أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - كرم خليل - النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء ويطرد الكفاءات














المزيد.....

النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء ويطرد الكفاءات


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 19:27
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في لحظةٍ كان يُفترض أن تنهض فيها النمسا بإصلاحٍ اقتصادي حقيقي، يوازن بين العدالة الاجتماعية والقدرة التنافسية، اختارت الحكومة الطريق الأسهل والأفشل: ضرب الحلقة الأضعف في المجتمع.

بدلًا من تحفيز النمو عبر جذب الاستثمارات الكبرى وتبسيط القوانين وتوسيع قاعدة الإنتاج، قرّرت السلطة معالجة العجز المالي عبر تقليص المساعدات الاجتماعية وحرمان أصحاب الدخل المحدود — خصوصًا الحاصلين على الإقامات المؤقتة — من الحد الأدنى من الأمان المعيشي.

هذه ليست سياسة مالية، بل سياسة عقابية متنكرة بعباءة الإصلاح.

فبدل أن تُصلح الدولة هيكل الاقتصاد، راحت تُصلح المواطن الضعيف بالضغط والإفقار. وهنا تكمن المفارقة القاتلة: الحكومة تتحدث عن “تشجيع العمل”، بينما العمل ذاته لم يعد يوفّر حياة كريمة. الأجور في النمسا لم تعد تكفي لتغطية أساسيات المعيشة، والتضخم يلتهم كل زيادة شكلية في الرواتب، وأسعار السكن والطاقة والغذاء تتضاعف بوتيرة تفوق قدرة أي أسرة متوسطة على الاحتمال.

بدل أن تكون الأولوية رفع الأجور أو دعم القوة الشرائية، تحوّلت المساعدات إلى أداة قمع اقتصادي.

فالدولة تضغط على من هم أصلًا في أضعف مواقعهم الاقتصادية وتجبرهم على الاندماج في سوق عمل مغلق، غير قادر على ضمان كرامة الإنسان. والنتيجة ليست إصلاحًا بل مزيدًا من الفقر والتهميش وانفصالًا عميقًا بين الخطاب الرسمي والواقع الاجتماعي.

المشكلة أعمق من المساعدات. فالنمسا تخسر رأسمالها الحقيقي: العقول والكفاءات.

خلال أحد عشر عامًا غادر البلاد أكثر من 170 ألف خبير — أطباء، مهندسون، مختصون — كانوا جزءًا من العمود الفقري لسوق العمل. هذه ليست هجرة طبيعية بل نزيف استراتيجي يهدد مستقبل القدرة التنافسية للدولة. حتى الوافدون من الاتحاد الأوروبي يغادر نصفهم خلال أربع سنوات فقط، ما يعني أن بيئة العمل نفسها أصبحت طاردة.

اتحاد الصناعيين النمساوي حذّر صراحة: المشكلة ليست في الاندماج ولا في الكسل الاجتماعي، بل في نظامٍ اقتصادي بيروقراطي خانق. ضرائب مرتفعة، قوانين معقّدة، غياب للرؤية الصناعية والاستثمارية. فكيف يمكن أن تنجح دولةٌ تُضيّق على اليد العاملة وتطرد المستثمر في الوقت ذاته؟

الأرقام وحدها كفيلة بتفنيد الخطاب الرسمي.

تحليل صادر عن معهد Momentum يُظهر أن المواطن الذي يريد الحفاظ على نفس مستوى المعيشة الذي كان عليه عام 2020، يحتاج إلى ما يقارب 7000 يورو إضافية سنويًا. أي بزيادة شهرية تُقدّر بـ562 يورو، معظمها في الغذاء والسكن والطاقة.

النمسا اليوم تتصدر أوروبا الغربية في غلاء المعيشة. الزيادة في ألمانيا لا تتجاوز 470 يورو، وفي سويسرا 139 فقط. الفرق ليس في القدر، بل في الإدارة الاقتصادية الرشيدة التي غابت عن فيينا.

