نهاد الزركاني
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 15:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بقلم نهاد الزركاني
قراءة في منهج أهل البيت بين بناء الوعي وصناعة الإنسان
ليس كل سؤال طريقًا إلى المعرفة، فبعض الأسئلة مرايا، تعكس جهل صاحبها أكثر مما تكشف حقيقة الموضوع.
وحين يُطرح السؤال: لماذا لم يكتب الإمام المعصوم تفسيرًا كاملًا للقرآن؟ فإن هذا السؤال لا يفضح نقصًا في تراث أهل البيت، بقدر ما يكشف فراغًا في فهم منهجهم، وسطحية في قراءة همّهم الحقيقي.
فهذا السؤال، في جوهره، ينطلق من تصوّر ساذج للإمام، كأنه مؤلف يعيش في هامش التاريخ، أو عالم منعزل، بينما كان الإمام (( في الحقيقة )) يقف في قلب العاصفة، يصارع انحراف السلطة، وانكسار الوعي، وتحوّل الدين إلى أداة طاعة لا مشروع عدالة.
أهل البيت لم ينظروا إلى القرآن بوصفه نصًا يُشرح ثم يُغلق، بل باعتباره روحًا تُحيا، ومنهجًا يُمارَس، وميزانًا يُنزَل على الواقع.
ولهذا لم يكن همّهم أن يتركوا للأمة كتبًا بقدر ما سعوا إلى أن يتركوا لها عقولًا قادرة على الفهم.
الإمام الذي يُطالَب اليوم بتفسير مكتوب، كان منشغلًا بسؤال أكبر:
كيف أبني إنسانًا لا يقرأ القرآن بعينيه فقط، بل بضميره؟
كيف أزرع في المجتمع حسّ المسؤولية بدل ثقافة الاتكال؟
كيف أمنع أن يتحوّل النص المقدّس إلى غطاء للظلم؟
من هنا نفهم أن تفسير الإمام لم يكن حبرًا على ورق، بل كان:
موقفًا في وجه سلطان جائر
حكمًا عادلًا في قضاء منحرف
كلمة حق في زمن الصمت
وصبرًا واعيًا حين يكون الصبر أبلغ من الخطب
لقد كان الإمام تفسيرًا حيًّا، يتحرك في السوق، وفي ساحة الحكم، وفي محراب العبادة، لا فصل فيه بين الآية والحياة.
ثم إن من يتجاهل ظروف الأئمة السياسية، وحصارهم، وملاحقتهم، وسعي السلطة الدائم لتفريغهم من مضمونهم، لا يحق له أن يسألهم عن الكتب.
فالكتاب يمكن مصادرته، وتحريفه، وتوظيفه،
أما المنهج إذا سكن العقول، فلا يُصادر.
ولعل المفارقة المؤلمة أن الأمة التي تسأل اليوم: أين تفسير الإمام؟
هي نفسها التي لم تُحسن قراءة تفسيره حين كان يمشي بينها، ويتكلم بلغتها، ويعالج أمراضها.
المشكلة لم تكن يومًا في نقص الشرح، بل في غياب الوعي.
ولو كُتبت آلاف التفاسير، فلن تصنع أمة حيّة ما لم تُربَّ العقول على السؤال، والعدل، وتحمل المسؤولية.
لم يترك الإمام فراغًا في تفسير القرآن،
بل ترك امتحانًا في فهمه…
وما زلنا، إلى اليوم، نعيد طرح السؤال،
لأننا لم نجب عن الامتحان بعد.
#نهاد_الزركاني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