أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هدى زوين - أيادٍ بين الضمير والسلطة














المزيد.....

أيادٍ بين الضمير والسلطة


هدى زوين
كاتبة

(Huda Zwayen)


الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 20:12
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في زمنٍ ما، تحرّكت جيوشٌ سبقت قياداتها بنظامٍ متمرّس، مدعومة بإيمانٍ راسخ بقدرة الوطن على النهوض من بين الركام. كانت الأيادي تبني، والعقول تُخطّط، والقلوب تخفق بحبّ الأرض التي أنجبت الأبطال وخلّدت الأمجاد. كان الوطن آنذاك حصنًا من عزيمة لا تُقهر، لا يخرج منه إلا من خان أو تخلّى عن الشرف.

لكن مع مرور الزمن، بدأت الملامح تتبدّل. تسرّب الوهن إلى الصفوف، وظهر بيننا من يشبه الرجال في المظهر، لكنه بعيد كل البعد عن معدنهم الأصيل. رفعوا رايات الإصلاح، وتغنّوا بشعارات الوطنية، وتحدّثوا كثيرًا عن النزاهة، لكنهم حوّلوا الوطن إلى ساحة لتقاسم النفوذ والمصالح. صار الحصن الذي حمى الأحرار، مسافةً قاسية بين من يضحّون من أجل الوطن، ومن يتاجرون باسمه.

إنها مسافة من نوعٍ آخر… ليست من الرمل أو الحجر، بل من الفساد والطمع والصمت المريب. مسافة تُخفي خلفها وجوهًا تبتسم أمام الكاميرات، وتطعن في الخفاء. في زمنٍ كهذا، صار الشرف عملة نادرة، والصدق يُكافأ بالإقصاء، والحق يُدفن تحت أقدام المصالح.

لقد اعتاد هؤلاء بيع الوهم للناس. يتحدثون عن حبّ الوطن وكأنه خطاب موسمي، يرفعونه حين يحتاجون الأصوات، ويُسقطونه حين يتقاسمون الغنائم. يملؤون الشاشات بالكلمات الجميلة، لكنهم في العمق يعيشون في العتمة، حيث لا نور ولا ضمير. أمّا الوطن، فقد صار رهينةً بين أيديهم، يصرخ ولا يسمع أحد صوته.

ومع كل هذا الظلام، يبقى في هذا الوطن رجال ونساء من طين الصبر وأرواح من ضوء، لا يخافون العتمة ولا يبيعون مواقفهم. أولئك الذين ما زالوا يؤمنون أن الأوطان تُبنى بالضمير لا بالمصالح، وبالصدق لا بالخطابات. هم الجنود المجهولون في زمنٍ فقد ملامحه، يحملون وجع الأرض في صدورهم ولا يطلبون ثمنًا.

ليست القضية حفرة في الأرض، بل مسافة فاصلة بين الضمير والسلطة، بين الكلمة الصادقة والوعود الكاذبة. وكلما اتّسعت هذه المسافة، ازداد ثقل الحقيقة، وصعب الوصول إليها.

لكنّ التاريخ لا يرحم، والوطن لا يُباع، والأجيال لا تُخدع إلى الأبد. فمهما طال ليل الخيانة، ستشرق شمس الوعي، ومهما تعاظمت الجراح، سيأتي يوم يضمدها الأحرار بخطواتهم الثابتة.

ذلك اليوم، لن يكون للمدّعين مكان، لأن الأوطان لا تُبنى بالتصريحات ولا بالشعارات، بل بالضمير، وبالصدق، وبمن يجعل من حبّ الوطن عقيدةً لا مصلحة. وحتى يحين ذلك اليوم، سيبقى الصوت الحرّ يكتب، يصرخ، ويفضح ما خفي خلف الجدران.
فـ أيادٍ بين الضمير والسلطة ليست قدرًا… بل صراعًا لا يُحسم إلا بوعي الأحرار.



#هدى_زوين (هاشتاغ)       Huda_Zwayen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهرجانات… حين تبتلعها النزوات
- رجال الظل.. حراس لا تُرى آثارهم
- الرواية الغامضة بين زمنين
- أعاصير الغربان: نبوءةُ عاصفةٍ تحوّلُ مصير الأوطان
- الرداء الأبيض...من نور البداية إلى سكون الرحيل
- من فلسطين إلى لبنان الجنوب… أرض وهوية لا تنكسر
- أزمة وطن في دائرة مغلقة
- محطات الإنسان في رحلة الحياة
- الفصول تعود... والبشر يرحلون عن أنفسهم
- الإنسانية المنكسرة في زمن السرعة
- الوطن بيتنا الكبير: التآخي طريق الكرامة والحرية
- جوهر الرجولة بين البقاء والاندثار
- بين الغابة والمدينة… ضياع الإنسانية في عصرنا
- الكورد: شعب الجبال وروح الحرية
- السلام ثمرة العدالة
- أصوات الفن المسلوبة: من الإبداع إلى الإهمال
- في حضرة الجنوب… الأرض تكتب أسماء شهدائها...
- الحياة ومعادلة التوازن الإنساني..
- العمل شرف لا ينتظر الوظيفة
- الصفقات الهستيرية: دائرة مفرغة من الفساد والتكرار


المزيد.....




- منفذو هجوم شاطئ بوندي المزعومون زاروا منطقة معروفة بالتطرف ف ...
- هل ينفد الكون من النجوم الجديدة؟
- ترامب يوسع حظر السفر إلى الولايات المتحدة ليشمل 7 دول إضافية ...
- تونس في ذكرى الثورة : مسيرات لأنصار الرئيس وسط احتقان سياسي ...
- سجن بعد تصريحات حول الأمازيغية ثم عفا عنه تبون... من هو المؤ ...
- مجلس الصحافة الألماني يوبخ -بيلد- بسبب تغطيتها استشهاد أنس ا ...
- مادورو محذرا الأميركيين: لا نريد فيتنام جديدة
- عون: نسعى لإبعاد شبح الحرب والتفاوض لا يعني استسلاما
- -أبواب أميركا تُغلق-.. مرسوم ترامب يفجر جدلا واسعا على المنص ...
- موقع إيطالي: 3 نقاط ضعف تهدد الدفاع الجوي الروسي


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هدى زوين - أيادٍ بين الضمير والسلطة