أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 11. الإضراب النسوي: الهجوم الطبقي على عصب اقتصاد الحرب الخفي














المزيد.....

11. الإضراب النسوي: الهجوم الطبقي على عصب اقتصاد الحرب الخفي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 22:18
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يكتسب الإضراب النسوي أبعاداً تتجاوز المفهوم التقليدي للتوقف عن العمل المأجور، لينتقل إلى مربع الهجوم المباشر على ركائز اقتصاد الحرب الذي تقتات عليه البرجوازية الميليشياوية. إن هذا الفعل الثوري ليس مجرد احتجاج قيمي، بل هو ممارسة مادية تهدف إلى سحب الشرعية الاقتصادية عن نظام يبني تراكمه الرأسمالي عبر استنزاف القيمة الفائضة من أجساد النساء ووقتهن وعملهن غير المأجور في المنازل ومعسكرات النزوح. إن الحرب في جوهرها ليست صراعاً بين بنادق فحسب، بل هي آلية لاستخراج الربح من بؤس البروليتاريا والنساء الكادحات، حيث يصبح صمت الأواني الفارغة ورفض إعداد الطعام للمقاتلين سلاحاً طبقياً يضرب صميم "الشحم" الذي يشحم تروس آلة العنف، وهو العمل الرعائي المجاني الذي يفترض النظام استمراره كحق مكتسب لا يتزعزع.

تتجلى عبقرية التحليل الماركسي في فهم أن الرأسمالية الإمبريالية، كما وصفتها روزا لوكسمبورغ، تعيش على نمطين من الاستغلال: استغلال العمل المأجور في مراكز الإنتاج، واستغلال المحيط غير الرأسمالي والعمل المنزلي لإعادة إنتاج قوة العمل بأقل التكاليف. وفي الحالة السودانية، يتحول هذا الاستغلال إلى وقود مباشر للصراع المسلح، حيث تُجبر النساء في المجتمعات المحاصرة على أداء أدوار ثلاثية (إنتاجية، تناسلية، ورعائية) تشكل الأعمدة الخفية للاقتصاد الموازي الذي يمول الميليشيات. إن تحويل المنازل إلى ورش صيانة أو مخازن سلاح قسرياً، واستغلال شبكات الجيرة لتوزيع المنهوبات، يمثل قمة التوحش الرأسمالي الذي يستخرج "فائض القيمة" من المصيبة ذاتها، محولاً الأسرة والروابط الاجتماعية إلى آليات ضريبية عينية لتمويل أمراء الحرب الذين يبنون حساباتهم الربحية على فرضية أن هناك نساء سيقمن دوماً، وبالمجان، بترميم ما تدمره آلة الحرب من بشر وحجر.

إن فعل الرفض الذي تمارسه النساء السودانيات اليوم، من إضراب الصمت عن نقل المعلومات إلى إضراب الإنجاب ومقاومة ضغوط التكاثر لتعويض خسائر الميليشيات، يمثل "حرب مواقع" غرامشية في أعمق تجلياتها المجتمعية. عندما تقرر النساء في معسكرات النزوح، كما حدث في "كلمندو"، التوقف عن طهي الطعام للقوات المتحاربة، فإنهن ينتقلن من دور الضحية إلى دور الفاعل التاريخي الذي يعي موقعه الطبقي في عملية الإنتاج الحربي. هذا الإضراب النسوي الفقير يختلف عن النسويات الليبرالية الغربية بكونه صراعاً وجودياً ضد القمع المزدوج: قمع الميليشيات التي تستخدم العنف، وقمع البنى التقليدية التي تستخدم الدين والعرف لشرعنة استعباد النساء. إن الرفض الجماعي هنا هو تحطيم للصورة الزائفة عن "الصمود" التي تروج لها المنظمات الدولية، ليكشف أن ما يسمى مرونة هو في الحقيقة نظام استغلال منظم، وكما أكد فرانز فانون، فإن المستعمر لا يمتدح صمود المستعمرين إلا عندما يضمن بهذا الصمود استقرار منظومة النهب.

