فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 12:05
المحور:
سيرة ذاتية
ربما يبدو من الصعب تقديم تعريف جامع مانع للبروفيسور الأمريكي جيفري ساكس، لا سيما أنه أحد أهم الأصوات الأمريكية المعاصرة، حضورًا وإلقاءً، حتى لو قدِّر له الاختلاف الواسع والشاسع مع أركان إدارة الرئيس رونالد ترامب، وكذلك مع تيار «أمريكا العظمى»، عطفًا على مواقفه الحاسمة والحازمة من دولة الاحتلال.
وللحديث عن المفكر الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس وعن أفكاره النهضوية، يقودنا إلى مقالٍ نُشر على موقع «independent» عربية، يذكر: على رغم أن مجال تخصصه الرئيس هو الاقتصاد، فإن حضوره الدولي يتجاوز جمود النظريات الاقتصادية إلى رحاب الرؤية الكونية، لا سيما في عالم يتحرك بسرعات هائلة في زمن الذكاء الاصطناعي.
في الأشهر الأخيرة التي تلت فوز الرئيس الأمريكي ترامب بالولاية الثانية، ومع التوجهات المثيرة لسيد البيت الأبيض وآخرها نشر قوات الحرس الوطني في العاصمة واشنطن، بدأ الجميع تواقًا داخل أمريكا وخارجها للاستماع إلى البروفيسور ساكس، ورُؤاه عن أمريكا والعالم، وبصورة خاصة، وانطلاقًا من مجال تخصصه الرئيس، أي الاقتصاد، عن الآثار المتوقعة لفكرة التعريفات الجمركية التي فرضها، ولا يزال يفعل الرئيس الأمريكي، وقد كان آخرها ما فعله مع الهند التي تعد حليفة رئيسة للولايات المتحدة كنوع من العقوبات بسبب شرائها النفط الروسي.
من هو جيفري ساكس؟ ومن أين لنا بداية القصة؟
ساكس من مواليد 1954، نشأ في مدينة «أوك بارك» بولاية ميشيغان الأمريكية، ووُلد لعائلة يهودية، تخرج في مدرسة «أوك بارك» الثانوية ومنها انتقل إلى جامعة «هارفرد» العريقة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الآداب، وهناك أكمل دراساته للماجستير والدكتوراه في علم الاقتصاد.
عبر مسيرة علمية طويلة تبدت إمكانات ساكس العلمية والفكرية، ومع ترقيه عديدًا من المناصب الدولية بات محط أنظار في الداخل الأمريكي، وفي أوروبا، لا سيما في الفترة الفاصلة بين الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، وصولاً إلى انفراد الولايات المتحدة بمقدرات الهيمنة الأممية.
يشغل في الوقت الراهن منصب مدير مركز التنمية المستدامة بجامعة «كولومبيا»، ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
في الفترة ما بين 2001 و2009 عمل مستشارًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة، وشغل المنصب نفسه في عهد الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
ساكس هو المؤسس المشارك والرئيس الاستراتيجي لتحالف «وعد الألفية»، وهي منظمة غير ربحية مكرسة للقضاء على الفقر المدقع والجوع.
كتب العديد من الكتب وحصل على عديد من الجوائز، وقد حظيت آراؤه حول الاقتصاد وأصل «كوفيد-19» والحرب الروسية الأوكرانية بالاهتمام والنقد.
عبر مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية ذائعة الصيت، يصف ساكس المرحلة الحالية من تاريخ البشرية بأنها غير مسبوقة، نتيجة لتلاقي ثلاثة اتجاهات مترابطة: أولاً، وهو الأهم، انتهى النظام العالمي الذي يقوده الغرب، والذي تهيمن فيه دول منطقة شمال الأطلسي على العالم عسكريًا واقتصاديًا وماليًا. ثانيًا، ستؤدي الأزمة البيئية العالمية التي اتسمت بتغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، وتدمير التنوع البيولوجي، والتلوث الهائل للبيئة، إلى تغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي والحوكمة. ثالثًا، سيحدث التقدم السريع في التقنيات في مجالات متعددة، الذكاء الاصطناعي والحوسبة والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الجيولوجية، اضطرابًا عميقًا في الاقتصاد والسياسة العالميين.
هل تعني كلمات ساكس هذه أن حال اليقين هي الثابتة الوحيدة في حاضرات أيامنا، وأن ما خلا ذلك متغيرات؟ وإذا كان الأمر بالفعل على هذا النحو، فإن علامة الاستفهام التي تطرح ذاتها في هذا الإطار «هل المؤسسات الدولية الحاضرة التي انبثقت عن نهاية الحرب العالمية الثانية لا تزال تعد صالحة للعمل في العقد الثالث من القرن الـ21؟»
يعتقد جازمًا أن المؤسسات الأممية القائمة، سواء الوطنية أو الدولية، لا ترقى إلى مستوى الحوكمة في عالمنا سريع التغير.
