أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - حين يسقط الأسد في دمشق ويستيقظ في بيروت: لبنان بين دولة حزب الله وسوريا الجديدة















المزيد.....

حين يسقط الأسد في دمشق ويستيقظ في بيروت: لبنان بين دولة حزب الله وسوريا الجديدة


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد لبنان يعيش أزمة عابرة، بل يقيم داخل معادلة وجودية خطرة: دولة معلّقة بين دستور معطَّل، واقتصاد منهار، وقرار سيادي محجوب لصالح حزبٍ مسلَّح مرتبط بعقيدة وتوجيهات عابرة للحدود. في جوهر هذه المعادلة يقف حزب الله، بوصفه الأداة الأبرز للمشروع الإيراني في المشرق، يحوِّل لبنان من دولةٍ ذات رسالة حضارية وتوازن دقيق إلى ساحةٍ لحروب الوكالة، وذراعٍ متقدّم في صراع طهران المفتوح مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

إيران لا تدافع عن عقيدة مذهبية مهدَّدة، بل تستثمر في البُعد المذهبي أداةً لقوننة نفوذها السياسي والعسكري. المذهب هنا ليس إطاراً روحياً أو ثقافياً، بل مادة خام لصناعة الميليشيا، وتعبئة “الجماعة المقاتلة”، وتبرير جرائم الحرب تحت لافتة “المقاومة” و”محور الصمود”. النتيجة أن شريحة واسعة من الشيعة في المنطقة تُدفَع دفعاً إلى موقع الكتلة المتَّهمة والمكروهة، لا بسبب هويتها الدينية، بل بفعل توظيفها وقوداً في مشروعٍ إقليمي لا يعترف بحدود الدول ولا بكرامة المجتمعات.

لبنان واحد من أبرز ضحايا هذا المشروع، إلى جانب اليمن والعراق وسوريا سابقاً. بلدٌ كان يمكن أن يكون نموذجاً للعيش المشترك، تحوّل إلى منصة صواريخ، وممر تهريب، ومختبَرٍ دائم لتصفية الحسابات. تمّ تطييف الدولة ومأسسة الفراغ: رئيس لا يُنتخَب إلا بتوقيع “حزب الأمر الواقع”، وحكومة لا تُشكَّل إلا بشروطه، واقتصاد يُدار بمنطق اقتصاد الحرب والتهريب، لا بمنطق الاستثمار والإنتاج.

الأسدية كنظام أمر واقع في بيروت

يمكن القول بلا مبالغة: سقط نظام الأسد في دمشق، لكنه عاش وتمأسس في بيروت. ليس المقصود الأشخاص أو الوجوه، بل نموذج الحكم: دولة عميقة ممسكة بالمفاصل الأمنية والعسكرية والقضائية، تستخدم القانون ستاراً، والمؤسسات واجهة، والقضاء العصا التي يُضرَب بها كل من يجرؤ على معارضة سلطة الأمر الواقع.

المحكمة العسكرية في لبنان مثال صارخ. يفترض – في دولة طبيعية – أن يُحصر اختصاصها بمحاكمة العسكريين والملفات ذات الطابع العسكري الصرف. لكن ما جرى خلال العشرين عاماً الماضية هو توسيعٌ منهجي لصلاحياتها كي تصبح أداة تأديب سياسي: كل معارض يمكن أن يُلبَّس تهمة “الإرهاب” أو “العمالة”، وكل صوتٍ يخرج عن الخط المرسوم يُجرَّم بدل أن يُناقَش.

قضايا عديدة أثارت جدلاً واسعاً، من بينها قضية كندة الخطيب وغيرها، حيث تحوّلت تهمة “العمالة لإسرائيل” إلى سلاح جاهز لإسكات أي خطاب لا ينسجم مع منطق المحور المسيطر. يكفي أن ترفع صوتك ضد سلاح حزب الله، أو أن تتضامن مع الثورة السورية، أو أن ترسل مساعدة إنسانية إلى منطقةٍ مصنَّفة “معارضة”، حتى تُعامل في الخطاب الأمني والإعلامي كإرهابي أو مشبوه.