وفق منظمة Volkshilfe، يعيش أكثر من 1.5 مليون شخص في النمسا تحت خط الفقر أو على حافته، أي نحو 17٪ من السكان. في فيينا وحدها هناك 150 ألف شخص يعتمدون على المساعدات الاجتماعية، نصفهم تقريبًا من غير النمساويين.

ومع القرارات الجديدة التي ستُطبق عام 2026، والتي تقضي بإلغاء المساعدات للحاصلين على الحماية الفرعية، سيُحرم أكثر من عشرة آلاف شخص من نحو 1800 يورو شهريًا، ليستبدلوا بـ300 يورو فقط في نظام الرعاية الأساسية.

إنه قرار يحمل بذور أزمة اجتماعية – أمنية متكاملة: ديون متراكمة، أسر عاجزة عن دفع الإيجار، وموجة فقر قد تُشعل الشارع.

منظمات المجتمع المدني كـ«كاريتاس» و«دياكوني» حذرت مبكرًا من انفجارٍ اجتماعي وشيك، لأن هذه السياسة لا تُصلح الاقتصاد بل تخلق مجتمعًا منقسمًا ومتوترًا. فحين يُسحق الفقراء، وتُغلق أبواب الفرص أمام الوافدين والمهاجرين، وحين تغادر العقول المنتجة البلاد — تُصبح الدولة أقل أمنًا وأقل استقرارًا وأقل جاذبية لأي استثمار حقيقي.

الحل لا يبدأ من تقليص المساعدات بل من إعادة هندسة الاقتصاد النمساوي على أسس تنموية واقعية:

خفض الضرائب على العمل والإنتاج لزيادة جاذبية الاستثمار وتشجيع التوظيف.

تحفيز الشركات الكبرى عبر شراكات إنتاجية وتسهيلات بيروقراطية مدروسة.

إطلاق خطة وطنية للابتكار والتدريب تستثمر في الإنسان لا تعاقبه.

تبني سياسات ضريبية تصاعدية عادلة تعيد التوازن بين الأرباح الكبرى والطبقات الوسطى والدنيا.

دعم سوق الإسكان والطاقة بآليات تسعير رقابية تمنع التضخم المحلي المصطنع.

بهذا فقط يمكن للنمسا أن تسد العجز دون أن تسحق إنسانها.

فالدول لا تنهض بتقليص الخبز عن أفقر مواطنيها، بل بخلق بيئة اقتصادية تُنتج أكثر وتظلم أقل.

وما لم تدرك الحكومة أن العدالة الاجتماعية هي العمود الفقري للاستقرار الوطني، فإنها — شاءت أم أبت — تدفع النمسا نحو انحدارٍ بطيءٍ في اقتصادٍ بلا روح ومجتمعٍ بلا أمل



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الجمعي بين الجمود والتحول: أزمة الوعي العربي في مرآة ا ...
- سوريا الجديدة… في البحث عن الأخلاق المفقودة والعقد الاجتماعي ...
- المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري
- ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر


المزيد.....




- إسرائيل تتسلم جثتي رهينتين في غزة عبر الصليب الأحمر
- لندن في صدارة مدن أوروبا بسرقة الهواتف.. مداهمات تكشف شبكة د ...
- مادورو: خطتنا الدفاعية لمواجهة -التهديدات الأمريكية- اكتملت ...
- -لا للملوك- ـ تظاهرات حاشدة ضد ترامب في أنحاء الولايات المتح ...
- مصير الملف الإيراني مع حلول يوم النهاية في الاتفاق النووي
- مسؤول فلسطيني: الصليب الأحمر يبحث عن جثامين الإسرائيليين ويت ...
- ما وصفة نجاح مفاوضات الدوحة لحل الأزمة الأفغانية الباكستانية ...
- توتر باكستاني أفغاني.. الدوحة تحتضن مفاوضات بين الجانبين
- نظرية المؤامرة.. -استغراب- يفصل بين الحقيقة والخرافة
- حماس: لا نريد المشاركة بأي ترتيبات لحكم غزة


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - كرم خليل - النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء ويطرد الكفاءات