أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - الموظف الأخير















المزيد.....

الموظف الأخير


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 21:04
المحور: الادب والفن
    


ملحوظة مهمة أو حتى مش مهمة!!

فيلم سينمائي لم يُصوَّر بعد.
"في انتظار كاميرا المخرج الهُمام، تقف الشخصيات عند حافة الضوء، تتهيّأ لدخول كادر لم يُكتب بعد."

قد تُشبه الحكايةُ بعضَ ما جرى، أو تلامس أطراف الواقع — لكن أي تشابه مع أحداث حقيقية هو محض صدفة درامية لا تلزمنا بشيء؛ لا من قريب ولا من بعيد، لا في الواقع... ولا حتى في ما ليس بواقع."
-------

داخلي – مكتب قديم – نهار باهت

المكان كئيب، الإضاءة شاحبة، وأسامة جالس خلف مكتب خشبي قديم تآكلت حوافه. على الحائط صورة باهتة لعبد الناصر، وجنبها تقويم ممزق. صوت مروحة سقف تعاني لتدور.

يدخل مسؤول كبير، خمسيني، بدين قليلاً، يرتدي بدلة أنيقة جدًا على عكس المكان. يتقدم بخطى باردة، يحمل حقيبة جلدية صغيرة، يضعها على الطاولة دون استئذان.

المسؤول الكبير
(بصوت هادئ لكنه صارم)
ـ حصلني على مكتبي في العاصمة الإدارية... ومعاك استقالتك.

أسامة
(يرفع عينه ببطء، ينظر له بسخرية)
ـ ليه؟ فاكرني شغال في مدرسة من مدارس أمك؟

المسؤول الكبير
(يتراجع قليلاً، لكنه يحاول تماسكه)
ـ الكلام ده هتندم عليه.

أسامة
(ينهض من مقعده، يواجهه وجهًا لوجه)
ـ يا فاشل... يا ساقط ثانوية...
يا مزور!

المسؤول الكبير
(يحاول الخروج عن هدوئه، لكنه يبلع الإهانة)
ـ البلد مش ناقصة مشاكل.

صمت ثقيل.
المسؤول يلتفت، يفتح الباب ويخرج دون أن ينظر للخلف.

الكاميرا تثبت على وجه أسامة.
عيناه تدمعان، لكن دون بكاء.
خلفه، المروحة تئن.
خارج المكتب، تعلو أصوات المارة، الحياة مستمرة وكأن شيئًا لم يكن.

قطع.
"2"

داخلي – نفس المكتب القديم – نهار باهت، كأن الوقت لا يتحرك

كل شيء كما كان: المروحة تئن، التقويم ممزق، وصورة عبد الناصر تنظر بملل. لكن شيئًا خفيًا في الجو يوحي بأن النهاية على الأبواب.

أسامة جالس، يكتب شيئًا في ورقة صغيرة. الكاميرا تقترب... الكلمات غير واضحة، لكنها تبدو كنوع من "الوصية"، أو ربما طلب إجازة مرضية.

يدخل نفس المسؤول الكبير، هذه المرة أكثر أناقة، وربما أكثر وقاحة. يضع الحقيبة على المكتب.

المسؤول الكبير
(بابتسامة ساخرة)
ـ جبتلك فطير مشلتت من العاصمة الإدارية... وهات مفاتيح المكتب بقى.

أسامة
(ينظر له دون تعبير، ثم فجأة ينهار على المكتب)
ـ هممم...

المسؤول يقترب بخفة ظل مفتعلة، يربت على ظهره.

المسؤول الكبير
ـ إيه يا عم؟ مش للدرجة دي! دا إحنا بنهزر.

لكن أسامة لا يتحرك. الكاميرا تدور ببطء حول المكتب، لتُظهر أن يده متدلية، وعيناه مفتوحتان على لا شيء.

المسؤول يتراجع، يفتح الحقيبة، يخرج منها "كيس بلح ناشف" ويبدأ في الأكل بتوتر.

المسؤول الكبير
(وهو يمضغ، يهمس)
ـ ما تموتش وانتَ زعلان مني.

صوت المروحة يتوقف فجأة.
يعلو صوت المارة من الخارج... ضحك، وبائع عرقسوس ينادي، وكأن شيئًا لم يحدث.

الكاميرا تنسحب ببطء خارج المكتب، من خلال الشباك.
من بعيد، يُرى مكتب أسامة من أعلى، صغيرًا، معتمًا... كقبر إداري.

قطع.

