أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر احمد - اللغة العربية: من جذور الكتابة الأولى إلى لغة عالمية رسمية














المزيد.....

اللغة العربية: من جذور الكتابة الأولى إلى لغة عالمية رسمية


جابر احمد

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


في اليوم العالمي للغة العربية، لا يُستعاد حضور هذه اللغة بوصفها وسيلة تواصل فحسب، بل باعتبارها خلاصة تاريخ طويل من التراكم الحضاري واللغوي، بدأ مع فجر الكتابة الأولى في الشرق القديم، وانتهى بها إلى أن تكون واحدة من أهم لغات العالم المعاصر.
تعود بدايات الكتابة – كما يؤكد عدد من الباحثين في تاريخ الحضارات، ومنهم عالم الآثار الدكتور خزعل الماجدي – إلى الاكتشاف السومري للكتابة المسمارية، حين بدأ الإنسان لأول مرة تدوين أفكاره وتاريخه على الرقع الطينية. بهذا الاكتشاف يمكن القول إن “التاريخ المكتوب” قد بدأ فعليًا في بلاد ما بين النهرين، حيث تشكلت أولى اللبنات الكبرى للوعي الإنساني المنظم.
ومع أن اللغة السومرية نفسها ليست عربية، إلا أن أهمية الحضارة السومرية تكمن في كونها أصلًا تأسيسيًا لمسار تطور الكتابة في المنطقة، إذ انتقلت فكرة التدوين من السومريين إلى الأكديين، ثم البابليين والآشوريين، لتستمر بعد ذلك في الحضارات السامية اللاحقة. هذا الامتداد الحضاري يجعل من الشرق الأدنى القديم فضاءً مشتركًا لتطور اللغات والأنظمة الكتابية، وهو ما يفسر القول بأن العربية “ضاربة في عمق التاريخ”، لا من حيث الشكل النهائي، بل من حيث الجذور الحضارية التي نشأت فيها.
مع مرور الزمن، تطورت الكتابة في المنطقة من الأنظمة المقطعية إلى الأبجديات الصوتية، وكان للفينيقيين دور محوري في هذا التحول. فقد أسست الأبجدية الفينيقية نموذجًا مبسطًا انتقلت عنه معظم أبجديات العالم القديم. ومن هذه الأبجدية، تفرعت الأبجدية الآرامية، التي أصبحت بدورها لغة كتابة وإدارة واسعة الانتشار في المشرق، خصوصًا في ظل الإمبراطوريات الكبرى.
هنا تبدأ المرحلة الأهم في تشكل الأبجدية العربية. فقد انتقل الخط الآرامي إلى شمال الجزيرة العربية، وتحديدًا عبر الأنباط في جنوب بلاد الشام. استخدم الأنباط الآرامية في الكتابة الرسمية، بينما كانت لغتهم المحكية أقرب إلى العربية القديمة. هذا التداخل اللغوي أدى تدريجيًا إلى نشوء ما يُعرف بالخط النبطي، الذي يُجمع الباحثون المعاصرون على أنه الأصل المباشر للأبجدية العربية.
وبين القرنين الثالث والسادس الميلاديين، شهد هذا الخط النبطي تحولات شكلية وصوتية، جعلته يقترب أكثر فأكثر من العربية المكتوبة. وتظهر النقوش العربية المبكرة – مثل نقش زَبَد (512م) – هذه المرحلة الانتقالية بوضوح، حيث نلاحظ ملامح الحروف العربية قبل أن تستقر في صورتها النهائية.
مع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، دخلت اللغة العربية مرحلة جديدة وحاسمة من تاريخها. فقد أصبحت لغة القرآن الكريم، وهو ما منحها قداسة خاصة، وجعل الحفاظ عليها وضبطها أمرًا دينيًا وثقافيًا في آن واحد. ومن هنا بدأت جهود تقعيد اللغة، وتطوير علم النحو، وإضافة النقط وعلامات التشكيل، لضمان سلامة القراءة والفهم.
لم يقتصر أثر القرآن على حفظ العربية، بل ساهم في توحيدها ونشرها على نطاق واسع، مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية. تحولت العربية إلى لغة إدارة وعلم وفلسفة، وأصبحت وعاءً حضاريًا استوعب علوم الأمم الأخرى، من الفرس واليونان والهنود، ثم أعاد إنتاجها بلغة عربية دقيقة ومتماسكة.
ومع مرور القرون، حافظت العربية على استمراريتها الفريدة، إذ ظلت اللغة الفصحى مرجعًا موحدًا، رغم تعدد اللهجات المحلية. واليوم، يتحدث العربية أكثر من 250 مليون إنسان كلغة أم، في حين يستخدمها ما يزيد على مليار ومئتي مليون مسلم في شعائرهم الدينية، ما يمنحها حضورًا عالميًا يتجاوز الحدود القومية.
لهذه الأسباب مجتمعة – التاريخية، والدينية، والديموغرافية، والثقافية – لم يكن اختيار اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة أمرًا شكليًا أو رمزيًا. فقد اعتمدت العربية ضمن اللغات الرسمية الست للمنظمة الدولية، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية، اعترافًا بثقلها الحضاري ودورها في التواصل الدولي.
إن اللغة العربية، في جوهرها، ليست مجرد نظام لغوي نشأ في لحظة معزولة، بل هي حصيلة مسار طويل بدأ مع أولى محاولات الإنسان لتدوين فكره، وتطوّر عبر الحضارات السامية، حتى بلغ ذروته مع القرآن الكريم، ثم واصل حضوره إلى العصر الحديث كلغة عالمية حية.
وهكذا، فإن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية هو احتفاء بتاريخ الإنسانية ذاته، وبقدرة لغة واحدة على الجمع بين الأصالة والتجدد، وبين الجذور العميقة والحضور العالمي المستمر.

