أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نهاد الزركاني - حين تتحول المعرفة إلى فتنة: قراءة فلسفية في عمى القلوب














المزيد.....

حين تتحول المعرفة إلى فتنة: قراءة فلسفية في عمى القلوب


نهاد الزركاني

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 11:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


.حين تتحول المعرفة إلى فتنة: قراءة فلسفية في عمى القلوب
قراءة قرآنية فلسفية في العلاقة بين المعرفة، الوعي، والفتنة في واقعنا المعاصر
بقلم: نهاد الزركاني
قبل الدخول في النص، لا بد من توضيح منهجي ضروري:
هذه الكتابة ليست تفسيرًا قرآنيًا، ولا تدّعي ذلك، فنحن لسنا في مقام التفسير ولا نزاحم أهله. ما نقدّمه هنا ليس إلا قراءة تأملية فلسفية لآية قرآنية، تنطلق من فهم إنساني متواضع، قابل للخطأ والصواب، ومحكوم بسياقنا وقلقنا وأسئلتنا المعاصرة.
كما أن هذه القراءة لا تنطلق من فراغ ذهني، بل من تشخيص واقع يفرض نفسه بإلحاح؛ واقع تتكدس فيه المعارف، وتضمحل فيه القدرة على الوعي، وتتحول فيه الحقيقة من عبء أخلاقي إلى مادة للاستهلاك الخطابي.
في هذا السياق تأتي الآية:
((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))
لا بوصفها موضوعًا للتفسير، بل بوصفها سؤالًا مفتوحًا عن طبيعة الإدراك الإنساني.
الآية تنفي العمى الحسي، وتعيد توجيه الأزمة إلى موضع أعمق: القلب. والقلب هنا (بحسب لغة القرآن لا لغة الشائع ) ليس وعاءً للعاطفة، بل مركزًا للوعي والموقف. فالمشكلة ليست في أن الإنسان لا يرى، بل في أنه يرى ثم ينسحب من تبعات ما يرى.
وهنا يبرز الفرق الجوهري بين المعرفة والوعي. فالمعرفة قد تكون مجرد امتلاك معلومات، أو قدرة على التحليل، أو حفظ للنصوص. أما الوعي، فهو الاستعداد لتحمّل نتائج المعرفة، والجرأة على اتخاذ موقف أخلاقي منها. ولهذا يمكن للإنسان أن يعرف كثيرًا، ويظل [ قرآنيًا ] أعمى.
لماذا لم يقل النص: ((تعمى العقول))؟
لأن العقل قادر على التكيّف، وعلى إنتاج مبررات ذكية للهرب من الحقيقة، بينما القلب هو موضع الانحياز: إمّا أن يواجه، أو أن يبرّر، أو أن يصمت. العمى، بهذا المعنى، ليس نقصًا معرفيًا، بل خيارًا وجوديًا يتراكم.
ومن هنا يصبح الواقع المعاصر عنصرًا ضاغطًا في هذه القراءة. فنحن نعيش زمنًا يفيض بالخطاب الديني والثقافي، وبالدعاوى المعرفية، وبالمنابر والمنصات، ومع ذلك تتسع الهوة بين ما يُقال وما يُفعل، وبين ما يُعرف وما يُعاش. هذا التناقض هو الذي يدفعنا للتركيز على مفهوم الوعي، لا بوصفه ترفًا فكريًا، بل بوصفه حاجة أخلاقية ملحّة.
الأخطر من الجهل، في هذا السياق، هو ما يمكن تسميته
((تفاهة المعرفة))
معرفة بلا بوصلة، بلا مسؤولية، بلا همّ جمعي. معرفة تُستخدم لشق الصف، وتفكيك المجتمع، وتبرير الانقسام، وتغذية الصراع، تحت عناوين براقة. أصحاب هذا النمط قد يمتلكون اللغة، والمعلومة، والمنصة، لكنهم يفتقدون الوعي الذي يجعل المعرفة عنصر بناء لا أداة ارتزاق.
في هذا الإطار، لا يمكن فصل تفاهة المعرفة عن صناعة الفتنة. فالتاريخ والواقع معًا يثبتان أن الفتن الكبرى لم تُشعلها الجماهير الجاهلة بقدر ما غذّاها أشباه العارفين أولئك الذين يمتلكون من المعرفة ما يكفي لإقناع الناس، ويفتقدون من الوعي ما يكفي لردع أنفسهم. هؤلاء لا يخطئون لأنهم لا يعلمون، بل لأنهم يعلمون ويختارون توظيف العلم في غير موضعه، فيحوّلونه إلى أداة شقّ لا جسر جمع، وإلى وقود انقسام لا وعي نقدي.
تفاهة المعرفة لا تعني سطحيّتها، بل انفصالها عن المسؤولية. هي معرفة بلا ضمير، وبلا إحساس بعواقب الكلمة، وبلا خوف على المجتمع. ومن هنا تصبح بعض الخطابات ( مهما بدت عقلانية أو متماسكة لغويًا ) جزءًا من معمل الفتنة، لأنها تُقدَّم بوصفها ((وعيًا))بينما هي في حقيقتها انسحاب أخلاقي مغطّى بلغة فكرية.
الفتنة لا تحتاج دائمًا إلى كذب صريح؛ يكفيها نصف حقيقة، أو قراءة مبتورة، أو معرفة تُنزَع من سياقها، وتُلقى في ساحة مشحونة. وهنا تتجلّى خطورة العمى القلبي الذي تحدّثت عنه الآية: عمى لا يمنع صاحبه من الكلام، بل يمنحه جرأة مضلِّلة، ويجعله واثقًا وهو يقود الآخرين نحو الانقسام.
لا يحاسب القرآن الإنسان على مقدار ما يمتلك من معلومات، بل على موقفه مما أدركه. العمى، في هذا المنظور، ليس قدرًا مفروضًا، بل نتيجة تراكم تنازلات داخلية، حتى يغدو الحق ثقيلًا، والباطل مريحًا، والصمت حكمة.
من هنا، لا تكون أزمتنا أزمة تفسير، ولا أزمة نصوص، بل أزمة وعي. أزمة قلوب فقدت شجاعتها في زمن كثرت فيه الأصوات وقلّت المواقف.
وهذا ما يجعل السؤال القرآني حيًّا وملحًّا اليوم:
كيف نعرف كل هذا… ولا نعيه؟



