أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - العدالة الانتقالية والية الاصلاح















المزيد.....

العدالة الانتقالية والية الاصلاح


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 17:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الآليات، والتحديات، والتجارب المُلهمة"
عاشت سوريا فترة طويلة ومعقدة من النزاع المسلح والصراعات الداخلية التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من مختلف الأطراف المتورطة.
بدأت هذه المرحلة منذ بداية النزاع في عام 2011، حيث أفرزت الحرب السورية أزمات إنسانية واسعة النطاق، تخللها انتهاكات شاملة شملت القتل العشوائي، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري.
كما لم تقتصر هذه الانتهاكات على طرف واحد، بل كانت مشتركة بين القوات الحكومية، والتنظيمات المتطرفة، وقوات أجنبية.
في ضوء هذه الانتهاكات الواسعة، تصبح العدالة الانتقالية ضرورة حيوية لتحقيق السلام والمصالحة في سوريا.
وعند النظر إلى التجارب العالمية حول تطبيق العدالة الانتقالية، نجد أنها تتمتع بتنوعها وتأثرها بالسياقات الثقافية والسياسية المختلفة، ما يجعلها مصادر غنية للدروس والتطبيقات الممكنة.
حيث تُعدّ تجربة جنوب أفريقيا واحدة من أبرز الأمثلة على العدالة الانتقالية، حيث شهدت البلاد فترة طويلة من التمييز العنصري (الأبارتهايد)، فشُكّلت لجنة الحقيقة والمصالحة بقيادة "ديزموند توتو" والتي كانت تهدف إلى كشف الحقيقة عن الانتهاكات وتقديم فرصة للضحايا للتعبير عن معاناتهم.
أما في أمريكا اللاتينية، وبعد سقوط نظام الجنرال بينوشيه، شُكلت لجنة الحقيقة والمصالحة للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الحكومة العسكرية. إحدى الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من تجربة تشيلي هي أهمية استقلال وشفافية لجان الحقيقة، مع ثقة المجتمع في نتائج التحقيقات، وتقديم تعويضات مالية، ودعم نفسي واجتماعي، مما يعكس التزام الدولة بإعادة بناء حياة الضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات.
والكثير من التجارب التي يضيق المقام بذكرها والوقوف عندها، كتجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وتجربة البوسنة والهرسك بمحاكمة المتورطين بجرائم حرب، وغير ذلك إلا أنها تشترك جميها في مبدأ أساسي واحد يكمن في السعي إلى تحقيق التوازن بين العدالة والمصالحة، وبين المحاسبة وبناء المستقبل والمجتمع على أسس قيم العدالة وحقوق الإنسان.
*العدالة الانتقالية مفتاح المصالحة والديمقراطية*
تمثل العدالة الانتقالية إطارًا قانونيًا وفلسفيًا يهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترات النزاع أو الأنظمة القمعية، وتسعى هذه العدالة إلى تحقيق توازن بين مبدأي المحاسبة ومساعي المصالحة، من خلال آليات تشمل المحاكمات الجنائية، ولجان الحقيقة، وإصلاح المؤسسات، إذ تُمكِّن العدالة الانتقالية المجتمع من التحول من حالة الظلم إلى العدالة، ما يعزز القيم الديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية.
أما جبر الضرر، فهو مبدأ يعبر عن ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها بعد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ويشمل تعويض الضحايا ماديًا ومعنويًا، كما يُعنى هذا المفهوم بتحقيق العدالة التقويمية، التي تهدف إلى إعادة التوازن الأخلاقي والاجتماعي من خلال الاعتراف بالأذى والتعويض عنه، حيث يُعتبر جبر الضرر جزءًا لا يتجزأ من العدالة الانتقالية، إذ يسعى إلى استعادة الكرامة الإنسانية وبناء الثقة في المؤسسات القانونية.
*تحديات تحقيق العدالة الانتقالية*
تشكل العدالة الانتقالية في سوريا تحديًا معقدًا ومتشابكًا، نظرًا للعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ولعلّ أبرز التحديات هو تورط العديد من الأطراف في النزاع، بما في ذلك القوات الحكومية وبعض الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، ما يجعل محاسبة جميع المتورطين عملية معقدة وصعبة، ولا سيما إذا كان البعض من هؤلاء المتورطين قد وصلوا إلى مواقع السلطة.
