أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - أزمة الهوية السياسية لدى النخب المهاجرة: بين الولاء والانتماء














المزيد.....

أزمة الهوية السياسية لدى النخب المهاجرة: بين الولاء والانتماء


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 12:02
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاجتماعية، تبرز ظاهرة لافتة تستحق التأمل: سلوك بعض النخب السياسية من أصول مهاجرة حين يتقلدون مناصب رفيعة في الدول الغربية الديمقراطية. هذه الظاهرة لا تتعلق فقط بالسياسات التي يتبناها هؤلاء المسؤولون، بل تمتد إلى عمق أزمة الهوية والانتماء، وما يرافقها من توتر داخلي بين الأصل والولاء، وبين الماضي والحاضر، وبين ما يُراد إثباته وما يُراد نسيانه.

الولاء المفرط كآلية دفاع نفسي: حين يصل شخص من خلفية ثقافية أو عرقية مغايرة إلى موقع سياسي مؤثر في دولة ديمقراطية غربية، يجد نفسه أمام اختبار مزدوج: إثبات الكفاءة المهنية، وإثبات الولاء الوطني. هذا الاختبار غالبًا ما يكون غير معلن، لكنه حاضر بقوة في الخطاب العام، وفي نظرة الإعلام والجمهور، وحتى في نظرة المسؤول لنفسه.

في هذا السياق، يظهر ما يمكن تسميته بـ”الولاء المفرط”، وهو سلوك يتسم بالمبالغة في الدفاع عن سياسات الدولة، حتى وإن كانت تلك السياسات تتعارض مع مصالح الشعوب التي ينتمي إليها المسؤول من حيث الأصل. هذا الولاء لا ينبع دائمًا من قناعة سياسية، بل قد يكون آلية دفاع نفسي ضد شعور دفين بالدونية أو الخوف من الاتهام بعدم الانتماء الكامل.

المفارقة بين الأصل والموقف السياسي
المفارقة الكبرى تكمن في أن بعض المسؤولين من أصول مهاجرة يتبنون مواقف أكثر تشددًا من نظرائهم من السكان الأصليين. ففي حين يسمح النظام الديمقراطي الغربي بقدر من النقد الذاتي، كما نراه في مواقف بعض القادة الذين لا يترددون في انتقاد سياسات دولهم، نجد أن المسؤول “المهاجر” يتجنب هذا النقد، بل يبالغ في الدفاع عن السياسات الرسمية، وكأنه يريد أن يثبت أنه “أكثر وطنية” من أبناء البلد أنفسهم.

هذه المفارقة تطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة الانتماء السياسي، وهل هو مجرد موقف ظرفي، أم أنه انعكاس لتكوين نفسي واجتماعي معقد؟ وهل يمكن للهوية الأصلية أن تتعايش مع الولاء الوطني دون أن تتحول إلى عبء أو عقدة؟

الحالة العربية: الانبهار بالمظاهر وتجاهل المضمون: في العالم العربي، لا تزال الجماهير تميل إلى الانبهار بالمظاهر والرموز، فتغفل عن تقييم الأداء السياسي الحقيقي. يكفي أن يتحدث مسؤول غربي من أصول عربية بكلمات مؤثرة عن القضية الفلسطينية، حتى يُرفع إلى مصاف القادة التاريخيين، دون النظر إلى مواقفه الفعلية أو سياساته تجاه قضايا المنطقة.
هذا الانبهار لا يعكس فقط أزمة في الوعي السياسي، بل يكشف عن خلل في معايير التقييم. فبدلًا من تحليل السياسات والمواقف، يتم التركيز على الخطاب العاطفي، وعلى الهوية الشكلية، وعلى الانتماء العرقي، وكأن مجرد الأصل العربي كافٍ ليمنح الشخص شرعية سياسية في نظر الجماهير.

الإعلام ودوره في تشكيل الصورة: يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تكريس هذه الظاهرة، من خلال تسليط الضوء على الجوانب الرمزية، وتجاهل الجوانب التحليلية. فحين يتحدث مسؤول من أصل عربي في محفل دولي، يتم التركيز على لغته العربية، وعلى خلفيته الثقافية، وعلى تصريحاته العاطفية، دون التوقف عند سياساته الفعلية، أو مواقفه من قضايا المنطقة.
هذا التناول الإعلامي يساهم في خلق صورة نمطية، تجعل من المسؤول “المهاجر” رمزًا للنجاح والتمثيل، حتى وإن كانت سياساته لا تخدم مصالح الشعوب التي ينتمي إليها. وهنا تبرز مسؤولية الإعلام في إعادة تشكيل الخطاب السياسي، وفي تعزيز ثقافة النقد والتحليل، بدلًا من الاكتفاء بالانبهار والانفعال.

