أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - انهيار الحائط الرابع… حين سقطت الهيبة وصارت الأخلاق مادة للتشهير














المزيد.....

انهيار الحائط الرابع… حين سقطت الهيبة وصارت الأخلاق مادة للتشهير


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 00:03
المحور: قضايا ثقافية
    


كان المسرح قديماً يقدّس ما يسمّى بـ”الحائط الرابع”، ذاك الجدار الوهمي بين الممثل والجمهور الذي يحفظ هيبة العرض ويمنح الفنّ مساحته من الاحترام والسمو. لا يتخطّى الممثل حدّه، ولا يتدخل الجمهور في مشهد لم يُكتب له أن يشارك فيه. كان ذلك الجدار رمزًا للفصل بين العالَم الحقيقي والعالَم الفني، بين الرأي والحدث، بين الفعل والتلقي.


وفي الصحافة القديمة، وخصوصًا الورقية منها، كان هناك حائط رابع أيضًا، يُنظّم العلاقة بين الكاتب والقارئ. كانت المادة تمر عبر غرفة التحقيق الصحفي، تُراجع وتُقوّم وتُضبط لغويًا وأخلاقيًا قبل أن تصل إلى الناس. كانت هناك مسافة من الرصانة تمنح الفكرة هيبتها والكلمة احترامها.


لكن مع دخولنا عصر الفضاء الافتراضي، لم يسقط الحائط الرابع وحده، بل انهارت معه جميع الحيطان التي كانت تحفظ للإنسان حرمته وكرامته.

سقط الجدار بين السياسي والجمهور، وبين المثقف والعامّة، وبين الصحفي والقراء، وبين الإنسان ونفسه. كل شيء أصبح مكشوفًا، مشاعًا، متاحًا للتشهير والاستهزاء.

كل من يملك حسابًا على تطبيق صار يعتبر نفسه قاضيًا ومحاميًا ومحققًا ومُشرّعًا في آنٍ واحد.


الإنترنت الذي وُلد كمنصّة للمعرفة والتحرّر تحوّل إلى ميدان للكراهية والكيدية الاجتماعية، وإلى أداة لإهانة الإنسان بدل حمايته.

في سوريا اليوم، لا يكاد يمرّ يوم دون أن يُنتهك فيه عرض شخص أو تُشوّه سيرة أحد تحت ذرائع الحرية أو النقد أو “الترند”.

لقد بات المجتمع يعيش على خشبة مسرح رقمي، بلا ضوابط ولا ضمير، حيث الكلمة الساقطة تُعادل رصاصة، والتشهير صار هواية، والفضيحة وسيلة للوصول والانتقام.


هذه الحالة ليست مجرد أزمة أخلاقية فحسب، بل انهيار لنظام القيم الذي يفترض أن يشكّل الحائط الرابع في بنية الدولة والمجتمع.

فالحائط الرابع هنا لم يعد جدارًا بين الممثل والجمهور، بل بين الإنسان وامتهانه، بين الحرية والفوضى، بين النقد والتشهير.

ولأن القانون غائب أو ضعيف في مواجهة هذا الانفلات، فإن المجتمع يدفع الثمن يوميًا: لقد دمرت السمعة، وتحطمت الأسر، وتبخرت الثقة.

الزمن الرقمي ألغى المسافة بين الخاص والعام، بين الفكر والفضيحة.

أصبحنا نعيش في عالم بلا حواجز، حيث الإنسان لا يُحاسب على فعله بل على صورته، ولا يُقيَّم بعقله بل بما يُشاع عنه.

الإنسان السوري الذي صمد في وجه الحرب والدمار يواجه اليوم حربًا أخطر: حرب السمعة، حرب الكلمة، حرب التشويه التي تُدار من خلف الشاشات.


من هنا، يصبح الحديث عن “قانون لحماية الحائط الرابع” في سوريا ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية.

قانون يُعيد للكرامة حرمتها، وللحرية معناها، ويُجرّم بوضوح كل أشكال التشهير والتضليل الرقمي.

قانون يعيد الإنسان إلى مكانته كقيمة سامية لا تُمسّ تحت أي ظرف، لأن المجتمع الذي يستهين بسمعة أفراده لا يبني دولة، بل يُنبت خرابًا أخلاقيًا لا حدود له.

لقد آن الأوان لإعادة بناء الحائط الرابع، لا في المسرح، بل في الوعي.

أن نُعيد الاحترام للمسافة بين الكلمة والإنسان، بين الرأي والتجريح، بين الحرية والانفلات.

لأن من لا يحمي كرامة الفرد، لن يعرف كيف يحمي وطناً



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمز الدولة السورية بين القداسة والاستهلاك
- من الكراهية إلى العقد الاجتماعي: الطريق إلى سوريا المتحضّرة
- الأسطورة التي هزمت الواقع: قراءة فلسفية في صورة صلاح الدين
- كيف نجح الزعماء العرب في تغيير موقف ترامب من حرب غزة؟
- أنبياء القرآن… أنوار الهداية في مسيرة الإنسان
- بين البلشفية والبرغماتية: أين يقف المبدأ وأين تبدأ النتيجة.؟
- النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء وي ...
- الفكر الجمعي بين الجمود والتحول: أزمة الوعي العربي في مرآة ا ...
- سوريا الجديدة… في البحث عن الأخلاق المفقودة والعقد الاجتماعي ...
- المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري
- ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...


المزيد.....




- السودان.. مستشار ترامب يوجه رسالة إلى -الدعم السريع- بشأن ال ...
- ليبرمان: نتنياهو كاد أن يفقد أعصابه ويُغمى عليه بعد تصريحات ...
- بتهم تجسس.. استدعاء خصم أردوغان المعتقل إمام أوغلو للتحقيق
- مدينة ميونخ الألمانية تصوت لصالح استضافة الألعاب الأولمبية ا ...
- الفاشر تصارع الحصار والجوع تحت القصف
- مقتل جنديين سوريين بهجوم قرب مدينة الباب شرق حلب
- طبيب لبناني ينقذ طفلا من الموت.. ويعيد وصل رأسه بجسده
- سفينة حربية أميركية ترسو على بعد 10 كيلومترات من فنزويلا
- وفاة الملكة الأم سيريكيت في تايلاند عن 93 سنة
- أميركا والصين تستبقان قمة ترمب- شي بمحادثات تجارية بناءة


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - انهيار الحائط الرابع… حين سقطت الهيبة وصارت الأخلاق مادة للتشهير