---

"3"
خارجي – الآخرة – صباح أبدي

السماء بيضاء، لا شمس ولا سحاب. مكان بلا جدران، فقط ضباب خفيف وأصوات ترانيم خافتة.
مكتب بلا سقف، يشبه مكتب أسامة القديم، لكن نظيف بشكل مريب.
أسامة جالس على كرسي مريح، أمامه فنجان قهوة لا يبرد أبدًا.
يدخل "المسؤول الكبير" مرتديًا جلابية بيضاء وكروكس.

المسؤول الكبير
(بابتسامة تصالحية)
ـ يا راجل... مش كفاية موت؟ لازم نكملها نكد هنا كمان؟

أسامة
(يرشف من القهوة، بدون نظر إليه)
ـ إنتَ جيت؟ حسبتك رايح جهنم express.

المسؤول الكبير
(بضيق خفيف)
ـ آه يعني أنا الوحش؟ وأنا اللي ضيّعت البلد؟ طب والرئيس، والوزير، والمستشار الإعلامي؟!

أسامة
(يشير للقائمة المعلقة في الهواء)
ـ كله هيتحاسب... بس إنت الأول، عشان كنت بتاكل بلح على جثتي.

المسؤول الكبير
ـ ما أنا اتوترت! قلت أسند السكر.

أسامة
(ينظر له نظرة حادة)
ـ إنتَ سَكرت البلد كلها، مش بس نفسك.

فجأة، يظهر "مَلَك مراجعة الملفات" – شاب نحيف، لابس نظارة، معاه تابلت.
الملك
ـ صباح التقييم الأبدي... في شكاوى جماعية ضدكوا من قسم "الضمائر المعطّلة".

المسؤول الكبير
(يحاول الضحك)
ـ دا كان شغلنا... إحنا موظفين يا مولانا.

الملك
(ينظر في التابلت)
ـ على سيرة "موظفين"... حضرتك أخدت بدل سفر وأنت ما سفرتش غير لبنزينة "شبرا منت".

أسامة
(ضاحكًا)
ـ قول له كمان عن بدل الاجتماعات اللي كانوا بيعملوها في الكافيه.

الملك
ـ دا مكتوب... وفيه فيديوهات.

المسؤول الكبير
(ينهار جالسًا)
ـ طب هو فيه استئناف؟

الملك
ـ فيه... بس هتستنى رقمك بعد شفيق وجمال ومحافظ مطروح.

أسامة
(ينهض، يمد يده للملك)
ـ فنجان قهوة تاني؟ الدنيا هنا أحلى... ما فيهاش مسؤولين كبار.

قطع.
عنوان نهائي يظهر:
"الموت لا يُنهي العبث، بل ينقله إلى مستوى إداري أعلى."

...

فلاش باك
داخلي – فصل دراسي – ثمانينات – نهار مشرق

فصل إعدادي، سبورة خضراء، شبابيك مفتوحة على حوش المدرسة.
أستاذ التاريخ يشرح بحماس عن "نكسة 67".
في الصف الأمامي: طفل نحيف، نظارته أكبر من وجهه، يدوّن كل كلمة — هذا "أسامة الصغير".
في آخر الفصل: طفل سمين، يرمي طيارات ورق صغيرة وهو يضحك — هذا "المسؤول الكبير".

أستاذ التاريخ
(بصوت غاضب)
ـ إنتَ! يا اللي في الآخر! تعالى ارسملي خريطة سيناء على السبورة.

الطفل السمين (المسؤول)
(يتقدم ببطء، يضحك مع أصحابه)
ـ حاضر يا مستر... بس أنا كنت شايف "سيناء" ماشية شمال قوي!

يرسم عشوائيًا، خط منحني، يكتب "سينا" مكان "المنيا"، ويضيف "تمساح" على الهامش.

أسامة الصغير
(يهمس لزميله)
ـ ده هيتعين مسؤول كبير لما نضيع خالص.

يضحك زميله، ثم يلتفتان لمشهد غريب:
الأستاذ يقف صامتًا، يراقب "الخريطة" في ذهول، ثم ينفجر ضاحكًا.
أستاذ التاريخ
ـ يا جماعة... إحنا محتاجين نعزل الفصل دا ونبعت الخريطة للأمم المتحدة!

قطع سريع – مونتاج صامت:
لقطات من دفاتر المدرسة، طابور الصباح، حصة موسيقى، وجوه الطلبة... يتلاشى الزمن ببطء.

عودة للمشهد في الآخرة
المسؤول الكبير ينظر لأسامة.

المسؤول الكبير
ـ فاكر لما قلت هتكون كاتب عظيم؟
ـ أنا ضحكت ساعتها... بس واضح إنك كتبت النهاية فعلاً.

