عدنان سلمان النصيري
الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 18:50
المحور:
كتابات ساخرة
الإنسان لا يعيش بلا معبود؛ فإن لم يجد إلهًا في السماء، صنع واحدًا على مقاس شاشته..
منذ فجر التاريخ وهو يبدّل الأسماء، لا الفكرة: خوفٌ، طاعة، ثم وعدٌ مؤجَّل بالخلاص… مع خصمٍ خاص للعصاة.
كل دين يبدأ بالوصايا، وينتهي بإدارة العقاب. وحين تجرأ الإنسان وادّعى أنه تحرّر بالعقل، اكتشف أن العقل نفسه يحتاج راعيًا، فسلّمه طوعًا إلى الغيب، ثم عاد فاستلمه اليوم ممهورًا بختم الخوارزمية.
لم نعد بحاجة إلى سماوات سبع؛ خادمٌ سحابي واحد يكفي. ولا إلى ملائكة؛ فريق دعم فني يتولى الحساب. أما جهنم، فقد اختُصرت بزرّ أنيق: ((تم حذف المحتوى لخرقه معايير المجتمع)) .
في هذا الدين الجديد، الصلوات تُؤدّى عموديًا، والسجود يكون بالتمرير المتواصل. عدد المتابعين ميزان الأعمال، وعدد المشاهدات دليل القبول. من قَلَّ ذكره، قَلَّ إيمانه. ومن غاب عن البثّ، سقط من سجلّ الأحياء.
الذنوب هنا لا تُغفَر، بل تُؤرشف. لا شفاعة ولا توبة نصوح، فذاكرة المنصّة لا تنسى، والخطايا تُبعث يوم القيامة مع لقطات الشاشة. حتى النسيان أصبح محرّمًا.
أمّا أهل الفردوس، فهم المختارون من الروبوتات البشرية الجديدة : فهم وحدهم صُنّاع المحتوى المباركون، الذين تُفيض عليهم الخوارزمية من نعمها، فيُبجَّلون بلا سبب، ويُعاد نشر تفاهتهم باعتبارها حكمة العصر. يُحسَدون لا لأنهم أفضل، بل لأنهم (متوافقون مع السياسات) .
ومن خرج عن الجماعة، أو فكّر بصوتٍ مرتفع، أو كتب دون أن يستشير شروط الاستخدام، فله عذابٌ لا يُرى: ظلٌّ رقمي، حساب موجود بلا وجود، حضورٌ بلا أثر… أسوأ من العدم.
طوبى للمطيعين، الذين آمنوا ولم يسألوا، وصدّقوا ولم يفكّروا، وسجدوا للخوارزمية سجدتهم اليومية.
فأولئك، وحدهم، لا خوفٌ عليهم…إلّا من تحديثٍ مفاجئ،ولا هم يحزنون.. إلّا إذا انقطع الإنترنت.
الكاتب/ عدنان النصيري
#عدنان_سلمان_النصيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