أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - عادل سليم… شهيدُ الفكر والعقيدة وضميرُ الحرية الحيّ















المزيد.....

عادل سليم… شهيدُ الفكر والعقيدة وضميرُ الحرية الحيّ


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس الحديث عن عادل سليم استذكارًا لاسمٍ عبر التاريخ، بل هو استدعاءٌ لصوتٍ ظلّ يتردّد في ضمير الوطن حتى بعد صمته الطويل. فالرجل الذي وُلد في محلة خانقاه بأربيل عام 1926 لم يكن مجرّد ابنٍ لعائلةٍ معروفة أو طالبٍ مجتهدٍ في المدرسة المظفرية، بل كان منذ طفولته مشروع وعيٍ مبكّر، وشعلة عقلٍ لا تهدأ، تبحث في الناس عن معنى الكرامة وفي الحياة عن عدالةٍ تستحق أن تُعاش.

بدايات الوعي: من البيت إلى الوطن:
في بيتٍ واسعٍ تعيش فيه تجارة الأقمشة والتبوغ جنبًا إلى جنب مع أحاديث السوق والناس، تربّى الفتى عادل على الإصغاء العميق لما حوله. لم يكن البيت مجرد جدرانٍ تحتوي طفولته، بل مدرسةً أولى في فهم العالم. ومن بين الأصوات التي كانت تتردد في الأسواق والأزقة، بدأ يسمع مبكرًا أنين الفقراء وصوت البسطاء الذين يعملون ولا يملكون شيئًا. في تلك السنوات القاسية من الحرب العالمية الثانية، حين انحنى الناس تحت وطأة الفقر، أدرك أنّ الظلم لا يُحارب بالشفقة، بل بالوعي والموقف.

التحق بالمدرسة المظفرية سنة 1933، وكان مثالًا للتلميذ الذكي المتفوق، لكنه لم يكتفِ بالكتب الدراسية. قرأ ما تيسّر من الصحف والمجلات، وناقش أساتذته وزملاءه في قضايا السياسة والمجتمع، حتى صار اسمه معروفًا بين شباب أربيل بأنه "صاحب الرأي الواضح". كان يرى أنّ العدالة ليست فكرة مثالية، بل مسؤولية تُختبر في الواقع، وأنّ الكلمة إذا لم تُترجم إلى فعلٍ تصبح ترفًا عقيمًا.

اختيار الطريق الصعب:
حين بلغ السادسة عشرة، وجد نفسه في قلب الأحداث. لم يكن الانخراط في النضال السياسي ترفًا ولا طموحًا شخصيًا، بل ضرورةً فرضها ضميره. رأى أن بقاءه صامتًا خيانةٌ للحقّ الذي يؤمن به. انتمى إلى التيار الوطني التقدّمي، ودخل العمل العام بعقلٍ ناضج ونفسٍ صبورة، مؤمنًا بأنّ التغيير لا يصنعه الحماس وحده، بل وعيٌ منظم وإرادة تعرف أين تضع خطواتها.

في عام 1943 فُصل من دراسته بسبب نشاطه السياسي، فبدأت مرحلة جديدة من حياته عنوانها السجن والمطاردة. دخل المعتقلات أكثر من مرة، وتعرّف عن قربٍ إلى قسوة الأنظمة حين تخاف من الكلمة أكثر من الرصاص. في الزنازين الباردة، لم يفقد إيمانه بالإنسان، بل ازداد صفاءً وصلابة. كان يشارك رفاقه كسرة الخبز، وينظم النقاشات الفكرية، ويكتب على جدران السجن شعاراتٍ عن الحرية والكرامة. تحوّل السجن إلى مدرسةٍ للثبات، وصار هو معلمها الأول.

من سجينٍ إلى مناضلٍ نادر المثال:
بعد خروجه من السجن، لم يختر الراحة ولا الحياة الآمنة. عاد إلى الميدان بكل طاقته، ينظّم، ويكتب، ويقود، ويزرع الأمل في قلوب الذين فقدوا الثقة بالوطن. كان صوته قويًا، لكن كلماته هادئة وعميقة. رفض المساومات، ولم يتبدّل موقفه مع تغيّر الرياح السياسية. كان يرى أنّ الحرية لا تتجزأ، وأنّ من يصمت عن ظلمٍ صغير سيقبل بظلمٍ أكبر.

في الخمسينيات والستينيات، تحوّل إلى واحدٍ من أبرز الشخصيات الوطنية في أربيل وكركوك والسليمانية. عُرف بصلابته ونزاهته ونكرانه لذاته، وكان قريبًا من الناس، لا يتعالى على أحد. كان يزور البيوت الفقيرة، ويجلس مع العمال والطلبة والفلاحين، ويستمع إلى شكاواهم كأنه واحدٌ منهم. كان يقول دائمًا:
"من لا يسمع صوت الناس، لا يستحق أن يتحدث باسمهم."

القائد الذي لم يبحث عن مجدٍ شخصي:
لم يكن عادل سليم زعيمًا بالمعنى التقليدي، بل قائداً بالقدوة والموقف. لم يطلب سلطةً ولا جاها، بل سعى إلى أن يكون صوتًا للعدل. امتاز بقدرةٍ نادرة على فهم الناس وتقدير طاقتهم، فكان يوزع المسؤوليات بحكمةٍ، ويمنح الثقة لمن يستحقها. كان يعتبر التنظيم أداةً لا غاية، والمبدأ هو الأصل الذي لا يُمسّ. لذلك لم يتغيّر في كل المنعطفات، حتى عندما تهاوت حوله التحالفات وتبدّلت المواقف.