المسؤولية الأخلاقية للنخب المهاجر : لا يمكن تحميل المسؤولين من أصول مهاجرة مسؤولية أزمة الوعي السياسي في المجتمعات العربية، لكن يمكن الحديث عن مسؤولية أخلاقية تقع على عاتقهم، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا عادلة مثل القضية الفلسطينية، أو حقوق الشعوب في التحرر والعدالة.
هذه المسؤولية لا تعني أن يتبنوا مواقف متطرفة أو شعبوية، بل أن يحافظوا على قدر من التوازن بين الولاء الوطني للدولة التي ينتمون إليها سياسيًا، وبين الانتماء الأخلاقي والثقافي للشعوب التي ينتمون إليها من حيث الأصل. هذا التوازن ليس سهلًا، لكنه ممكن، ويحتاج إلى شجاعة سياسية، وإلى وعي عميق بطبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه المسؤول “المهاجر” في بناء جسور بين الثقافات، بدلًا من قطعها.

التاريخ السياسي الحديث مليء بالأمثلة التي تعكس هذه الظاهرة. من رؤساء دول إلى وزراء ونواب، نجد أن بعضهم تبنى سياسات ساهمت في تعميق الأزمات في المنطقة العربية، رغم أن خلفياتهم الثقافية كانت تؤهلهم لفهم أكثر عمقًا وتعاطفًا مع قضايا المنطقة.

في المقابل، هناك من استطاع أن يحافظ على توازن دقيق بين الانتماءين، وأن يلعب دورًا إيجابيًا في الدفاع عن قضايا عادلة، دون أن يتهم بعدم الولاء أو الانحياز. هذه النماذج تستحق الدراسة، لأنها تقدم بدائل واقعية لسلوك سياسي أكثر نضجًا، وأكثر قدرة على تجاوز عقدة الأصل والانتماء.
إن تجاوز هذه الظاهرة لا يتطلب فقط تغييرًا في سلوك النخب السياسية، بل يحتاج إلى بناء وعي سياسي جديد في المجتمعات العربية، يقوم على التحليل والنقد، وعلى تقييم السياسات لا الأشخاص، وعلى فهم أعمق لطبيعة النظام السياسي العالمي، وكيفية تأثيره على قضايانا المصيرية.

هذا الوعي لا يُبنى بين ليلة وضحاها، لكنه يبدأ من إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الرموز السياسية، ومع الخطاب الإعلامي، ومع مفاهيم الانتماء والولاء، بعيدًا عن العاطفة والانبهار، وبما يضمن قراءة أكثر وعيًا للواقع السياسي العالمي.



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انهيار الحائط الرابع… حين سقطت الهيبة وصارت الأخلاق مادة للت ...
- رمز الدولة السورية بين القداسة والاستهلاك
- من الكراهية إلى العقد الاجتماعي: الطريق إلى سوريا المتحضّرة
- الأسطورة التي هزمت الواقع: قراءة فلسفية في صورة صلاح الدين
- كيف نجح الزعماء العرب في تغيير موقف ترامب من حرب غزة؟
- أنبياء القرآن… أنوار الهداية في مسيرة الإنسان
- بين البلشفية والبرغماتية: أين يقف المبدأ وأين تبدأ النتيجة.؟
- النمسا بين فخّ التقشّف وسوء التخطيط: اقتصاد يعاقب الفقراء وي ...
- الفكر الجمعي بين الجمود والتحول: أزمة الوعي العربي في مرآة ا ...
- سوريا الجديدة… في البحث عن الأخلاق المفقودة والعقد الاجتماعي ...
- المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري
- ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...


المزيد.....




- مبيعات تسلا في الصين تتراجع إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات ...
- ضاحي خلفان: -إخوان- السودان لن يغيروا في حب الإماراتيين للشع ...
- -ضربات جوية مجهولة على قوافل إمدادات الدعم السريع- بالسودان. ...
- كاتس يمنع ضباط الجيش الإسرائيلي من التحدث للصحفيين دون موافق ...
- شاهد.. رصد -إعصار بركاني- بالقرب من موقع ثوران -كيلاويا- في ...
- قيادي بمجلس النواب يحدد موعد التصويت لإعادة فتح الحكومة الأم ...
- سقطت ببركة مجاورة.. لحظة تحطم طائرة قيل إنها تنقل مساعدات لج ...
- -تطرحون الموضوع مع الشخص الخطأ-.. هكذا أجاب أحمد الشرع على س ...
- -اتمنى العودة يوماً ما-.. ميسي يستعيد ذكرياته في -كامب نو- خ ...
- فيديو - الشرع: ترامب لم يناقش ماضيّ وأشعر بالألم تجاه ضحايا ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كرم خليل - أزمة الهوية السياسية لدى النخب المهاجرة: بين الولاء والانتماء