كما تعكس هذه الحالة صراعًا فلسفيًا حول العدالة، حيث يواجه المجتمع تحديًا في التوفيق بين مبادئ المحاسبة والعدالة من جهة، وضرورة المصالحة والاستقرار من جهة أخرى، إذ أنّ التوترات الاجتماعية والطائفية المتراكمة تعمق الفجوة بين المجتمعات المختلفة، ما يعقد عملية بناء الثقة وإعادة التلاحم الاجتماعي.
الأمر الذي يتطلب إعادة تأطير مفهوم العدالة بحيث يتناسب مع التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية التي تميز المجتمع السوري.
يمثل التحدي الاقتصادي عاملًا حاسمًا في تحقيق العدالة الانتقالية. فالاقتصاد المتهالك والموارد المحدودة تعرقل تنفيذ برامج جبر الضرر والتعويض، وتفرض قيودًا على إمكانيات إعادة الإعمار والتنمية. ويُطرح هنا سؤال جوهري حول كيفية تحقيق العدالة في سياق الندرة، ومدى إمكانية تحقيق التوازن بين تعويض الضحايا وإعادة بناء المجتمع.
وتضارب المصالح بين الأطراف المتنازعة يضيف بُعدًا آخر لتعقيد العدالة الانتقالية، حيث تتعارض مصالح بعض الأطراف السياسية مع مبادئ العدالة، مما يتطلب توازنًا دقيقًا وتعاونًا دوليًا لضمان تحقيق العدالة من دون التضحية بالسلام والاستقرار. هذا التحدي يعكس أهمية العدالة الانتقالية بوصفه مشروعًا جماعيًا يتطلب مشاركة وتعاون جميع الأطراف لتحقيق أهدافه.
*آليات تحقيق العدالة الانتقالية*
ويمكن تحقيق العدالة الانتقالية من خلال عدة مراحل أساسية:
1. المسائلة والمحاسبة: تهدف هذه المرحلة إلى محاسبة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال إنشاء محاكم جنائية خاصة أو دعم المحاكم الوطنية القائمة، فالمحاسبة القضائية تعتبر حجر الزاوية في العدالة الانتقالية، حيث تساهم في تعزيز سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب، ومن الضروري أن تكون هذه المحاكم مستقلة وشفافة وتعمل وفقًا للمعايير الدولية.
2. الكشف عن الحقيقة والتوثيق: ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشكيل لجان تقوم بجمع الشهادات والأدلة من الضحايا والشهود، وهذه اللجان تساعد في تحقيق العدالة الرمزية وتمنح الضحايا الفرصة لسرد قصصهم وتلقي الاعتراف بمعاناتهم، كما أنّ الكشف عن الحقيقة يساهم في بناء فهم مشترك للتاريخ الأليم وتعزيز التفاهم والتسامح بين المجتمعات المتضررة.
3. إصلاح المؤسسات: تشمل هذه المرحلة تطهير المؤسسات الحكومية والأمنية من العناصر المتورطة في الانتهاكات، إذ يجب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإعادة تدريبها على مبادئ حقوق الإنسان، وضمان شفافية العمليات وتحقيق الرقابة المستقلة، فالإصلاح المؤسساتي يهدف إلى ضمان عدم تكرار الجرائم وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
4. جبر الضرر والتعويض: تهدف هذه المرحلة إلى تعويض الضحايا ماليًا ومعنويًا، عبر تعويضات مالية، وإعادة الممتلكات، وتقديم الرعاية الصحية والنفسية، وتوفير فرص التعليم والتدريب. فجبر الضرر هو عملية شاملة تهدف إلى إعادة بناء كرامة الضحايا واستعادة مكانتهم في المجتمع، كما يساهم جبر الضرر في تحقيق العدالة التقويمية ويساعد الضحايا في التعافي والاندماج من جديد في المجتمع.
5. مشروع قانون يحظر الترويج لنظام بشار الأسد والجرائم المرتبطة به: حيث يتضمن القانون حظر تبرير جرائم النظام الأسدي أو الترويج لها بأي وسيلة إعلامية، مع حظر شعارات ورموز التي تخص النظام الساقط.
بالإضافة إلى منع إنكار الجرائم التي ارتكبها النظام، كجرائم الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيمائية، عبر فرض عقوبة تصل إلى السجن 5 سنوات أو غرامة مالية.
كما يشمل القانون منع تأسيس أية تنظيمات أو حركات تدعم نظام الأسد أو تعمل على استعادة حكمه، بالإضافة إلى حماية الضحايا من خلال منع الإساءة لهم أو التشهير بضحايا النظام أو التشكيك في معاناتهم.
وفي الختام: إنّ تطبيق هذه الآليات في سوريا يتطلب التزامًا سياسيًا واجتماعيًا قويًا، وتعاونًا دوليًا لتقديم الدعم اللازم. فمن خلال تنفيذ هذه المراحل الأساسية للعدالة الانتقالية، يمكن للشعب السوري بناء مستقبل قائم على العدالة والمصالحة والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان، ما يعزز السلام والاستقرار في المنطقة.