#نهاد_الزركاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليست المشكلة في غياب التفسير… بل في حضور الغفلة
- ايام...بدون نت
- حريّة العقل في ... الاحداث العربية
- حياتنا نحن ............ من نصنعها
- يقال الموسيقى لغة الشعوب ؟..... نحن نختلف معهم !
- بهلول زماننا ............؟؟؟
- السياسة العثمانية..... وموقف سوريا
- التناقض السياسي ... لدى المجتمع العراقي
- نجاح المالكي.... قراءة نقدية
- الإسلاميون ...... ونتائج الانتخابات
- أحزاب أسلامية فاقدة للشرعية
- انتخب أو لا انتخب
- شاهد بلا أخلاق ......
- صنمية الفكر.....بجاهلية الحاضر
- العراقيات... الأعلام العربي... وعكس الصورة
- مشكلتنا هي في تربيتنا
- ايجابيات الفساد الإداري والمالي!!!


المزيد.....




- قصف إسرائيلي مستمر على غزة.. المنخفض الجوي يفاقم معاناة القط ...
- لقاء ترامب وزيلينسكي: تقدّم بطيء وأسئلة مفتوحة حول إنهاء الح ...
- نتنياهو في واشنطن.. هل سيحول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأنظار ...
- جيل زد 2025: العام الذي خرج فيه شباب العالم عن الصمت
- جلسته الأولى اليوم.. ما مسار انتخاب رئاسة البرلمان العراقي؟ ...
- الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير -القوى الخارجية- ...
- معارك 2025.. الجيش الروسي يسيطر على ميرنوغراد وغوليايبولي
- عضو البرلمان الأوكراني: السلام دون ضمانات أمنية لن يدوم
- تصعيد الساحل السوري بين الاحتجاج والتهديد الأمني
- -بطل- هجوم سيدني.. الأحمد يقول إنه أراد منع -قتل أبرياء-


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نهاد الزركاني - حين تتحول المعرفة إلى فتنة: قراءة فلسفية في عمى القلوب