أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - العرب بمنظور غوستاف لوبون














المزيد.....

العرب بمنظور غوستاف لوبون


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قرأت لهذا المفكر الفرنسي الشهير ثلاثة مؤلفات، أولها "سيكولوجية الجماهير"، وثانيها "سِر تطور الأمم"، وختمت بثالثها قراءاتي للعام الذي يتهيأ للرحيل، وعنوانه "حضارة العرب". أشك بأنني سأقرأ لكاتب أجنبي عُشر معشار ما سطره يراع هذا الرجل من إعجاب بالحضارة العربية، وإضاءات شاملة على ابداعات العرب وانجازاتهم في شتى الحقول والميادين. وقد خصص لذلك كتابه الثالث المومأ إليه قبل قليل، ويقع في 667 صفحة سرَّني قراءتها بحرفها وحذافيرها. وقد ختم الكتاب بفِقرةٍ تُلخِّص محتوياته، أما الفصل الأخير فقد اختار له عنوان "أسباب عَظَمَة العرب وانحطاطهم". يقول لوبون في الفِقرة الخاتمة: "إن الأمم التي فاقت العرب تمدُّنًا قليلة إلى الغاية، وإننا لا نذكر أمة، كالعرب، حققت من المبتكرات العظيمة في وقت قصير مثل ما حققوا، وإن العرب أقاموا دينًا من أقوى الأديان التي سادت العالم، أقاموا دينًا لا يزال تأثيره أشد حيويةً مما لأي دين آخر، وإنهم أنشأوا، من الناحية السياسية، دولةً من أعظم الدول التي عرفها التاريخ، وإنهم مَدَّنوا أوروبا ثقافة وأخلاقًا، فالعروق التي سَمَت سمو العرب وهبطت هبوطهم نادرةٌ، ولم يظهر كالعرب، عرق يصلح أن يكون مثالًا بارزًا لتأثير العوامل التي تُهيمن على قيام الدول وعظمتها وانحطاطها".
العرب، كما يقول لوبون، عنوان أمم الشرق. أقاموا حضارة عريقة، ولما خرج هؤلاء القوم من صحارى جزيرة العرب صرعوا الفرسَ واليونان والرومان، وأقاموا دولة عظيمة امتد سلطانها من الهند إلى اسبانيا، وأبدعوا تلك الآثار التي هي آية في الإعجاز والتي تُورِث بقاياها العجب العجاب.
ويلفت النظر مقارنته بين العرب واليهود، إذ يبدأها بالإشارة إلى القرابة بينهما، ويستدل على ذلك بالتشابه بين لغتيهما. ولا يلبث أن يستدرك، فيقول:" لكن الشَّبَه قليل بين العربي أيام حضارته واليهودي، الذي عُرِفَ منذ قرون بالنفاق والجُبنِ والبُخلِ والطَّمَعِ. وأن من الإهانة أن يُقاس العربي باليهودي، ولكن لا تنسَ أن طُرُق الحياة الخاصة التي خضع اليهود لحكمها، منذ قرون كثيرة، هي التي أنشأت منهم عِرقًا ذليلًا غير محترم. وعندي أن كل أمة عُرضة لمثل ما أصاب اليهود، ولا تعرف عملًا لها غير التجارة والرِّبا، وتُحتقرُ في كل مكان، وتنتقل إليها تلك الغرائز المنحطة بالوراثة المتتابعة مدة عشرين قرنًا، وتتأصل فيها، تصير كما صار إليه اليهود لا محالة".
إن ازدهار حضارة العرب، التي نسيها الناس في الوقت الحاضر (الكتاب صدر عام 1884)، إنما تؤكد أنهم ظهروا على مسرح التاريخ قبل الرومان بقرون كثيرة، وأنشأوا المدن العظيمة، وكانت علاقاتهم بأرقى شعوب الأرض وثيقة.
يسرد مؤلف كتاب "حضارة العرب" تفاصيل تستغرق صفحات كثيرة عن لغة الضاد والفلسفة والآداب العربية. ويفيض في تناول ابداعات العرب في العلوم، مثل الرياضيات والكيمياء والفلك والفيزياء والجغرافيا، ناهيك بالعلوم الطبية. ويتوقف مليًّا عند الفنون العربية، ويولي أهمية خاصة لفن العمارة العربي سواء في بلاد العرب أو البلدان التي امتدت إليها حضارتنا، مثل اسبانيا والهند والصين وأجزاء واسعة من آسيا وافريقيا وبعض أوروبا.
ويختتم لوبون مؤلَّفه بأسباب تقهقر العرب حضاريًّا بدءًا من القرن الثاني عشر الميلادي بالتزامن مع غزوات المغول والفِرِنْجَة.
وبشأن أسباب هذا التقهقر، يرى لوبون أولها في ميل العرب المتأصل إلى الإنقسام. يقول بهذا الخصوص:"غرائز العرب في الحرب والخِصام، التي كانت نافعة في فتوحهم، لم تلبث أن أصبحت ضارة بعد انقضائها وخلو الميدان من أعداء يحاربونهم، وذلك أن العرب، بعد أن تمت فتوحهم، أخذ ميلهم المتأصل إلى الإنقسام يبدو، وصارت دولتهم تتجزأ حتى سقطت، كما حدث لهم في اسبانيا وصقلية اللتين أضاعوهما بفعل انقساماتهم الداخلية".