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
- تحديات النصر السوري ومستقبله
- مواقع التواصل الاجتماعي حديث في الإيجابيات والسلبيات
- المرأة ثورة روحية لا تخمد ولغز لا ينتهي
- كساندرا التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهر
- زلزال أنطاكيا جرح غائر في صفحات التاريخ الإنساني
- التطرف الديني بين الخرافة والبدعة
- سرد حكاية شالوم في رواية قمر أورشليم
- شيزوفرينيا الديموقراطية في ربوع مزرعة الأسد
- تأرجح العلاقات التركية تدفع ثمنه ادلب السورية وسط تنازلات تر ...
- صراع القرن وحرب فرض النفوذ
- أكذوبة -نظرية المؤامرة- غيّبت الشعوب العربية عن الصراع العال ...
- الحرية بين الإعتقاد والحقيقة
- أسباب النكوص في المسار الثوري
- المجتمع المدني كجوهر ثقافي في حياة الشعوب
- دور المجتمع المدني في بناء المجتمعات
- الأمل إكسير الحياة ودفقها المتجدد في الروح
- في ظل اضمحلال التنوير وسطوة التعصب: كيف يتعامل الإسلاميون مع ...
- الحرب في مواجهة الهوية: سوريا نموذجاً


المزيد.....




- مصور فرنسي يوثق جانبًا آخر من جزيرة سقطرى باليمن لم تلتقطه ا ...
- إطلالة كيت ميدلتون -الزرقاء- تعيد إلى الأذهان أناقة الأميرة ...
- الجيش الكويتي يُعلق على تداول مقاطع رصد -صواريخ باليستية- في ...
- غروسي يكشف عن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيران ...
- مراسلتنا: المدفعية الإسرائيلية تهاجم جنوب لبنان
- الملاجئ الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ الإيرانية: قصورٌ في ا ...
- -إيرنا- تنفي نبأ انسحاب البرلمان الإيراني من معاهدة حظر الان ...
- اكتشاف مواد سامة -خفية- تلوث الهواء في الولايات المتحدة من م ...
- تفاصيل إبعاد مسيرة عن منزل نتنياهو
- إسرائيل وإيران تتصارعان.. والسوريون بين الشماتة والانتظار


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم خليل - العدالة الانتقالية والية الاصلاح