أسامة
(نصف ابتسامة)
ـ بس إنت اللي ختِمتها بـ كيس بلح.

صمت لحظة.
ثم فجأة، صوت من بعيد في الآخرة:

"نرجو من الروح رقم 639 التوجه لقسم التقييم النهائي... ومعاها مفاتيح المكتب."

قطع.

---

فلاش باك
داخلي – وزارة مهجورة نسبيًا – أوائل الألفينات – صباح

المكان نضيف لكن راكد. موظفون بملامح باهتة، أوراق كثيرة، رائحة ورنيش رخيصة.
أسامة شاب في أوائل العشرينات، بدلة رمادية واسعة شوية، شنطة جلد جديدة، وعيونه فيها بريق بسيط.

يمشي وسط الممرات، يسأل:

أسامة
ـ عفوًا... مكتب شؤون الوثائق الإدارية فين؟

موظفة عجوز
(ترفع عينيها من كوب الشاي)
ـ امشِ على صوت المروحة... هتلاقي الباب اللي بيزن من نفسه.

أسامة
(يضحك بلطف)
ـ شكراً... ده وصف دقيق.

يصل لمكتبه لأول مرة
المكتب اللي شوفناه في المشاهد السابقة، بس لسه نضيف.
يدخل، يفتح الشباك، يلمس المروحة، يشغلها... تبدأ تدور بتردد.
يقعد على الكرسي، ينفخ نفس طويل، يفتح دفتر صغير ويكتب:

أسامة (كتابة صوتية)
ـ "اليوم الأول: شعور غريب... بين الفرصة والخوف. مش عارف إذا كنت بدأت الطريق... ولا دخلت المتاهة."

صوت في الخلفية
ـ يابني! يابني! انتَ الجديد؟ تعالى صب معانا شاي، وبعدين هنعرفك النظام.

يدخل عليه شاب متين، في أواخر العشرينات — هو "المسؤول الكبير" زمان، قبل الترقية، قبل الحقيبة.

المسؤول (في شبابه)
ـ أنا سمير... سكرتير المدير العام، واللي مش بيحبني بيتنقل أسوان.

أسامة
(يبتسم بحذر)
ـ تشرفت... أنا أسامة، متعين جديد.

سمير
ـ حلو... اسمع الكلام، وكل حاجة هتمشي زي الزيت.
(ثم يغمز)
ـ بس الزيت عندنا بيحب الحنفية المفتوحة دايمًا!

ضحكة باردة، وصوت مروحة يعلو شويّة... كأنها بدأت تئن من أول يوم.

الكاميرا ترتفع فوق المكتب... الوقت يتسارع، الملفات تتراكم، الإضاءة تخفت، صورة عبد الناصر تظهر فجأة على الحائط...

عودة للآخرة
أسامة ينظر في الفراغ.

أسامة
ـ كان ممكن أخرج بدري... بس فضلت أدوّر على معنى.

المسؤول الكبير
(يهمس وكأنه بيتأسف)
ـ وأنا كنت بدوّر على منصب.

أسامة
ـ الاتنين ضاعوا.

قطع.

---
الشهداء
٩ إبريل ٢٠٢٥



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برهامي والميثاق المقدّس: فتوى على مقاس الاحتلال
- كنافة على الهامش: عبث الواقع وسخرية الحلم – قراءة نقدية في ض ...
- من رجال الدين إلى دين الرجال: كيف تحوّل النص المقدّس إلى أدا ...
- لماذا صدمتنا صفحة شيخ الأزهر ببيان رثاء الحويني؟
- مأساة العصافير: قراءة اجتماعية ماركسية في بنية القمع الرمزي
- الميليشيا بديل الدولة: من الحلم الإسلامي إلى الوكالة الاستخب ...
- مسلسل -معاوية-
- حارس الكلمة الأخير
- -مرارًا وتكرارًا- جسور التجريبية والتراث بشعر خالد السنديوني ...
- الوجود والعدم عند مصطفى أبو حسين، قصة -ابن الجزمة- نموذجا.
- تحقيق الشفا للقاضي عياض: بين السخرية العلمية وتزوير التراث
- لينين الزعيم الإنساني الديمقراطي
- نوستالجيا ليالي الحلمية، وزينهم السماحي.
- اسمي نجيب سرور ٧
- صعود
- حلم
- -اسمي نجيب سرور--٤
- اسمي نجيب سرور -1-
- -نعي الأحلام المجهضة-
- -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - الموظف الأخير