أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 12. تعاونيات الإنتاج الذاتي – بناء اقتصاد موازٍ خارج سيطرة الميليشيات














المزيد.....

12. تعاونيات الإنتاج الذاتي – بناء اقتصاد موازٍ خارج سيطرة الميليشيات


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 13:06
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تمثل تعاونيات الإنتاج النسوي في واقع الحرب السودانية فعلاً ثورياً لانتزاع أدوات البقاء من أنياب البرجوازية الميليشياوية وتجار الدم، محطمةً بذلك طوق التبعية الذي يفرضه اقتصاد الحرب والمنظمات الإغاثية النيوليبرالية. إنها ليست مبادرات إنسانية لترميم البؤس، بل استيلاء مادي مباشر على وسائل الإنتاج من قبل القوى المنتجة الحقيقية - النساء - في معاقل الجوع والحصار، لتحويل الجهد البشري من وقود مجاني لآلة الدمار إلى طاقة بناء اشتراكية. هذا التحول من العمل المنزلي غير المأجور إلى إنتاج جماعي تعاوني يمثل ضربة قاصمة لمنطق التراكم الرأسمالي المسلح، حيث يُسترد فائض القيمة المنهوب ويُعاد توجيهه لسد حاجات الطبقة المسحوقة، واضعاً حداً نهائياً لتحويل العمل النسوي إلى ذخيرة في خزائن أمراء الحرب.

تثبت التجارب الميدانية في مخيمات النزوح بدارفور وأحياء الخرطوم والجزيرة أن التعاونيات ليست مشاريع تقنية فحسب، بل مختبرات حقيقية للاشتراكية التطبيقية. ففي مخيم المناصير، تتناوب النساء على ري الحقول وزراعة الخضروات، بينما تجمع الأخريات الزيوت المستعملة لصناعة الصابون، في مشهد يومي يدمج العمل البدني بالوعي السياسي؛ كل خطوة في الحقل، وكل دحرجة قطعة صابون تحمل رسالة واضحة: لا للسيطرة الاقتصادية، لا للتجويع مقابل الولاء. في حي جبرة، تتعاون النساء لإنتاج الفحم النباتي وتوزيعه بأسعار رمزية، متحديات احتكار الميليشيات وحاصرات مسارها نحو الاحتكار الكامل للسلع الأساسية. لم تكن زراعة الأرض أو صناعة الصابون مجرد أنشطة تقنية، بل فعلاً سياسياً بامتياز يقطع الطريق أمام سياسة التجويع مقابل الولاء. تعتمد الميليشيات في بقائها على تحويل الغذاء والدواء إلى أدوات ضغط سياسي، وعبر خلق قنوات إنتاج وتوزيع بديلة، تنجح النساء في تجريد هذه القوى من أحد أهم أسلحتها. هذا الاقتصاد الموازي يهدم الهياكل الهرمية للملكية الفردية ويستبدلها بالملكية الجماعية، ما يحقق ما نادت به ألكسندرا كولونتاي: تحطيم قيود الأسرة البطريركية وتحويل المرأة من مستهلكة تابعة إلى منتجة مديرة في اقتصاد المقاومة.

يكمن التناقض الجدلي في أن الحرب التي أرادت تفتيت المجتمع وتحويله إلى وقود للمعارك خلقت دون قصد شروط الإمكان لبناء كوميونات إنتاجية مصغرة. هذه الخلايا تعمل وفق مبدأ ماركس الخالد: من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته، وليس وفق قانون العرض والطلب المشوه في زمن الحرب. عندما توزع محاصيل تعاونية زالنجي بأسعار رمزية أو مجانية للأسر الأكثر فقراً، تهاجم جوهر الرأسمالية المتوحشة التي تتغذى على المصائب. ممارسة الديمقراطية المباشرة في إدارة الموارد تبني الوعي الطبقي؛ المرأة التي تدير حسابات التعاونية وتواجه صلف الميليشيات في نقاط التفتيش لحماية محصولها تتحول إلى فاعل تاريخي لا ضحية، كما وصف غرامشي: التحول من الهيمنة إلى الاستقلال الثوري.

مواجهة التعاونيات مع اقتصاد النهب ليست سلمية بالضرورة، بل حرب مواقع اقتصادية؛ الميليشيات التي تفرض ضرائب الحرب ترى في الاستقلال الغذائي والدوائي النسوي تهديداً لاحتكار السلطة. ربط هذه التعاونيات بلجان المقاومة المحلية وشبكات التضامن في الشتات ليس دعماً لوجستياً فقط، بل تأمين سياسي لمشروع الدولة البديلة التي تنمو من أسفل. هذه النواة الاقتصادية هي الرد المادي على وعود السلام الزائفة، فالسلام الحقيقي يبدأ حين يمتلك الجياع القدرة على الإنتاج دون خوف. وكما يرى إرنست ماندل، فإن الأزمات الكبرى تكشف للجماهير أن الإدارة الذاتية ليست خيالاً يوتوبياً، بل السبيل للبقاء والتحرر.

تظل تعاونيات الإنتاج النسوي منارة ترشد إلى شكل الاقتصاد القادم؛ اقتصاد لا يقدس الربح ولا يبني القصور على جثث الفقراء، بل يعيد الاعتبار للإنسان والعمل الجماعي. البذور التي تُزرع في الحقول اليوم ستشكل الغطاء الأخضر لجمهورية العمل القادمة، حيث لا سيد ولا مسود، وتنتهي حقبة استغلال جسد المرأة وعملها لصالح آلة الدمار. هذه التعاونيات هي الرسالة الأقوى لأمراء الحرب: لقد استعدنا وسائل عيشنا، ولن نعود لبيوت الطاعة الاقتصادية مرة أخرى.

وكما كتبت روزا لوكسمبورغ: الحرية الاقتصادية هي أساس كل الحريات.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 11. الإضراب النسوي: الهجوم الطبقي على عصب اقتصاد الحرب الخفي
- 10. لجان المقاومة النسوية – إعادة بناء السياسة من داخل المعس ...
- 9. شبكات المقاومة اليومية – من المطابخ الجماعية إلى المجالس ...
- 8. الإعلام الدولي والصور النمطية – تحويل المعاناة إلى سلعة إ ...
- 7. الدين كأفيون جديد – توظيف الخطاب الديني لتبرير اقتصاد الح ...
- 6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب ...
- 5. ايديولوجيا النيوليبرالية والجسد: تبرير القمع البنيوي في س ...
- 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة ...
- 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي وال ...
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال


المزيد.....




- كالة -تاس-: الأمن الفيدرالي الروسي يحتجز امرأة كانت تخطط لهج ...
- الشرطة السويدية تقتل رجلاً وتجد جثة امرأة بعد استدعائها لمنز ...
- أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة
- شبكة أطباء السودان تتهم الدعم السريع باحتجاز 73 امرأة و29 طف ...
- نتصرف ازاي لو متخانقين؟
- الصحة حق لا امتياز: ورقة حقائق جديدة عن أوضاع النساء والصحة ...
- بلاغ ضد الداعية المزعوم عبد الله رشدي لتحريضه على الكراهية و ...
- فخر فلسطين: المعلمة مها أبو منشار ضمن أفضل 50 معلمًا/ة عالمي ...
- “غريتا ثونبرغ” حرة بعد اعتقالها فى مظاهرة داعمة لفلسطين
- مصر: ضرب فتاة وتجريدها من ملابسها بسبب الميراث


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 12. تعاونيات الإنتاج الذاتي – بناء اقتصاد موازٍ خارج سيطرة الميليشيات