في المقابل، كان مقاتلو حزب الله يعبرون الحدود إلى سوريا عبر معبر المصنع وغيره بأسلحتهم الثقيلة والخفيفة، ذهاباً وإياباً، بلا مساءلة ولا محاسبة. أبٌ يُسجَن لأنه حوَّل المال لابنه كي لا يجوع، بينما ميليشيا عابرة للحدود تُمنح حق القتل خارج الحدود تحت شعار “المقاومة”. هذه ليست فقط ازدواجية في المعايير؛ إنها إعادة تعريف جذرية لمعنى الدولة والقانون، حيث يحتكر طرفٌ واحد حقّ تعريف “الخيانة” و”الوطنية” و”الإرهاب” وفق مصلحته الخاصة.


اقتصاد منهار ودولة تتآكل

هذه الهيمنة ليست بلا ثمن. لبنان اليوم غارق في انهيار اقتصادي غير مسبوق: عملة منهارة، نظام مصرفي متآكل، هجرة كفاءات واسعة، فراغ سياسي متكرر، وثقة عربية ودولية شبه مفقودة. المستثمر لا يأتي إلى بلد يتحكم قرار الحرب والسلم فيه تنظيمٌ مسلح، والمواطن لا يستطيع بناء مستقبل في دولة لا تضمن له أبسط مقومات الأمان القانوني والمعيشي.

إن الإبقاء على حزب الله بوضعه الحالي – جيشاً موازياً، وقراراً خارج المؤسسات، وامتداداً صريحاً للمشروع الإيراني – يعني عملياً ترحيل لبنان من خانة “الدولة” إلى خانة “الكيان المعلّق”. كيانٌ مثخن بالجراح، يتغذى على المساعدات والتحويلات، ويستعد دائماً لجولة جديدة من الحرب مع إسرائيل ستجد هذه الأخيرة ألف ذريعة لشنّها ما دام القرار الاستراتيجي خارج بيروت الرسمية.

سوريا الجديدة: من الركام إلى إعادة التأسيس

في المقابل، وبعد أربعة عشر عاماً من الثورة والحرب والدمار والنزوح وانهيار البنية الاقتصادية والأخلاقية، تدخل سوريا – بعد إسقاط نظام الأسد – مرحلة إعادة التأسيس لا مجرد “إعادة الإعمار”. الفارق جوهري: إعادة الإعمار يمكن أن تجمّل وجه نظامٍ مافيوي؛ أما إعادة التأسيس فتعني وضع عقد اجتماعي جديد، وإعادة تعريف علاقة المجتمع بالجيش والأمن والقضاء والاقتصاد.

سوريا اليوم تبني، على قاعدة استراتيجية شاملة، منظومة دولة تسعى إلى استعادة احتكار العنف الشرعي، وتفكيك إرث الميليشيات والولاءات الخارجية، وربط الاقتصاد الوطني بشبكات الطاقة والتجارة الإقليمية، بعيداً عن وصاية طهران التي لم تجلب لها سوى الحصار والدمار. خلال أحد عشر شهراً فقط بعد النصر، حققت سوريا قفزة ملموسة في قطاعات الخدمات الأساسية والبنية التحتية، تكفي لمقارنتها بلبنان الذي ما زال يدور في حلقة الانهيار المغلق. ومع عام إضافي من العمل المتماسك، ستكون الفجوة أعمق بعشرات المرات بين دولة تستعيد نفسها، ودولة تُستنزفها الميليشيا.

بين نموذج الدولة ونموذج الميليشيا

المفارقة الاستراتيجية هنا واضحة: بلد خرج من حرب شاملة كبرى يملك فرصة لإعادة بناء دولته على أسس جديدة، وبلد لم يشهد حرباً أهلية شاملة في السنوات الأخيرة لكنه يتآكل من الداخل بفعل سلاحٍ واحد وقرارٍ واحد وهيمنةٍ واحدة. سوريا الجديدة تتقدّم لأنها اختارت كسر الحلقة الجهنمية بين الاستبداد الداخلي والوصاية الخارجية؛ ولبنان يتراجع لأنه ما زال يهرب من لحظة الحقيقة: لا دولة مع سلاح خارج الدولة، ولا عقد اجتماعي مع محكمة عسكرية تُستخدم سوطاً ضد المعارضين، ولا اقتصاد مع اقتصاد ظلّ وسلاح موازٍ وحدود مخترقة.

