أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء














المزيد.....

ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 02:47
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، يعيش السوريون في دوامةٍ مرهقة من العنف والانقسام، لم تبقِ ولم تذر من ملامح الطمأنينة شيئًا. لم تعد الحرب محصورةً في ساحات القتال، بل تسللت إلى الوجدان، إلى تفاصيل الحياة اليومية، إلى اللغة التي نتحدث بها، والنظرات التي نتبادلها، وحتى الصمت الذي نحمله معنا في الطرقات.

لقد تحوّل خطاب الكراهية من ظاهرةٍ طارئة إلى بنيةٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ راسخة. وأخطر ما فيه أنه لم يعد مجرد صراعٍ بين النظام ومعارضيه، بل صار ثقافة متداولة يتقنها المجتمع، يمارسها بوعيٍ حينًا وبلا وعيٍ أحيانًا، حتى باتت الكراهية جزءًا من العُرف العام ومن ردود الفعل

لم تكن الكراهية يومًا شعورًا عفويًا؛ إنها تُصنع كما تُصنع الأيديولوجيا.
لقد أتقن نظام الأسد عبر عقودٍ طويلة هندسة الكراهية:
زرعها في المدارس والإعلام، في لغة التخوين، في مفردات الولاء، وفي سرديات الخوف التي جعلت من السوريين شعوبًا داخل الشعب الواحد.
حوّل النظام الانتماء الوطني إلى انتماءاتٍ فرعية، والطائفة إلى جدار، والمنطقة إلى حدود، والمواطن إلى خصمٍ محتمل.

ولم تكن النتيجة سوى تشظّي الذات السورية؛ فصار الدم يسبق الكلمة، والاتهام يسبق الفهم، والعنف يبرر ذاته بذرائع “الحق” و”العدالة” و”الثأر”.
بهذا المعنى، لم تكن الكراهية مجرّد نتاجٍ للحرب، بل كانت الوقود الذي أبقاها مشتعلة.

بمرور السنوات، تسرّبت الكراهية إلى النسيج الاجتماعي حتى أصبحت مهارةً يتقنها الناس.
صرنا نرى الإنسان السوري يلعن أخاه في الوطن، ويستهزئ بآلام غيره، ويتعامل مع معاناة الآخر كأنها نصرٌ له أو انتقامٌ من التاريخ.
فقدنا القدرة على التعاطف، لأننا فقدنا الثقة، ولأن الخوف صار اللغة التي نفهم بها العالم.

إن أخطر ما فعله النظام لم يكن القتل وحده، بل تحويل الكراهية إلى منهج حياة؛ جعل من الناس أدواتٍ في صراعاته، يكرهون بالنيابة عنه، ويعادون بعضهم بعضًا وهم يظنون أنهم يدافعون عن الحقيقة.

حين يسقط النظام — عاجلًا أم آجلًا — لن يكون الخطر في أنقاضه، بل في السموم التي زرعها داخل النفوس.
لن تبنى سوريا الجديدة بقراراتٍ سياسية أو بمؤتمرات دولية، بل بـ إعادة بناء الثقة بين أبنائها، وبخلق وعيٍ جمعيٍّ جديد يرى في الآخر إنسانًا لا خصمًا.

التغيير الحقيقي يبدأ من اللغة:
من طريقة مخاطبتنا لبعضنا البعض،
من الكلمة التي نكتبها على وسائل التواصل،
من رفضنا أن نكون صدى لخطاب التحريض مهما كان مصدره.

علينا أن نؤسس لثقافةٍ جديدة تقوم على الفكر والوعي والفهم العميق، لا على الانفعال والتخوين.
إن مواجهة الكراهية لا تكون بخطابٍ عاطفيٍّ سطحي، بل عبر مشروعٍ ثقافيٍّ وطنيٍّ طويل الأمد، يُعيد بناء المجتمع عبر المؤسسات، والتعليم، والإعلام، والفنّ، والفكر النقديّ.

المصالحة التي يحتاجها السوريون ليست مصالحة بين الطوائف أو المناطق، بل بين الذاكرة والعقل.
أن نعترف بالألم دون أن نحوله إلى حقد، أن نحاسب دون أن نثأر، أن نبني العدالة دون أن نهدم الإنسان.

على كل سوريٍّ أن يدرك أن خطاب الكراهية لا يحمي أحدًا، بل يقتل الجميع ببطء. وأن الوطن الذي نحلم به لن يقوم على رماد الكلمات المسمومة، بل على إيمانٍ بسيطٍ بأننا — رغم كل ما فرّقنا — ما زلنا نستحق أن نكون معًا

إن إعادة بناء سوريا لا تبدأ بالإعمار المادي، بل بإعادة إعمار اللغة والوعي.
حين نختار كلماتنا بعناية، حين نتحدث بلغةٍ تجمع ولا تفرّق، حين نرى في الاختلاف طاقةً لا تهديدًا، نكون قد بدأنا فعلاً رحلة الشفاء.

فالمستقبل الذي نريده لن يولد من رحم الكراهية، بل من رحم الإيمان بأننا شعب واحد مهما تكسّرت صورنا في المرايا.
ولعل أعظم ثورةٍ يمكن أن ننجزها اليوم، هي أن نقول لأنفسنا:

آن الأوان لأن نختار لغة تجمعنا… لا تفرقنا



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة


المزيد.....




- نتنياهو: حققنا -انتصارات هائلة-.. والمعركة -لم تنتهِ بعد-
- صواريخ -توماهوك- تختبر حدود الحرب بين كييف وموسكو
- لبنان يعدّ شكوى أمام مجلس الأمن بعد التصعيد الإسرائيلي.. فهل ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. الأمن يسيطر على مليشيا عميلة للاحتلا ...
- إغلاق صناديق الاقتراع في الكاميرون وبيا الأوفر حظا لولاية ثا ...
- مظاهرة في سراييفو تطالب بدعم الفلسطينيين وقطع العلاقات مع إس ...
- ترامب في شرم الشيخ: توقيع تاريخي وقمة دولية لإنهاء حرب غزة
- هل تتعارض العدالة الانتقالية مع السلم الأهلي في سوريا؟
- عاجل | ترامب: الحرب انتهت ووقف إطلاق النار سيصمد
- كارثة قيس سعيد في تونس


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء