|
|
كريستيانو رونالدو : تحفة كروية أنجبتها البرتغال 🇵🇹 وأغلقت الأبواب على من جاء بعده …
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ أرى أن الفارق بين حجم الفساد داخل مؤسسة الفيفا وبين ممارسات الأنظمة السياسية في دول العالم الثالث يكاد يكون معدوماً ، فالمتابع لإدارات رؤساء الفيفا يلحظ بوضوح حجم الانحياز في القضايا الرياضية الكبرى ، إضافة إلى ما يبدو كأنه فوضى ممنهجة تُدار بعناية خلف الكواليس ، هذه الممارسات لا يمكن تفسيرها إلا في إطار غياب الشفافية وتغلغل المصالح الضيقة في صلب المؤسسة ، حيث تحولت القيادة للفيفا إلى نموذج صارخ للتضليل المنظم ، واستغلال الجماهير لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة ، دون أي رؤية إصلاحية حقيقية أو التزام أخلاقي يُذكر .
وفي السياق ذاته ، تثير القرارات المتعسفة التىّ تُتخذ بحق النجم كريستيانو رونالدو تساؤلات عميقة حول مصداقية الأنظمة الداخلية للفيفا ، خاصة في ظل صمت معظم الأطراف وعدم وجود من يجرؤ على المطالبة بمراجعتها أو الدفاع عن عدالتها ، هذا الواقع يكشف عن ثقافة مؤسسية باتت تضع المصالح الفردية فوق مبادئ النزاهة والعدالة الرياضية ، ويؤكد الإجراء الأخير بحق «الدون» أن كريستيانو بات يدرك تماماً أن إنصافه لا يأتي من المؤسسة بقدر ما يأتي من جماهيره المنتشرة في كل أنحاء العالم ، تلك الجماهير القادرة على قلب الموازين الدولية متى ما تعلق الأمر بحقوقه المشروعة …
لم يعد خفياً على المتابعين أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يعيش أزمة أخلاقية عميقة ، تجلّت أخيراً في تغييب صورة كريستيانو رونالدو عن المواد الترويجية لكأس العالم القادم ، على الرغم من أنّه أحد أبرز رموز اللعبة وأفضلهم في تاريخها الحديث ، غير أنّ هذا التجاهل ليس حادثة معزولة ، بل هو امتداد لصراع طويل ومكتوم بين الفيفا وأحد أعظم لاعبي العصر ، أعترف بأنني ، عبر القراءة والمعايشة المباشرة ، تعرّفت على ثلاث شخصيات يمكن القول إنها أغلقت الأبواب خلفها بإحكام : الإمام أبو حامد الغزالي الذي أسهم في إغلاق باب الفلسفة العقلانية في الثقافة العربية ، والفنانة التونسية أمينة فاخت التىّ عرفتها لأعوام عن قرب ، لم ينجح أحد بعدُ في الاقتراب من عبقريتها في أداء أغنية السيد مكاوي «ما تفوتنيش أنا وحدي» ، وأخيراً كريستيانو رونالدو ، الذي أعاد تعريف مفهوم النجم الرياضي إلى درجة يصعب معها تكرار تجربته ، رغم بلوغه العقد الرابع من عمره ، ما يزال رونالدو يتمتع بقدرات بدنية وذهنية تضاهي قدرات اللاعبين في مقتبل العمر ، إلا أن الشرارة الحقيقية للخلاف مع الفيفا اندلعت عام 2013 عندما قاد منتخب البرتغال إلى مونديال البرازيل بعد تسجيله ثلاثية تاريخية في شباك السويد ، في إنجاز كان من المفترض أن يُحتفى به عالمياً ، غير أنّ المؤسسة تعاملت معه ببرود لافت ، وتكرّر المشهد بعد هدفه الخرافي في مرمى يوفنتوس بدوري أبطال أوروبا ، وهو هدف دخل الذاكرة الكروية كأحد أجمل أهداف القرن .
بلغ التوتر ذروته عندما سخر رئيس الفيفا الأسبق جوزيف بلاتر علناً من رونالدو على المسرح ، في مشهد لم يكن مجرد تصرّف فردي ، بل كشف عن عقلية مؤسسية ترى في اللاعب الحرّ والمستقل خطراً على منظومة المصالح التىّ تحكم كرة القدم العالمية ، فشخصية رونالدو المتمرّدة لا تنسجم مع نموذج «النجم المُروَّض» الذي تسعى الفيفا إلى تصديره ، على غرار ما وجدته في نماذج أخرى أكثر قابلية للتوظيف الإعلامي والسياسي ، وإدراكاً منه لطبيعة هذه اللعبة ، لم يكتفِ رونالدو بتكديس الألقاب ، بل شيد لنفسه إمبراطورية اقتصادية متكاملة ، من العلامات التجارية إلى الفنادق وسلاسل الأندية الرياضية والاستثمارات العابرة للقارات ، وهكذا تحوّل من لاعب ينتظر اعتراف المؤسسة إلى مؤسسة قائمة بذاتها ، لا يُقاس حضوره إلا بالأرقام القياسية والإنجازات الملموسة .