يعود بناء ساكس إلى ما قاله عالم الأحياء الكبير إدوارد ويلسون 1929-2021 من أننا «دخلنا القرن الـ21 متعثرين بمشاعر العصر الحجري ومؤسسات العصور الوسطى وتقنيات شبه إلهية»، وكان يقصد بذلك أننا نواجه تحدياتنا اليومية بالطبيعة البشرية المعرفية والعاطفية الأساسية التي شكلها التطور البشري قبل عشرات آلاف السنين، وبمؤسسات سياسية تشكلت منذ قرون (وضع دستور الولايات المتحدة عام 1787)، وبسرعة التقدم التكنولوجي الهائلة (فكر في «شات جي بي تي» وكيف أنه أحدث العجائب).
هل من حقيقة مؤكدة تواجهها بشريتنا المعاصرة؟
بحسب رأيه، لعل الحقيقة الأساسية للتغيير المجتمعي العميق هي عدم اليقين، وردّ الفعل الأساس عليه هو الخوف. هناك واقع الأمر تناقض جوهري ربما يعوق مسيرة إنسانيتنا المهدده، ذلك أنه في وقت يمكن للتقدم التكنولوجي، إذا استخدم بصورة صحيحة، أن يحل مشكلات لا تحصى في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية (مثل تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية من خلال الاتصال الرقمي)، والاستدامة البيئية، مثل الانتقال السريع إلى مصادر طاقة خالية من الكربون، إلا أنه على رغم ذلك، فإن المزاج السائد اليوم بعيد كل البعد من التفاؤل، بخاصة في الغرب.
حين يتوقف ساكس مع الغرب، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه وبقوة على موائد الحوار: «كيف ينظر الرجل إلى الهيمنة التاريخية للغرب، تلك التي استمرت قرابة خمسة قرون؟ وهل يمكن أن تمضي من جديد إلى الأمام، أم أن الوقت قد حان لتغيير التراتبية الأممية، لا سيما حال ظهور قوى قطبية أخرى مغايرة؟».
يعتبر ساكس أن أكبر مخاوف القادة السياسيين الأمريكيين والأوروبيين هو أن يفقد الغرب هيمنته بعد قرون، وأن فقدانها سيؤدي، بطريقة ما، إلى عواقب كارثية، وقد عبّر رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون عن هذا الخوف الغربي صراحة في مقال نُشر في 2024 بصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، عندما صرح بأنه إذا خسر الغرب الحرب في أوكرانيا، فستكون تلك نهاية الهيمنة الغربية.
هل هنا يكمن بالفعل الجوهر الحقيقي للحرب الأوكرانية؟ بمعنى أنها أكبر وأخطر من مجرد صراع عسكري بين موسكو وكييف؟
يرى ساكس أن المشهد الأوكراني هو بالفعل جوهر الصراع الغربي - الشرقي، عطفًا على عديد من الصراعات العالمية الأخرى. وليس خافيًا أن الولايات المتحدة تسعى وحلفاؤها إلى توسيع حلف «الناتو» ليشمل أوكرانيا. وقد رفضت روسيا ذلك رفضًا قاطعًا. كانت كل من واشنطن ولندن مستعدة لخوض حرب مع روسيا في شأن توسيع «الناتو» لحماية الهيمنة الغربية، بينما كانت روسيا مستعدة لخوض حرب لإبعاد «الناتو». في الواقع تتفوق روسيا في ساحة المعركة على جيش أوكرانيا، وتسليح «الناتو».
تقودنا رؤية ساكس إلى استنتاج أمر مهم، وهو أن كثيرًا من مراكز القرار، ومن صناع الأفكار في العواصم الغربية، قللت من شأن القدرات الروسية، وغالب الظن أنهم أغفلوا أو تغافلوا البعد الحضاري والروحي في تاريخ الأمة السلافية الإمبراطورية الروسية، تلك التي تحطمت على صخرتها أطماع نابلون بونابرت، وانكسرت عليها أوهام رودلف هتلر. والشاهد أن حديث تراجع الغرب ربما يحتاج إلى قراءات مفصلة بذاتها، غير أنه بحال من الأحوال لا يمكننا تجاهل فكرتين أساسيتين في هذا السياق.
أولاً: الوزن الديموغرافي للغرب الذي يطلق على أوروبا وأمريكا الشمالية، بنوع خاص، مع محاولة استمالة أستراليا ونيوزيلندا، بصورة أو بأخرى إلى هذا المعسكر، في مواجهة الأوزان السكانية لثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع التفكير المعمق في الدور المهم للغاية الخاص بتعداد السكان في تقديم الأمم ونهضة الشعوب.
ثانيًا: الإمكانات الاقتصادية والنهضة التكنولوجية، والتي يبدو أنها - كما يقول عالم الجغرافيا الإنجليزي الشهير هالفورد ماكندر - تتحرك من أوروبا قلب العالم القديم، إلى شرق الكرة الأرضية، حيث آسيا الصاعدة في مدارات عالم مغاير.
من هنا لا بد أن يتقاطع الحديث عن تلك الهيمنة والحضور الأمريكي على مستوى العالم، على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية كافة، لا سيما في ضوء ما يتخذه الرئيس ترامب من قرارات تنفيذية منذ أن عاد للبيت الأبيض في يناير الماضي، ناهيك عن توجهات التعريفات الجمركية المثيرة للشقاق والفراق.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