السبب الثاني في انحطاط العرب، بحسب لوبون وهو مُحِقٌّ أيضًا، عجزهم عن تجديد الاسلام ليواكب المتغيرات التي طرأت على واقع العرب أنفسهم، خاصة بعد تمددهم واخضاعهم أُممًا عدة مختلفة عنهم. يقول لوبون: "لم يقدر العرب على فتح العالم إلا حينما خضعوا للشريعة الإسلامية، التي جمعت كلمتهم المتفرقة تحت لوائها...وقد بقي نير هذه الشريعة طيبًا ما بقيت نُظمها ملائمة لاحتياجاتهم كأمة. فلما أصبح تعديل هذه النُّظُم ضربة لازب، بسبب مبتكرات حضارة العرب، كان نير التقاليد من الثِّقَلِ بحيث لا يمكن زحزحته".
ويعزو لوبون أيضًا تقهقر العرب إلى ما يسميه "اختلاط العروق التي خضعت لسلطانهم". ويتجلى تأثير ذلك، بحسبه على وجهين مختلفين مشؤومين: الأول، ما أسفر عن تقابل مختلف العروق من التحاكِّ، وما يجر إليه هذا التحاكّ من تنافسها. والثاني، ما أسفر عنه التوالد الكثير من فساد دم الغالبين بسرعة". وفي تفسير ذلك يقول:"كان اختلاط الأمم في دولة واحدة قوية عامل انحلال قوي دائمًا. وقد أثبت التاريخ أنه لا يمكن بقاء مختلف العروق تحت سلطان واحد إلا بمراعاة شرطين، هما: أن يكون الفاتح من القوة ما يعلم كل واحد معه أن كل مقاومة له لا تُجدي نفعًا. وألا يتوالد الغالب والمغلوب، ومن ثم ألا يفنى الغالب فيه. لم يراعِ العربُ الشرطَ الثاني قط". ويضيف: "ألَّف العرب مع المغلوبين لهم في بدءِ الأمر أمة ذات معتقدات ومشاعر ومصالح واحدة. وساد الوِفاق في نواحي الدولة العربية جميعها ما ظل العرب أقوياء محترمين في كل مكان. وكانت منافسات الشعوب التي غلبها العرب خامدة غير هامدة، لكنها بدت حينما عاد العرب إلى ما تعودوه من الشِّقاق والانقسام، وصارت بلادهم ميدان خِصام دائم".
مقول القول، بدأ تقهقرنا الحضاري في القرن الثاني عشر، متزامنًا مع غزوات المغول والفِرِنجة. ونضيف إلى ذلك ما لا يقل أثرًا وخطورة، ونعني تراجع دور العقل وبدايات تصادم الفكر مع الدين وأفول نجم الفلسفة والفلاسفة.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتآمرون الحقيقيون ضد العرب
- ظام مأزوم ولىس رئيسًا مهووسًا بالحروب!
- مداخلة بحثية في كتابنا (الإنسان والدين)
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (11) والأخيرة خلاصات
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (10) صدام مسلح مع الإنجل ...
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (9) برنامج الثورة وانطلا ...
- لعبة الأمم (4) عهد جديد في مصر وقيادة مختلفة
- لعبة الأمم (3) دروس وعِبر لمن يريد أن يقرأ ويفهم ما يقرأ ويت ...
- لعبة الأمم (2) انقلاب حسني الزعيم من اعدادنا وتخطيطنا !
- لعبة الأمم (1) لا مجال للأخلاق في السياسات الخارجية الأميركي ...
- منطقتنا لن تقبل الكيان اللقيط يا سيادة المستشار
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (8) أسباب الثورة
- مصر العربية أم الفرعونية؟! (3) وأخيرة
- الفلسفة في مواجهة التطرف
- مصر العربية أم الفرعونية؟!(2)
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (7) احتقانات واجتماعات و ...
- مصر العربية أم الفرعونية؟! (1 )
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (6) ارهاصات سبقت الثورة
- لماذا يندفع البرتقالي لوقف الحرب في أوكرانيا !
- وليس بعد الفَسْحَلَة غير الاستباحة !


المزيد.....




- عمود روماني قديم يخضع لعملية ترميم عالية التقنية باستخدام با ...
- 6174: الرقم اللغز الذي حير علماء الرياضيات منذ عام 1949
- لماذا نستيقظ في الليل.. علماء يكشفون سر الأرق
- بورما تجري أول انتخابات عامة منذ الانقلاب العسكري  عام 2021 ...
- كاميرا الجزيرة تنقل معاناة أهل غزة بعد دخول منخفض جوي جديد
- نتنياهو يضع ترامب أمام ثلاثة خيارات
- نيوزويك: تصريحات تاكر كارلسون عن -التطرف الإسلامي- تشعل انقس ...
- حكيمي يلفت الأنظار بتوجيهاته لزملائه بدلا من المدرب في مبارا ...
- بالأرقام والمعلومات.. حصاد عام 2025 بالضفة الغربية
- حماس والجهاد للجزيرة نت: نُرحب بكل ما يُلزم إسرائيل للانتقال ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - العرب بمنظور غوستاف لوبون