أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كرم خليل - بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الجسد














المزيد.....

بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الجسد


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثمة عناوين تقودنا، دون أن نشعر، نحو مساحات من التأمل والبحث في ماهية الوجود. نحن الكائنات التي تتحرك إلى الأمام بينما الزمنُ ثابت، نمضي في رحلة غير عائدة نحو النهاية، ونحمل في أذهاننا أسئلة عصية: هل القداسة كامنة في السماء، أم في الأرض، أم أنها تسكن عقولنا وحدها؟ أهو الفكر الذي يسائلنا، أم نحن الذين نحاول أن نطارده كي نبلغ شيئاً من جوهره؟

الموت، وهو الحقيقة الوحيدة التي لم يرجع منها أحد ليخبرنا بما وراءها، يشكّل غاية متوارية لا يَعرفها إلا الصمت الأخير. متران من الثرى يكفون لاحتواء أجسادنا، أما أرواحنا فتتوه بين روايات المقدَّس وأساطير البشر، التي لم تخرج –على تنوعها الدينـي والإنساني والثقافي– عن غاية واحدة: إصلاح الإنسان في دنياه قبل آخرته. ولكن، هل تحقق هذا الإصلاح بالفعل عبر رحلة البشرية الطويلة منذ مليارات السنين إلى لحظتنا هذه، أم أننا ما زلنا ننتظر "المخلّص" الذي انتظرته أجيال قبلنا؟

الجواب قد لا يكون سوى انعكاس لضعف الإنسان نفسه؛ فحين يفقد العلم ارتباطه بالإيمان يغدو الانتماء هشّاً، ويغدو الأداء بلا قيمة، ويصبح الولوج في السياسة بالدين مدخلاً إلى التخلف، بينما الانفصال الواعي بينهما هو بداية مسار نحو التقدم الحقيقي. غير أن هذا الفصل لا يتحقق دائماً، إذ سرعان ما يتحوّل الدين بين أيدي بعضهم إلى تجارة، فيكثر "المدّعون"، وتظهر سلطات تخلط بين السيطرة الروحية والنفوذ الزمني.

يعلّمنا الفكر التأملي أن الحب الإلهي لا يُقاس بالابتلاء، وأن الخشية أرقى من الخوف؛ فالخشية حبٌّ عميق واعٍ، بينما الخوف سلطة تستعمر العقل. وحين يلتبس على الإنسان هذا الفارق، يضيع في أوهام الأساطير والخرافات، ويغفل عن رسالته الأرضية البسيطة: أن يمارس حياة متوازنة، يحرص فيها على الطبيعة ويصون وجوده. فالحياة فلسفة اعتدال: لا إفراط في الشهوات، لا إسراف في الموارد، لا اعتداء على الحيوان أو الشجر أو الإنسان. إنما رسالة أشبه برسائل الأنبياء: محاسبة للنفس كل مساء، وتجديد وعدٍ بالخير كل صباح.
على هذا، يمكن القول إنَّ الأديان –على اختلافها– ما هي إلا نظام رمزي يمنح الإنسان صورة "تأمين وجودي" تجاه الموت، لكنه يبقى في بعده فردياً، لا يكفي وحده لإقامة مجتمع عادل. هنا يطلّ القانون باعتباره الصيغة التي تُنظّم علاقات البشر، وتكبح جماح الغرائز، وتضع حدوداً لما يمكن أن يدمّر الآخر. فالموعظة تُخاطب الوجدان، أما القانون فيرسم الحدود الواضحة ويضمن التوازن، بالرغم من ثغراته وفوارقه بين مجتمع وآخر.
ورغم كل التباينات، يبقى الثابت أن الأخلاق هي الأساس الحقيقي للحياة الإنسانية. الأديان تعينها، والعقل يختبرها، والعلم يبرهنها، لكن لا شيء من ذلك يخلق قيماً من العدم. كل كتاب، وكل فكر، وكل وحي أو إلهام هو استجابة للواقع أو محاولة لإبداع واقع جديد. وما من عقيدة أو فلسفة إلا بدأت بمقاومة ماضٍ لتبني مستقبلاً مختلفاً.
إننا أبناء الخطيئة، أو أبناء التجربة الكبرى كما يمكن أن نسميها. نحن المعادل الوحيد للحياة والموت معاً؛ بدوننا يفقد الوجود معناه، وبنا يُعاد تشكيله على الدوام. فنحن من نصنع البناء والهدم، السلام والحروب، الغنى والفقر، ونخلط الدمع بالضحك والدم بالعناق. إن فكرة "الشيطان" ليست سوى رمز قديم لمعنى "المقاومة الكامنة في الذات"، بينما "إبليس" في أصله كان مجرد "واشٍ"، شكلاً آخر من مرآة داخلية تكشف ضعف الإنسان وميله إلى التناقض.

وهكذا، فإن كبرى مشاكل البشرية لم تكن يوماً فيما وراء الطبيعة، بل في ما يسكن الإنسان نفسه: نوازعه، شهواته، قلقه، بحثه الدائم عن العدل عبر الوعظ حيناً وعبر القانون حيناً آخر. وبين الوعظ والقانون يتجلى صراع الإنسانية في أن تكون أو لا تكون، أن ترتقي بعقلها أو تهوي في أسر غريزتها. إنها معادلة مفتوحة، لم تغلق بعد، ولن تغلق ما دام الزمن ثابتاً ونحن ماضون، بأجسادنا الفانية وأفكارنا الخالدة، نحو رحلتنا الأخيرة.



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
- تحديات النصر السوري ومستقبله
- مواقع التواصل الاجتماعي حديث في الإيجابيات والسلبيات
- المرأة ثورة روحية لا تخمد ولغز لا ينتهي
- كساندرا التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهر
- زلزال أنطاكيا جرح غائر في صفحات التاريخ الإنساني
- التطرف الديني بين الخرافة والبدعة
- سرد حكاية شالوم في رواية قمر أورشليم
- شيزوفرينيا الديموقراطية في ربوع مزرعة الأسد
- تأرجح العلاقات التركية تدفع ثمنه ادلب السورية وسط تنازلات تر ...
- صراع القرن وحرب فرض النفوذ


المزيد.....




- مصر تخطط لزيادة أسطول الطيران وتوسيع إدارة المطارات بـ-شراكة ...
- التحقيقات تكشف عن ملايين اليوروهات المختلسة.. اليونان تواجه ...
- مستوطن يدهس فلسطينيا بالخليل وإصابات خلال اقتحامات الاحتلال ...
- أمير قطر يتلقى اتصالا من ترامب عقب الهجوم الإسرائيلي على الد ...
- فشل -قمة النار- بالدوحة.. إحراج دبلوماسي وإرباك إسرائيلي داخ ...
- الجزيرة نت تكشف تفاصيل تقرير أممي عن انتهاكات الدعم السريع ب ...
- استنكار في مصر للاعتداء الإسرائيلي على الدوحة ومطالبات بالمح ...
- انتهاكات إسرائيل لسيادة الدول.. اغتيالات وغارات وتوغلات خرقت ...
- محللون أتراك يتحدثون عن دلالات الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ...
- ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كرم خليل - بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الجسد