يتطلب الانتقال من تكتيكات الرفض اليومي إلى الاستراتيجية الثورية بناء "بنية تحتية للمقاومة" تعيد تعريف العمل وقيمته، حيث يتحول المطبخ الجماعي وبنك الطعام السري إلى وحدات لسيادة غذائية مصغرة تدار خارج سلطة السوق الميليشياوي. إن إنشاء تعاونيات إنتاجية وشبكات تضامن مالية يعتمد على مدخرات الكادحات هو التطبيق العملي لدعوة ألكسندرا كولونتاي لجماعية الأعمال المنزلية، وهو فعل يهدف إلى تجفيف مستنقع الحرب عبر قطع الخيط السري الذي يربط المجتمع المنهوب بآلة النهب. إن المطالبة بإلغاء "ضرائب الحرب" العينية والاعتراف بالعمل المنزلي كعمل منتج هو جوهر البرنامج الطبقي النسوي الذي نادت به كلارا زيتكين، وهو المسار الوحيد لضمان أن السلام القادم لن يكون مجرد هدنة بين ذكور مسلحين يقتسمون الغنائم، بل تحولاً جذرياً في علاقات الإنتاج التي تمنح الحق في الحياة لمن ينتجها فعلاً.

إن الإضراب النسوي في السودان هو فعل بقاء مسلح بوعي مادي، يثبت أن الحرب لا تستمر إلا بقدر استعداد النساء لإدارتها مجاناً، وأن سحب هذه البطاقة يعني انهيار البناء الواهي للاحتلال والميليشيا. إن القول للبرجوازية الميليشياوية "لن نشارك في تدمير أنفسنا بعد اليوم" هو الإبطال الأخلاقي والاقتصادي للنظام بأكمله، وهو الخطوة الأولى نحو استعادة الجسد والوقت من براثن التراكم الرأسمالي المسلح. من هذا الرفض المتجذر في الواقع اليومي، ومن صمود المضربات ضد الجوع والقمع، تبدأ معركة التحرر الحقيقية التي لا تكتفي بتغيير الوجوه، بل تقتلع جذور الاستغلال من أدق تفاصيل الحياة اليومية، مؤكدة أن الثورة الحقيقية هي التي تضع حداً لآلة الموت عبر تحرير العمل الرعائي من قيد "الواجب الفطري" الزائف.

"أولئك الذين لا يتحركون لا يلاحظون قيودهم".
روزا لوكسمبورغ.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 10. لجان المقاومة النسوية – إعادة بناء السياسة من داخل المعس ...
- 9. شبكات المقاومة اليومية – من المطابخ الجماعية إلى المجالس ...
- 8. الإعلام الدولي والصور النمطية – تحويل المعاناة إلى سلعة إ ...
- 7. الدين كأفيون جديد – توظيف الخطاب الديني لتبرير اقتصاد الح ...
- 6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب ...
- 5. ايديولوجيا النيوليبرالية والجسد: تبرير القمع البنيوي في س ...
- 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة ...
- 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي وال ...
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل


المزيد.....




- نتصرف ازاي لو متخانقين؟
- الصحة حق لا امتياز: ورقة حقائق جديدة عن أوضاع النساء والصحة ...
- بلاغ ضد الداعية المزعوم عبد الله رشدي لتحريضه على الكراهية و ...
- فخر فلسطين: المعلمة مها أبو منشار ضمن أفضل 50 معلمًا/ة عالمي ...
- “غريتا ثونبرغ” حرة بعد اعتقالها فى مظاهرة داعمة لفلسطين
- مصر: ضرب فتاة وتجريدها من ملابسها بسبب الميراث
- رجل يقفز في الماء لإنقاذ امرأة محاصرة وسط حطام طائرة سقطت في ...
- 203 امرأة قُتلن في إيران خلال عام واحد: أرقام تكشف عنفًا بني ...
- منظومة العنف الجنسي في سجون الاحتلال: شهادات أسيرات وأسرى
- المعتقلات السورية تحت المجهر: تحقيق لرويترز يكشف وقائع صادمة ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 11. الإضراب النسوي: الهجوم الطبقي على عصب اقتصاد الحرب الخفي