وفي كل سجنه أو مطاردةٍ جديدة، كان يزداد وعيًا ونضجًا. كُسرت أضلاعه وساقه تحت التعذيب، لكنه لم يُكسر. خرج من المعتقل وهو أكثر إصرارًا على أن "الحرية لا تُستجدى، بل تُنتزع"، وأنّ الإنسان الحرّ هو الذي لا يغيّر موقفه حين تتغير مصالحه.
الاغتيال: حين يُغتال الجسد ويبقى الفكر

في الثاني عشر من أيلول عام 1978، وعلى الطريق بين كركوك وأربيل، كانت النهاية التي أرادها الجبناء له. لم يكن موته طبيعيًا، بل اغتيالًا متعمدًا لرجلٍ حمل فكرًا لا يساوم. سقط عادل سليم شهيدًا، لا برصاصةٍ فحسب، بل بمؤامرةٍ على العقل الحرّ والإيمان بالإنسان.

كانت لحظة الاغتيال لحظة فاصلة: فقدت الحركة الوطنية في كردستان أحد أنقاها، وخسرت أربيل ابنها البارّ الذي لم يساوم على شرف الكلمة.

لكن الجسد الذي توقّف على الطريق لم يرحل وحده؛ فقد حمل معه نوره إلى ذاكرة الناس. تحوّل اسمه إلى رمزٍ للمبدأ الذي لا يموت، وصار يُذكر في كل حديثٍ عن الصدق والنزاهة والثبات. لم يخلّف ثروة ولا جاهًا، بل ترك إرثًا أخلاقيًا يصعب تكراره.
الإرث الذي لا يُمحى.

بعد أكثر من أربعة عقودٍ على استشهاده، لا يزال عادل سليم حاضرًا في وجدان الناس كقيمةٍ لا كذكرى. من يتأمل سيرته يدرك أنّه لم يكن سياسيًا تقليديًا، بل صاحب رسالةٍ إنسانية واسعة: أن يعيش الإنسان بكرامة، وأن تكون الحرية جوهر الوجود، لا زينته.
لقد فهم النضال لا كحربٍ ضدّ الآخرين، بل كصراعٍ مع النفس من أجل الصدق والوفاء. كان يقول لمن حوله:

"الحرية تبدأ من داخل الإنسان، قبل أن تُكتب في الدساتير."
ولهذا صار موته شهادةً على صدقه، لا نهايةً لحياته. لأنّ الذين يموتون من أجل المبدأ لا يُدفنون في الأرض، بل في ذاكرة الشعوب. وهكذا صار الشهيد عادل سليم جزءًا من الوجدان الجمعي، من ذاكرة أربيل وكركوك، من تاريخ العراق الذي ما زال يبحث عن أمثاله.

خاتمة: ما يبقى بعد الرحيل
ربما لم يكن عادل سليم يعرف أن موته سيجعل منه رمزًا خالدًا، لكنه عاش كما أراد أن يُذكر: صادقًا، نزيهًا، حرًّا، ومؤمنًا بأنّ العدالة قدر الإنسان الشريف.
رحل وهو على الطريق، لكنّ الطريق بقي حيًّا باسمه. ومن كلّ منفى وسجنٍ وقريةٍ في كردستان، ما زال صدى صوته يُسمع يقول



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماء واستمرارية الحياة في قلعة أربيل قراءة تاريخية–عمرانية ...
- القلعة والجبل: أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم شباب قلع ...
- منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية
- عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني
- تعدّد الأحزاب التركمانية في أربيل: تعددية سياسية أم تشتت يقو ...
- الجبهة التركمانية في أربيل: من ذروة القوة إلى نكسة نوفمبر قر ...
- انتخابات بلا وعي… ووطن يكرر جراحه
- المرشح والناخب بين الوهم والحقيقة: مسرحية انتخابية متكررة
- قلعة أربيل بين الأيادي الأصيلة والأيادي الحزبية
- إشكالية تشكيل الحكومة في إقليم كردستان: قراءة تحليلية في أسب ...
- العراق على أعتاب انتخابات نوفمبر 2025: 22 سنة من الخراب والف ...
- مشروع أكاديمي مقترح بيت المؤتمرات العلمية في قلعة أربيل
- الاستفتاء الكردي: استحقاق مؤجَّل لا حلم عابر
- الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشر ...
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق


المزيد.....




- الحرس الثوري يعلن اعتراض سفينة نفط محمّلة بأربعة ملايين ليتر ...
- خلال العقد المقبل.. إسرائيل تخطط لاستثمار بقيمة 110 مليارات ...
- تهديدات أوروبية بالرد على فرض واشنطن عقوبات على شخصيات أوروب ...
- كأس أمم أفريقيا: ديالو يقود منتخب ساحل العاج حامل اللقب إلى ...
- الشيباني في روسيا وتأكيد على أهمية العلاقات بين دمشق وموسكو ...
- الاستعمار وأزمة القضاء في تونس
- شهيد ومصابون بجباليا والاحتلال ينسف مباني في خان يونس
- فايزر تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجرب ...
- دراسة: دواء فالاسيكلوفير قد يزيد تفاقم التدهور المعرفي لدى م ...
- خبراء أمميون: الحصار البحري الأميركي على فنزويلا ينتهك القان ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - عادل سليم… شهيدُ الفكر والعقيدة وضميرُ الحرية الحيّ