وفي المحصلة ، لا يمكن فهم فتور العلاقة بين الفيفا ورونالدو بمعزل عن التاريخ الطويل للفضائح والفساد داخل هذه المنظمة ، فمحاولات تطهير المؤسسة من الشخصيات المستقلة ، والتىّ واجهها قبله دييغو مارادونا ، تفسّر جانباً كبيراً من تراجع ثقة الجماهير باتحاد يُفترض أنه حارس اللعبة ، فإذا به يتحول إلى كيان يفتح أبوابه للانتهازيين ويغلقها في وجه الأساطير …
لم تعد كرة القدم تقتصر على كونها نشاطًا رياضيًا أو وسيلة للترفيه الجماهيري ، بل أصبحت مجالًا ثقافيًا عامًا تتجسد فيه المواقف الوطنية والقومية والإنسانية ، وتُعبَّر من خلاله القضايا السياسية والاجتماعية ، ويتجلى هذا الدور بوضوح في سلوك الجماهير الجزائرية والمغربية والإسبانية داخل الملاعب ، حيث تتحول الهتافات والأناشيد إلى رسائل رمزية تعبّر عن الغضب الشعبي والاستياء من الأوضاع الراهنة ، ممزوجة بحب عميق للعبة نفسها ، لا سيما عندما تتصل هذه المشاعر بمواقف إنسانية تتضامن مع المظلومين في العالم ،" مرجع : بن نبي ، مالك - مشكلات الحضارة : دور الثقافة في المجتمع - دار الفكر، دمشق ، 1993م "، 👈 وفي سياق الجرائم الجماعية المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة ، برزت الملاعب الجزائرية كمنصات جماهيرية تنطق باسم الشارع العربي ، حيث صدحت المدرجات بهتافات تدعو إلى مناصرة الشعب الفلسطيني ومواجهة الاحتلال ، في مشهد يعكس عمق الوعي السياسي لدى الجماهير ، ويؤكد أن الفضاء الرياضي بات امتدادًا للنضال الشعبي ، ووسيلة سلمية للتعبير عن الرفض القاطع للظلم والاستعمار ،" مرجع : درويش ، محمود - في حضرة الغياب - دار رياض الريس ، بيروت ، 2006م "، ✍ ولم تقتصر هذه التعبيرات على القضايا الخارجية ، بل شملت أيضًا نقد الأوضاع الداخلية من فساد وفقر وتهميش وبيروقراطية ، حيث جسدت الهتافات رفض الجماهير للسياسات الحكومية التىّ أسهمت في تدهور الظروف المعيشية ، ونددت بغياب العدالة الاجتماعية ، مؤكدة على حق المواطن في الحرية والكرامة والعيش الكريم داخل وطنه ، وتكشف هذه الممارسات عن نمط جديد من المقاومة المدنية يوظّف الخطاب الجماهيري والفن الشعبي داخل الملاعب كأداة للتغيير الاجتماعي ،" مرجع : الجابري ، محمد عابدً- الديمقراطية وحقوق الإنسان-مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 2004م".
وتدل هذه التحولات على أن كرة القدم تحولت إلى ظاهرة ثقافية جامعة تتجاوز حدود الرياضة ، لتغدو مرآة للوعي الجمعي العربي ، ومنبرًا لتجسيد هموم الشعوب وتطلعاتها ، بما يجعل الملاعب ساحات مؤثرة في تشكيل الرأي العام ، ومسرحًا يعكس التحولات الاجتماعية والسياسية في المجتمعات العربية المعاصرة ،"مرجع: المسدي ، عبد السلامً- الهوية واللغة في الوطن العربي - دار الطليعة ، بيروت، 2010م "…
آن الأوان لأن تعيد الفيفا النظر جذرياً في آلية اختيار قياداتها ، فتنتخب رئيساً ومجلساً يلتزمان بروح اللعبة وقيمها ، ويحترمان القانون والشفافية ، بدلاً من تكريس ممارسات تسيء إلى سمعة كرة القدم وتفقدها جوهرها النزيه ، فملاعب الكرة ليست ساحة مقامرة ، ولا يجوز أن تُدار أكبر مؤسسة رياضية في العالم بعقلية العبث والمصالح الضيقة ، فإن الاستهداف المستمر للاعبين الكبار ، وعلى رأسهم الأسطورة كريستيانو رونالدو ، يعكس أزمة أعمق من مجرد قرارات إدارية ؛ إنها معركة على السردية والصورة الذهنية ، يُراد من خلالها تشويه من يفترض أن يكون تركيزه منصبّاً فقط على الإبداع داخل الملعب وتحقيق الانتصارات لجماهيره .
لقد أثبتت التجربة أن الشعوب تنحاز دائماً إلى الموهبة الصادقة والضمير الحي ، وأن الجماهير لا تتعلق إلا بمن يمنحها الفرح والأمل ، أما أولئك الذين يعبثون بصورة الرموز الرياضية ، ويسيئون إلى مصداقية المؤسسات الدولية ، فإن الرأي العام العالمي لم يعد يقبل باستمرارهم ، بل يطالب بمحاسبتهم وإقصائهم لإفساح المجال أمام قيادات رشيدة تعيد لكرة القدم هيبتها ومكانتها .
إن إصلاح الفيفا اليوم ليس مطلباً نخبوياً ، بل ضرورة أخلاقية وتاريخية ، تفرضها مسؤوليتها تجاه الملايين من عشاق اللعبة حول العالم ، الذين يستحقون إدارة عادلة تحمي أحلامهم وتكرّم نجومهم بدل أن تحاربهم … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الوهم والصدمة : ظنَّ الإسرائيليون أنهم يفرضون واقعًا جدي
...
-
رحلة الإنسان التقنية 🛜 : من الحجر والورق إلى العالم
...
-
حافي القدمين : عندما يُختزل الوطن في حذاء ، ويبقى الإنسان ره
...
-
جيبٌ هنا وآخرُ هناك… وقناةٌ بديلة: أُطابّق الحصار على مصر
...
-
التحذير الأخير للرئيس ابي احمد في أديس أبابا 🇪Ӻ
...
-
الصعود الآسيوي يعيد تشكيل موازين القوى💪… وواشنطن
...
-
الأنين الوطني : مقاربة تحليلية في بنية الاختلالات وإمكانات ا
...
-
سوريا بعد التحرّر وفرح السوريين : مقاربة أكاديمية لمسار بناء
...
-
صناعة الأمم : قراءة📕في التاريخ لتجنّب الوقوع في إخفا
...
-
بين عرسٍ تعانقت فيه الفرحةُ🎈من كل صوب،ودمعةِ فخرٍ ان
...
-
عبد الودود على الحدود : اللجوء العربي الفلسطيني 🇵
...
-
سوريا تركيا 🇹🇷 وإسرائيل : مقاربة تحليلية لمع
...
-
التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني - حادثة واشنطن ..
-
منطقة غنية بمواردها وحضارتها📚…صراع محموم على قيادة ا
...
-
غزة - اتفاقٍ على طريقة نتنياهو…قراءة في وهم الهدنة وواقع الم
...
-
بين تريليون ابن سلمان 🇸🇦 للأمريكيين 🇺
...
-
سباق النفوذ في القرن الأفريقي والبحر الأحمر : أنظمة إقليمية
...
-
سياحة القنص لأثرياء أوروبا…القانونيون الإيطاليون يلاحقون مجر
...
-
على السريع - 🏛 العراق 🇮🇶 بين ديمقراط
...
-
تأثير💪القواعد العسكرية في إعادة تشكيل ميزان علاقات د
...
المزيد.....
-
ساهم بالعديد من الاكتشافات.. عالم الآثار الجنائية هذا في مهم
...
-
فيديو متداول لـ-تحطيم عناصر الأمن السوري شجرة عيد الميلاد-..
...
-
اليمن.. العليمي يعلق على استجابة السعودية لحماية المدنيين من
...
-
-2025 عامٌ مات فيه الغرب، والمقبل قد يكون أسوأ- - مقال في ال
...
-
غزة: غاراتٌ وقصفٌ مدفعي وأزمة وقود بالمستشفيات.. وترامب يحضر
...
-
-هل يعرف أحد ما هي؟-.. ترامب يرفض اتباع خطى إسرائيل في الاعت
...
-
زيلينسكي: الهجمات الروسية الأخيرة تؤكد رفض موسكو إنهاء الحرب
...
-
كأس أفريقيا تنعش أسواق الرباط وتحوّلها إلى فضاءات نابضة بالح
...
-
الملك تشارلز يثمن وحدة التنوع المجتمعي ببريطانيا
-
بالاو توافق على استقبال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح
...
/ علي طبله
-
الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد
...
/ علي طبله
-
الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل
...
/ علي طبله
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|