كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث
(Karam Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 22:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في لحظة بدت فيها الحرب على غزة تتجه إلى تصعيد مفتوح، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يميل إلى خيار الترحيل الكامل للفلسطينيين من القطاع ضمن خطة “الحسم الأمني”، إلا أن ما جرى خلال الأسابيع اللاحقة مثّل تحولًا سياسيًا مفاجئًا في البيت الأبيض، قاد إلى وقفٍ لإطلاق النار وإعادة تموضعٍ في الرؤية الأمريكية للصراع. هذا التحول لم يكن وليد المصادفة، بل نتاج جهد دبلوماسي عربي متشابك أدارته عدة عواصم بخطابٍ موحّد وأدوات ضغطٍ ذكية.
منذ منتصف الصيف، كانت القاهرة والدوحة تتحركان بخطين متوازيين: الأول أمني عبر القنوات الاستخباراتية المصرية التي ضغطت على حركة حماس للقبول بخطة التهدئة، والثاني سياسي–اقتصادي من خلال الدوحة التي عرضت حزمة دعم إنساني مشروطة بوقف العمليات العسكرية. هذا التفاهم غير المعلن بين أكبر وسطاء المنطقة جعل المقترح المصري مطابقًا تقريبًا بنسبة 99% مع المسودة التي أعدّها المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ما سهّل على واشنطن لاحقًا تبنيه كمخرج يحفظ ماء وجه الجميع.
لكن التحول الحقيقي جاء من المستوى الرئاسي العربي. ففي الاجتماع المغلق الذي عُقد في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجد ترامب نفسه أمام موقف عربي وإسلامي موحّد غير مسبوق. أردوغان وأمير قطر تحدثا بصراحة عن مخاطر انفجار إقليمي يهدد مصالح واشنطن وحلفائها، بينما قدّم وزراء السعودية والإمارات والأردن ومصر مقاربات أمنية تُظهر أن استمرار الحرب سيمنح إيران المساحة الكاملة لإعادة التموضع كمدافع عن القضية الفلسطينية. وقد مثّل ذلك، من منظور البيت الأبيض، تهديدًا مباشرًا لمشروع “التحالف الإقليمي المعتدل” الذي كانت الإدارة الأمريكية تراهن عليه لتطبيع شامل مع إسرائيل.
في خلفية هذا المشهد، لعبت أجهزة استخبارات عربية دورًا صامتًا لكنه حاسم، عبر تزويد واشنطن بتقارير ميدانية عن حجم الكارثة الإنسانية واحتمال انهيار الخدمات الأساسية في غزة، وهي تقارير استخدمها البنتاغون ووزارة الخارجية كذريعة داخلية للضغط على ترامب من أجل تعديل موقفه. وحين أدرك الأخير أن أي استمرار في الحرب سيقوّض صورته الدولية ويعرقل خططه الانتخابية، اتخذ قراره بالموافقة على اتفاق وقف النار الذي حمل الطابع العربي في جوهره.
ما حدث ليس مجرد إنجاز دبلوماسي عابر، بل تحول استراتيجي في مفهوم التأثير العربي داخل النظام الدولي. لقد أظهر هذا الملف أن التنسيق المدروس بين القوى الإقليمية، حين يُدار على قاعدة المصالح الواقعية لا الشعارات، قادر على تعديل مواقف واشنطن نفسها. والأهم أنه أعاد طرح القضية الفلسطينية في سياق جديد: ليس كصراع حدودي، بل كبوابة لإعادة رسم توازنات القوة في الشرق الأوسط.
#كرم_خليل (هاشتاغ)
Karam_Khalil#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