عدنان سلمان النصيري
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تُحكى في الموروث الشعبي قصةٌ شهيرة عن وليمة الثعلب واللقلق، حيث دعا الثعلبُ الماكرُ صديقه اللقلق إلى مأدبة عامرة، وقدّم له الحساء في طبق مسطّح، لا يقدر اللقلق – بطول منقاره – على أن يذوق منه شيئًا. جلس الثعلب أمام ضيفه يتظاهر بالكرم، فيما كانت نواياه تتلذذ بالإحراج والمكر.
لكن اللقلق لم ينسَ الدرس. وبعد أن دارت الأيام، ردّ الدعوة بمكرٍ مماثل، فدعا الثعلب إلى وليمة، وقدّم له الطعام في إناء طويل العنق، لا يستطيع الثعلب أن يصل إليه. أكل اللقلق حتى شبع، وخرج الثعلب جائعًا مكسورًا كما فعل بصاحبه من قبل.
هذه الحكاية التي تبدو بسيطة في ظاهرها، تختزن رمزية عميقة لعلاقاتٍ يشوبها الغدر وسوء النية، حيث لا مكان للثقة، ولا سبيل للتفاهم إلا بمكرٍ مضاد. وهي تنطبق على مشهدٍ سياسي معقّد، يُعاد فيه إنتاج الأدوار ذاتها، بين خصمين لا يزالان يدوران في حلقةٍ من الشك والعداء، كلٌّ منهما يستحضر دروس الماضي ليحذر من تكرار الخديعة.
إنّ ما يجري اليوم على الساحة السياسية ليس ببعيد عن تلك الحكاية القديمة. فـ"الثعلب" ما زال يجيد فنون الدعوة والمكر، ولو بتكتيك الوساطة من طرف ثالث يتمثل الذئب!
و"اللقلق" لم ينسَ مرارة الحساء الذي لم يذقه. وبين الاثنين، يظهر "الذئب" الوسيط الذي يزعم الحياد، بينما يُدير المأدبة بما يخدم مصالحه الخاصة.
وهنا يبرز السؤال الكبير:
هل سيقبل اللقلق دعوة الثعلب مرة أخرى؟
المنطق والعقل والتجربة جميعها تقول: كلا ورب هُبَل!..
فالخديعة حين تتكرّر، لا تُغتفر، والسياسة حين تُفرغ من الثقة تتحوّل إلى مسرحٍ من الأقنعة والكمائن.
إنها دعوة للتفكير في معنى السلام القائم على الندية لا على الخداع، وعلى المصالح المشتركة لا على الاستغلال. فالنبالة في الصراع لا تُلغي الحذر، لكنّها تذكّر الجميع بأنّ الدهاء وحده لا يصنع مستقبلًا آمنًا، بل يطيل عمر الأزمات ويُراكم الأحقاد!
وفي الختام، يبقى السؤال مفتوحًا أمام ضمير التاريخ:
هل يتعلّم اللقلق أخيرًا أن لا يلبّي الدعوة... مهما كانت رائحة الحساء مغرية؟..
والله يستر.
#عدنان_سلمان_النصيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