أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟














المزيد.....

الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 02:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الليبرالية ليست كلمة يمكن حشرها تحت تعريف واحد جامد من نوع «حرية فردية + نظام ديموقراطي + اقتصاد سوق». ذلك التعريف صحيح لكنه سطحي؛ هو واجهة البروفة التي يراها المارة. إذا أردنا أن نصل إلى جوهرها، يجب أن نقرأها كمشهد فلسفي يضع الإنسان — لا الأيديولوجيا، لا الأمة، ولا الطائفة — كمركز ثقل للعالم السياسي والاجتماعي. هذه قراءة ليست وصفًا بل محاولة تبرير وجودي ومنهجي لليبرالية: لماذا تجعل من الفرد أصلًا، وكيف تترجم هذا الأصل إلى مؤسسات، وما الذي يهددها أو يكملها؟

أولاً — الليبرالية كموقف أنطولوجي: الإنسان غاية، لا وسيلة
الليبرالية تفترض افتراضًا صامتًا ولكنه جوهري: أن لكل إنسان قيمة لا تُقاس بوظيفته الاجتماعية أو طاقته الإنتاجية، وأن لهذه القيمة حقوقًا أسبق من أي حساب سياسي. هذه ليست مجرد قدم أخلاقي؛ هي اقتراح أن تكون بنية المجتمع منظمة بحيث لا تُستخدم الكائنات البشرية كأدوات لأغراض متجاوزة لها. من هنا ينبثق حكمان عمليان: حرية الاختيار والحقوق الفردية. البراهين الفلسفية لهذا الموقف تستند إلى منطق الكرامة (الذي بلوره التقليد الكانطي ونقّحه لاحقًا مفكرو العقد الاجتماعي)، وإلى برهان تجريبي يمكن صياغته هكذا: مجتمعات تمنح مزيدًا من الحرية الفردية تُتيح تنوعًا أكبر في التجارب الحياتية، ما ينتج خبرات معرفية وتكنولوجية وثقافية لا تنتجها نظم الإكراه الثقافي.

مثال عملي: المدن التجارية التي سمحت بحرية الانخراط الديني والتجاري شهدت ازدهارًا علميًّا وتجاريًّا أكبر من تلك التي احتكرت التعبير والاحتكاك الاجتماعي. هذا ليس برهان مطلقًا لكنه دليل تاريخي نمطي على قدرة الليبرالية على توسيع ساحات التجربة البشرية.

ثانيًا — الليبرالية كآلية تفكيك للسلطويات التقليدية
الليبرالية لا تكتفي بمقاومة الدولة السلطوية؛ إنها عملية مستمرة لتفكيك الاحتكار الأيديولوجي والاجتماعي: سلطة الدين التي لا تقبل النزاع، السلطة العشائرية التي تصادر الإرادة الفردية، والأنظمة الاقتصادية التي تحوِّل الإنسان إلى مجرد مصدر ربح. هذا التفكيك ليس تفكيكًا عدميًا بل إصلاحًا يهدف إلى إنضاج شخصية قادرة على الاختيار والمساءلة.

براهين هذا البعد تظهر عندما نرى أن إصدار قوانين الحق في الطلاق أو إلغاء الامتيازات الوراثية أو إتاحة التعليم للشرائح المستبعدة يتحقق غالبًا في سياقات ليبرالية — لأن النظام يعترف بأن تغيّر الأنساق الاجتماعية يبدأ بتحرير الخيارات الفردية.

ثالثًا — المؤسسات: أدوات وليست مقاصد
في الليبرالية السوية، المؤسسات (الدولة، السوق، القانون) أدوات لخدمة الأفراد. تصبح المشكلة عندما تتحول إلى غايات بحد ذاتها: دولة مركزية تبرر قسوة باسم النظام، وسوق لا يقيده ضابط أخلاقي أو قانوني يتحول إلى رافعة للاستغلال. هنا تظهر الحاجة إلى توازن بين حرية الاختيار وضوابط العدالة: حقوق مدنية مترافقة مع ضمانات اجتماعية تمنع أن تكون الحرية تُرادف التهميش.

