محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 04:49
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس التطبيع نهاية الصراع، بل بدايته بصيغةٍ أخرى.
ليس سلاماً، بل فاتورة مفتوحة، مؤجَّلة الدفع، تُكتب الآن بالحبر السياسي، وستُجبى لاحقاً من دم الشعوب ولقمة الفقراء.
ما بعد التطبيع، لا تُرفع الأعلام البيضاء فقط، بل تُفتح دفاتر الحساب:
دفاتر تعويضات ومطالبات وحقوق مُفبركة تُقدَّم للعالم بوصفها «عدالة تاريخية».
اليوم، تُتداول في الكواليس السياسية أرقامٌ مخيفة:
تونس يُقال إنها قد تُطالب بما يزيد على 75 مليار دولار تحت عنوان «تعويض اليهود الذين غادروا البلاد» في سنوات 1947 و1967 وفي فترات متفرقة.
وليـبيا، وفق الطرح نفسه، قد تواجه مطالبات تتجاوز 120 مليار دولار.
وليست المسألة مالية فقط؛
فالحديث لا يقتصر على تعويضات نقدية، بل يمتد إلى أملاك وأراضٍ وبيوت وممتلكات…
ملف يُعاد فتحه بعد عقود، لا بوصفه ذاكرة، بل كسلاح.
يروج الاحتلال، ومن خلفه منظومات غربية، لفكرة خطيرة:
«كما دفعت ألمانيا وما زالت تدفع، فعلى العرب بعد التطبيع أن يدفعوا».
تشبيهٌ مقصود، وخلطٌ متعمد بين الجلاد والضحية،
وإعادة صياغة للتاريخ بحيث يصبح العربي مُتَّهَماً، والمحتل ضحية.
الأخطر أن التطبيع لا يُغلق هذا الباب… بل يشرّعه.
فالاعتراف السياسي يفتح الطريق أمام الاعتراف القانوني،
والاعتراف القانوني يُنتج مطالبات دولية،
والمطالبات تتحول إلى التزامات،
والالتزامات تُسدَّد من خزائن دول منهكة أصلاً.
السؤال الذي لا يُطرح في غرف التفاوض:
من سيحمي الشعوب من هذه الفاتورة؟
من سيدافع عن أجيال لم تُهجّر أحداً ولم ترتكب جريمة، لكنها ستُطالب بالدفع؟
ما بعد التطبيع لن يكون زمن سلام،
بل زمن محاكم وملفات وضغوط اقتصادية وابتزاز سياسي طويل الأمد.
زمن يُعاد فيه كتابة التاريخ، لا لصالح الحقيقة، بل لصالح الأقوى.
وإن كان اليوم الحديث عن تونس وليبيا،
فالغد قد يشمل جميع الدول العربية من دون استثناء.
ما بعد التطبيع…
ليس أخطر لأنه قادم،
بل لأنه قادم بصمت.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