفًا. ولهذا، فإن كل من سيكتب عن زياد الرحباني سيبدأ غالبًا من المسرح والموسيقى، أما أنا، فأختار أن أبدأ من السياسة، ومن النضال، ومن المواقف التي دفع ثمنها في بيئة لم تتسامح يومًا مع الاختلاف.

شيوعي بيروتي الهوى

عرف زياد الرحباني بانخراطه الطويل في الحزب الشيوعي اللبناني، وصرّح مرارًا بأنه "شيوعي الهوى"، ولم يتنكر يومًا لهذا الانتماء، بل اعتبر أن من يخرج من الحزب لا يخرج إلا إلى "السجن أو البيت"، في إشارة إلى مدى الالتزام الذي يربطه بالقضية والرفاق. وقد ألقى كلمة في مهرجان الذكرى الـ82 لتأسيس الحزب، تحدّث فيها عن ضرورة إعادة هيكلة الحزب، موجهًا نقدًا داخليًا بشجاعة نادرة.

انتماؤه اليساري لم يكن تنظيميًا فقط، بل كان جوهريًا، انعكس في أعماله المسرحية والإذاعية والصحفية، وفي اختياراته الفنية والاجتماعية. انتقل في سنوات الحرب اللبنانية من بيئته المسيحية ذات الطابع اليميني إلى بيروت الغربية، بعد مجزرة تل الزعتر التي اعتبرها الدافع الأساسي لهذا الانتقال، وهو موقف كلّفه الكثير، لكنه رسّخ موقعه كمثقف ملتزم في خندق الطبقة الكادحة.

مقاومة الاحتلال ورفض الأبارتايد

رغم خلفيته المسيحية، اتخذ زياد الرحباني مواقف راديكالية مؤيدة للمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ورفض النظام الصهيوني بوصفه "نظام أبارتايد عنصريًا"، ولم يتردد في إعلان انحيازه لما أسماه "مشروع المواجهة مع العدو"، في وقت كان هذا الموقف محل جدل بل وخطر. ومثلما واجه الطائفية، واجه الاحتلال، وكان صوته مزيجًا من السخرية والحدّة والتحريض الإبداعي.

صحفي ساخر... وخطير

مارس زياد الرحباني الصحافة بشراسة الكاتب الحر، وكتب في النداء والنهار والأخبار، حيث كانت مقالاته تحمل نَفَسًا شعبيًا راديكاليًا، متجاوزة الأطر التقليدية للخطاب الصحفي اللبناني. وقد عرف بعموده الشهير في جريدة الأخبار تحت عنوان مانيفستو، الذي مزج فيه بين النقد السياسي والاجتماعي والثقافي، ساخرًا من تحالف "السلطة والمال والدين"، وهو ما جعله عرضة لرقابة خفية، ومحاولات إقصاء من بعض الأوساط.

ملحدٌ في زمن الطائفية

في مجتمع طائفي الهوية والانقسام، لم يُخف زياد الرحباني شكوكه الدينية، بل كان يوصف في الأوساط الشعبية بأنه ملحد، وهو موقف غير مألوف في لبنان، لا سيما لدى من ينحدر من خلفية دينية مسيحية محافظة. لكن زياد، كالعادة، لم يكن يبحث عن القبول بل عن الحقيقة، وظلّ صوته مناهضًا لما اعتبره استغلالًا للدين في تسويق الاستبداد والمال.

الوداع الأخير: موت الجسد، لا الصوت

توفي زياد الرحباني في 26 يوليو 2025 في بيروت، عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد معاناة طويلة مع مرض تليّف الكبد. نُقل إلى المستشفى في يونيو إثر مضاعفات متكررة، وباءت محاولات العلاج بالفشل في المراحل الأخيرة. أعلنت وزارة الثقافة اللبنانية وفاته رسميًا، ونُقل جثمانه إلى مستشفى الجامعة الأميركية، ثم أقيم له حفل وداع رسمي في مسرح المدينة، ذلك الفضاء الذي شهد أعظم أعماله، بحضور حاشد من الفنانين والمثقفين والسياسيين، بينهم ممثلون عن الرئاسة ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين.

نعاه عدد كبير من الشخصيات العربية، منهم مارسيل خليفة، وماجدة الرومي، وغادة شبير، الذين وصفوه بأنه "آخر الأصوات الحرة التي مزجت بين الفن والموقف". وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تحوّلت صفحاته إلى أرشيف رقمي مفتوح يعيد بث مقاطع من مسرحياته وكلماته، كأنما يصعد مجددًا من بين الركام ليقول: "أنا لم أمت. أنتم نسيتم أن تصمتوا".

إرث لا يُختزل

تعمل جامعات ومؤسسات ثقافية لبنانية اليوم على توثيق أعمال زياد الرحباني، وقد أعلنت وزارة الثقافة نيتها تحويل بعض نصوصه المسرحية إلى مواد دراسية في النقد المسرحي والموسيقي. إلا أن الإرث الأهم الذي يتركه زياد هو النموذج: نموذج الفنان الذي لا ينفصل عن قضايا شعبه، والمثقف الذي لم يساوم، واليساري الذي بقي في موقع

الشهداء
٢٦ يوليو ٢٠٢٥






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة نص كُم خير من عصابة بكُم
- بين الحلم الاشتراكي والحلم الليبرالي
- اكتبوه ميتًا: تمثلات القمع ومقاومة الحياة في سردية الطفولة ع ...
- جسد من حرير السماء: شعرية التقمص الصوفي في خطاب سعدني السلام ...
- الموظف الأخير
- برهامي والميثاق المقدّس: فتوى على مقاس الاحتلال
- كنافة على الهامش: عبث الواقع وسخرية الحلم – قراءة نقدية في ض ...
- من رجال الدين إلى دين الرجال: كيف تحوّل النص المقدّس إلى أدا ...
- لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟
- مأساة العصافير: قراءة اجتماعية ماركسية في بنية القمع الرمزي
- الميليشيا بديل الدولة: من الحلم الإسلامي إلى الوكالة الاستخب ...
- مسلسل -معاوية-
- حارس الكلمة الأخير
- -مرارًا وتكرارًا- جسور التجريبية والتراث بشعر خالد السنديوني ...
- الوجود والعدم عند مصطفى أبو حسين، قصة -ابن الجزمة- نموذجا.
- تحقيق الشفا للقاضي عياض: بين السخرية العلمية وتزوير التراث
- لينين الزعيم الإنساني الديمقراطي
- نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.
- اسمي نجيب سرور ٧
- صعود


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعترض سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة
- أستراليا وبريطانيا توقّعان معاهدة شراكة نووية تمتد لـ50 عاما ...
- تصعيد بالمسيرات بين روسيا وأوكرانيا وقتلى مدنيون من الطرفين ...
- حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت للاعتراف بدولة فلسطين
- بحثا عن الأطعمة الفاخرة والأرباح على ساحل غرب أفريقيا
- لقاء سوري-إسرائيلي رفيع بباريس: تهدئة مشروطة أم بداية تطبيع؟ ...
- حزب بريطاني يهدد ستارمر بطرح مشروع قانون للاعتراف بفلسطين
- زعيم كوريا الشمالية يتعهد بالانتصار في المعركة ضد أميركا
- الشرطة الهندية توقف رجلا يدير سفارة -وهمية-
- صحافي روسي ينجو بأعجوبة من هجوم بمسيرات أوكرانية


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد فرحات - زياد الرحباني: حين صار الفن موقفًا والصوت مانيفستو لا يساوم