مثال حي: محاولة الجمع بين الحماية القانونية للملكية والإنصاف الاجتماعي — أي إنشاء شبكات حماية اجتماعية تمكّن الناس من المشاركة الفعلية في سوق الحرية بدل أن تُترك للفوضى الاقتصادية التي تُقضي على خيارهم الحر.

رابعًا — التوترات البنيوية: ما الذي ينهك الليبرالية من داخلها؟
الليبرالية تولّد إبداعًا لكنها تولّد أيضًا عزلة؛ السوق يخلق ثروة لكنه يهيئ أيضًا انقسامات اجتماعية؛ الفردانية المطلقة قد تقود إلى تآكل الروابط التضامنية. ثمة أيضًا سابقة تاريخية قاتمة: استخدام روايات التحرر لتبرير استعمار شعوب أخرى باسم «تحريرها» أدى إلى ازدواجية أخلاقية داخلة في نسيج الليبرالية الحداثية. هذه التناقضات ليست مرافعات ضد الليبرالية بقدر ما هي دعوة لإعادة صياغتها: لتكون أكثر وعياً بتاريخها وأكثر تواضعًا في مطالبها.

خامسًا — استجابات ممكنة: كيف تُنقذ الليبرالية نفسها؟
التحول الذي تحتاجه الليبرالية لا يتجسد في التراجع عن مبادئها الأساسية، بل في إدخال عناصر تُوازنها: اقتصاد مختلط يضع حدودًا للاحتكار، مؤسسات ديمقراطية تُعزّز المشاركة المدنية (لا الاكتفـاء بالتصويت) وبرامج تهدف إلى بناء رأسمال اجتماعي يخفف من تلقائية الفردانية. هذا التحول يغدو براهينًا عملية: بُنى تشريعية تضمن الحقوق الأساسية، سياسات تعليمية توسع القدرة على التعبير والمشاركة، ونظم محاسبة تمنع تحوّل المؤسسات إلى نهايات.

الليبرالية كمشروع مفتوح
الليبرالية ليست إجابة نهائية، بل سؤال طويل الأمد عن كيف يمكننا أن نعيش معًا مع احترامنا لبعضنا البعض. جوهرها ليس مجرد حراسة للحرية بل تحويل المؤسسات إلى أدوات حقيقية للإنسان. دعوتي هنا ليست دفاعًا أيديولوجيًّا أعمى ولا إدانة كلية؛ هي مطالبة بأن نقرأ الليبرالية بوصفها مشروعًا وجوديًا قابلًا للتصحيح: نأخذ من قوتها قدرتها على اجترار التجارب ونأخذ من نقدها محاذيرنا ضد انقضاض السوق والدولة على الكرامة الإنسانية



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
- تحديات النصر السوري ومستقبله
- مواقع التواصل الاجتماعي حديث في الإيجابيات والسلبيات
- المرأة ثورة روحية لا تخمد ولغز لا ينتهي
- كساندرا التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهر


المزيد.....




- +++التظاهرات الشبابية في المغرب تتجدد لليوم الخامس وسقوط قتي ...
- دراسة: جرعة منخفضة من الإشعاع تخفف آلام التهاب المفاصل بأمان ...
- تصويت الأسبوع المقبل على مذكرتين لحجب الثقة عن رئيسة المفوضي ...
- محكمة في جنوب السودان توقف البث المباشر لوقائع محاكمة مشار
- جيش الاحتلال يعتدي على طاقم إسعاف ويقتحم مناطق بالضفة
- مصر تؤكد دعمها لاستقرار السودان وترفض الإجراءات الأحادية بنه ...
- اعتراض عدد من السفن المشاركة في -أسطول الصمود- خلال توجهها ن ...
- ماذا قصد هيغسث بعبارة -وزارة ووك-؟ وما أصل هذا المصطلح؟
- +++تظاهرات -جيل زد- تتجدد في المغرب لليوم الخامس على التوالي ...
- خطة ترامب لغزة: فرصة لوقف الحرب أم كارثة؟


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