ما الذي يحتاجه لبنان لينجو؟

خريطة الطريق نظرياً واضحة، وإن كانت عملياً شديدة الكلفة:

إعادة تأسيس العقد الاجتماعي عبر دستور جديد أو تعديل عميق يكرّس المواطنة لا المحاصصة الطائفية، ويعيد تعريف دور الدولة كمرجع أعلى لا كشريك بين شركاء.
حصر السلاح بيد الجيش اللبناني ضمن جدول زمني واضح، مع برنامج نزع سلاح الميليشيات ودمج من يمكن دمجه في مؤسسات الدولة، وتحويل خطاب “المقاومة” من احتكار فئوي إلى استراتيجية دفاع وطنية تقرّرها المؤسسات الشرعية.
إصلاح جذري للقضاء وعلى رأسه إنهاء توظيف المحكمة العسكرية أداةً للانتقام السياسي، وحصر اختصاصها بالمجال العسكري، وإطلاق يد القضاء المدني المستقل في الملفات السياسية والاقتصادية والمالية.
إعادة تموضع استراتيجي للبنان في محيطه العربي بعيداً عن محور طهران، عبر استعادة الثقة الخليجية والدولية، وتحويل البلد من ساحة صراع إلى منصة استثمار وتكامل اقتصادي مع سوريا الجديدة وسائر المشرق.

نافذة الفرصة تضيق

لبنان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ينضم إلى موجة إعادة بناء الدولة في المنطقة، كما تفعل سوريا بعد إسقاط نظام الأسد، فيختار طريق الدولة المدنية ذات السيادة الكاملة على قرارها وسلاحها وحدودها؛ أو أن يبقى أسيراً لدولة حزب الله العميقة، فيتحول شيئاً فشيئاً إلى خرابة سياسية واقتصادية وأمنية، تُذكرنا بما آلت إليه تجارب أخرى تركت القرار للسلاح بدل القانون.

التاريخ لن يرحم، والجغرافيا لا ترحم أيضاً. سوريا التي نُظر إليها لعقود بوصفها “ملفاً أمنياً” أصبحت اليوم مرشحة لتكون محور توازن إقليمي جديد. ولبنان الذي كان يُقدَّم نموذجاً للثقافة والاقتصاد والخدمات مهدَّد بأن يصبح حاشية هامشية على خريطة إقليم يعاد رسمه. الفارق بين المسارين يُختزل في سؤال واحد: هل نريد دولة، أم نستسلم لدولة الميليشيا؟



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يصرخ الغوغاء: لماذا يتحول الاختلاف في الرأي إلى محاكمة ع ...
- كرم خليل يكتب: كيف تحوّلت سوريا من ملف أمني إلى شريك استراتي ...
- أزمة الهوية السياسية لدى النخب المهاجرة: بين الولاء والانتما ...
- انهيار الحائط الرابع… حين سقطت الهيبة وصارت الأخلاق مادة للت ...
- رمز الدولة السورية بين القداسة والاستهلاك
- من الكراهية إلى العقد الاجتماعي: الطريق إلى سوريا المتحضّرة
- الأسطورة التي هزمت الواقع: قراءة فلسفية في صورة صلاح الدين
- كيف نجح الزعماء العرب في تغيير موقف ترامب من حرب غزة؟
- أنبياء القرآن… أنوار الهداية في مسيرة الإنسان
- بين البلشفية والبرغماتية: أين يقف المبدأ وأين تبدأ النتيجة.؟
- النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء وي ...
- الفكر الجمعي بين الجمود والتحول: أزمة الوعي العربي في مرآة ا ...
- سوريا الجديدة… في البحث عن الأخلاق المفقودة والعقد الاجتماعي ...
- المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري
- ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...


المزيد.....




- الجيش الأمريكي يشن ضربة جديدة على سفينة مخدرات -مزعومة- بشرق ...
- المبعوث الجديد لترامب يعلن أنه سيعمل على جعل غرينلاند جزءاً ...
- ترامب يدعو مادورو للتنحي وكراكاس تتهم واشنطن بالقرصنة والتصع ...
- ترامب يخطط لبناء أسطول من 25 سفينة حربية تحمل اسمه
- رئيس الوزراء السوداني يعرض خطة سلام جديدة ويدعو مجلس الأمن ا ...
- موسكو ترفض تعديلات كييف وحلفائها على خطة السلام الأمريكية
- رويترز: أميركا تنفذ رحلات استطلاع فوق نيجيريا بعد تهديدات تر ...
- الأكبر في العالم.. ترامب يعلن بناء سفينة حربية تحمل اسمه
- حرب كلامية بين ترامب ومادورو..دعوة للتنحي وردّ قوي من كراكاس ...
- الإمارات: ندعم انتقال السودان إلى حكومة مدنية


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - حين يسقط الأسد في دمشق ويستيقظ في بيروت: لبنان بين دولة حزب الله وسوريا الجديدة