ملاحظة اخيرة تم اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في هيئة الامم المتحدة في 18 / 12 / 1973



#جابر_احمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعتقالات التعسفية تطال عددًا من المواطنين العرب في حي المل ...
- إقليم الأهواز بين التهميش المتعمّد وتغيير النسيج السكاني
- اليوم العالمي لحقوق الإنسان: مناسبة للتذكير بالكرامة الإنسان ...
- المذهب واللغة الفارسية: المشروع الثقافي الجديد للسياسة الإير ...
- انتهاكات حقوق الإنسان في الأهواز ومسؤولية المجتمع الدولي
- يوم الاستقلال الفنلندي… يوم ذو معنى وامتنان
- البطالة والتمييز يدفعان شابًا عربيًا إلى الانتحار في ناحية ا ...
- ملف موت هور العظيم: من صمت ابتكار إلى كارثة مفتوحة
- اعتقال الفنانين الأهوازيين: استحضار لظلال النازية والفاشية ف ...
- الأسباب التي دفعت الشاب الأهوازي أحمد البالدي إلى إشعال النا ...
- لماذا تم اعتقال عالم علم الاجتماع الدكتور سنكسري؟ ولماذا طُر ...
- لن ننسى مجزرة معشور، ولن يفلت الجناة من العقاب
- وفاة الشاب أحمد البالدي… شرارة الغضب التي كشفت مأساة الأهواز
- تدمير البيئة في إقليم الأهواز العربي: قراءة في السياسات الما ...
- وفاة الشاب الأهوازي أحمد البالدي
- تصاعد الغضب الشعبي بعد محاولة شاب أهوازي إحراق نفسه احتجاجًا ...
- ظاهرة الانتحار في إقليم الأهواز: بين القهر القومي والتدهور ا ...
- معاناة السيدة مريم زبيدي في سجن سبيدار بالأهواز
- منظمة حقوق الإنسان الأهوازية تدين التمييز العنصري ضد العمال ...
- منظمة حقوق الإنسان الاهوازية تدين اعتقال عمال شركة الصلب وال ...


المزيد.....




- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025
- فيلم -القصص- المصري يفوز بالجائزة الذهبية لأيام قرطاج السينم ...
- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر احمد - اللغة العربية: من جذور الكتابة الأولى إلى لغة عالمية رسمية