أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - عقلية المؤامرة: حين يتحوّل الوهم إلى عائق استراتيجي أمام بناء الدولة والمؤسسات














المزيد.....

عقلية المؤامرة: حين يتحوّل الوهم إلى عائق استراتيجي أمام بناء الدولة والمؤسسات


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 12:45
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في المجتمعات التي تتعرض لهزّات كبرى، وحروب، وانكسارات سياسية أو عسكرية، لا تظهر نظريات المؤامرة كظاهرة ثقافية هامشية، بل كاستجابة نفسية جمعية تسعى إلى تفسير الصدمة وتخفيف وقعها. غير أن الخطورة الحقيقية تبدأ حين تنتقل هذه النظريات من حيّز التفسير النفسي المؤقت إلى منظومة تفكير دائمة، وإلى أيديولوجيا سياسية معطِّلة للفعل الوطني والمؤسسي.
في علم النفس السياسي، تُعرَّف عقلية المؤامرة بأنها نمط ذهني مغلق يلجأ إلى تفسير الأحداث الكبرى عبر فاعل خفي omnipotent، يمتلك قدرة مطلقة على التحكم في الوقائع. هذا النمط لا ينتج عن فائض وعي، بل عن فقدان السيطرة، وتآكل الثقة، والشعور بالعجز والهزيمة الداخلية. وهو يقدّم إجابات بسيطة لعالم معقّد، لكنه يفعل ذلك على حساب الحقيقة، والعقل، والمسؤولية.
المؤامرة كبديل زائف عن التحليل
توفّر نظرية المؤامرة راحة نفسية آنية؛ فهي تُزيح عبء الفشل عن الذات والمؤسسات، وتُلقيه على “الآخر المتآمر”. غير أن هذه الراحة الزائفة تُنتج آثارًا مدمّرة، لأنها تُلغي منطق التخطيط، وتُفرغ مفهوم المحاسبة من مضمونه، وتستبدل التحليل العلمي بالسرديات الانفعالية.
في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لا وجود لمفهوم “المؤامرة” بوصفه أداة تفسير علمية. ما يوجد هو تحليل مصالح، وبنى قوة، واستراتيجيات، وتحالفات، وبدائل. وكلما ازداد الباحث أو الفاعل السياسي مهنية وتخصصًا، ابتعد تلقائيًا عن براديغم المؤامرة، واقترب من أدوات الفعل العقلاني.
من التفسير إلى الأيديولوجيا
الإشكالية الأعمق ليست في وجود خطاب مؤامرة، بل في تحوّله إلى ثقافة عامة، بل وإلى أيديولوجيا تبريرية، خاصة في المجتمعات التي عاشت تاريخًا طويلًا من الهزيمة والانكسار. عند هذه النقطة، تصبح المؤامرة:
وسيلة لتبرير الفشل السياسي ، أداة لإسكات النقد والمساءلة ، غطاءً لغياب الرؤية والاستراتيجية
مبررًا لتعطيل الإصلاح المؤسسي
وهكذا، يُستبدل منطق “لماذا أخفقنا؟” بمنطق “من تآمر علينا؟”، ويُغلق باب المراجعة الذاتية، وهو الشرط الأول لأي نهوض وطني.
الأثر البنيوي على بناء المؤسسات
الدولة الحديثة تُبنى على الثقة المتبادلة بين المجتمع والمؤسسات، وعلى الشفافية والمساءلة وسيادة القانون. أما عقلية المؤامرة، فهي تقوّض هذه الأسس جميعًا. إذ تؤدي إلى:
تفكيك الثقة العامة بالمؤسسات ، إضعاف الشرعية السياسية ، شلل القرار الاستراتيجي ، تآكل الكفاءة المهنية لصالح الولاءات
تحويل الفشل من حالة قابلة للإصلاح إلى قدر محتوم
وما لا يُقال غالبًا، أن انتشار خطاب المؤامرة هو مؤشر على أزمة عميقة في العقد الاجتماعي، لا سببها فقط.
بين الفعل الاستعماري وخطاب المؤامرة
من الضروري التمييز بين المشاريع الاستعمارية العلنية، التي تقوم على تخطيط، وقوة، وتحالفات معلنة، وبين تحويل كل حدث تاريخي إلى “مؤامرة غامضة”. فالاحتلال، مثلًا، ليس فعلًا سريًا، بل مشروع استعماري موثّق، خُطط له ونُفّذ بأدوات سياسية وعسكرية وقانونية. اختزاله في خطاب المؤامرة لا يخدم التحرر، بل يُضعف القدرة على مواجهته بوسائل واقعية وفعّالة.
المؤامرة كأداة حكم
تاريخيًا، استخدمت أنظمة سلطوية خطاب المؤامرة لتبرير إخفاقاتها، وإدامة سيطرتها، وتعطيل أي مساءلة داخلية. فحين يُزرع الشك بدل الثقة، والخوف بدل المشاركة، يتحوّل المجتمع إلى كتلة مشلولة تنتظر “ما يُحاك لها”، بدل أن تصنع مستقبلها.
من وهم المؤامرة إلى استراتيجية الفعل
التحرر من عقلية المؤامرة لا يكون بالإنكار أو السخرية، بل عبر:
بناء مؤسسات شفافة وقابلة للمساءلة ، تعزيز التفكير النقدي في التعليم والإعلام ، الاعتراف بالفشل كمدخل للإصلاح لا كوصمة ، الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق التخطيط الاستراتيجي ، إعادة الاعتبار لدور الجماهير كقوة فاعلة لا كضحايا دائمين
ونختم بالقول ؟؟؟ إن أخطر ما في عقلية المؤامرة أنها تُنتج وعيًا زائفًا بالعالم، وتمنح إحساسًا كاذبًا بالفهم، مقابل تدمير حقيقي لإرادة الفعل والتغيير. فالأمم لا تُهزم فقط حين تتآمر عليها القوى الكبرى، بل حين تفقد شجاعتها في التفكير، وقدرتها على النقد، وثقتها بذاتها وبمؤسساتها.
وبين وهم المؤامرة ومنهج الفعل العقلاني، يتحدد مصير الدول… ومستقبل المشاريع الوطنية.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- **الحركة التعاونية في فلسطين: إلى أين؟
- عبثاً تحارب إسرائيل “الأونروا”
- فلسطين دولة تحت الاحتلال… والحاجة الملحّة إلى حوار وطني شامل
- «مملكة يهوذا والسامرة»:
- حين تُهزم القوة وتنتصر الحيلة: قراءة عربية في مأزق الصراع
- مطلوب تحرك أممي عاجل لوقف المخططات الإسرائيلية لتغيير الجغرا ...
- تنهيدة كرامة: صمود المواطن الفلسطيني في مواجهة أزمات متعددة
- أهمية المشاركة الفلسطينية في مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب ...
- العدوان على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين: شروط العودة الإسرائ ...
- الذئب والكلب: وفاء مهدر وشجاعة ممجدة… عبرة من الطبيعة للبشر
- خطة تقسيم غزة… قراءة تحليلية في الدلالات القانونية والاسترات ...
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد 77 عاماً: بين المبادئ والو ...
- -انتفاضة الحجارة-.. بعد ثمانية وثلاثين عامًا: قراءة استراتيج ...
- قرار الكنيست بإلغاء قانون الأراضي الأردني: انتهاك للشرعية ال ...
- صناعة المحتوى الرقمي: أمانة الكلمة ومسؤولية المجتمع والقانون
- بين -مجلس السلام- و-الهيكل الحاكم في غزة-... قرارات فوقية تت ...
- شبكات التضليل والإعلام المأجور… معركة الوعي في مواجهة محاولا ...
- مؤتمر إسرائيل هيوم في نيويورك: تعزيز التحالف الأميركي–الإسرا ...
- -سقوط المؤامرات: كيف ينهار زيف الأكاذيب أمام وعي الشعوب-
- اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025: اختبار للمعايير الإن ...


المزيد.....




- تركيا تحقق في تحطم مسيّرة روسية غرب أراضيها
- ترامب لا يستبعد الحرب على فنزويلا وعقوبات جديدة لمقربين من م ...
- -غرين كارد-.. لماذا استهدف ترامب برنامج تأشيرة التنوع منذ ول ...
- الشرع يهنئ السوريين من جبل قاسيون على رفع العقوبات
- واشنطن تدعو لهدنة بالسودان في العام الجديد وتوعّد أفريقي للد ...
- رسالة جندي أميركي على قذيفة قبل إطلاقها على سوريا..ماذا كتب؟ ...
- فيديو.. الجيش الأميركي ينشر لقطات لضرباته في سوريا
- غارديان: شركات مسجلة في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين في ا ...
- هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قريبا؟
- الجيش الأميركي يعلن قصف أكثر من 70 هدفا -داعشيا- في سوريا


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - عقلية المؤامرة: حين يتحوّل الوهم إلى عائق استراتيجي أمام بناء الدولة والمؤسسات