أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فهد المضحكي - غزّة بين التجويع والإبادة















المزيد.....

غزّة بين التجويع والإبادة


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 14:04
المحور: القضية الفلسطينية
    


في قطاع غزّة، حيث تعصف الحرب ويشتد الحصار، لم يعُد الجوع مجرد كلمة تُقال، بل صار حقيقة يومية مريرة يعيشها سكان القطاع الذي يتعرض للإبادة منذ قرابة عامين على مرأى العالم بأكمله، هكذا عبَّر المركز الفلسطيني للإعلام عن مأساة أهالي غزّة.
لنصل إلى حقيقة أوجزها في عبارة مؤثرة، وهي: هنا في تلك الرقعة الصغيرة على شاطئ البحر، يقف الأب والأم والأطفال أمام مأساة إنسانية لا تجد لها صدى في العالم، حيث يغلق الجميع أبوابهم على معاناتهم، ويعمُّ صمت قاتل يغطي أصواتهم.

تتحدث تقارير مؤسسات الإغاثة الإنسانية عن أن أكثر من 90 بالمئة من سكان غزّة يعانون من مستويات حادة من الجوع، وسوء التغذية.
وتراكمت معاناة الناس على مدار سنوات الحصار، لكنها اليوم وصلت إلى مستويات لم يعُد من الممكن تجاهلها، حتى بات الناس يتساقطون في الشوارع من شدة الجوع.

وفي إشارة دقيقة صائبة، يقول المركز الإعلامي المذكور: «في أزمة غزّة تنتشر مشاهد مؤلمة، أطفالٌ ينامون وهم جياع، وأمهاتٌ يبكين من الألم والعجز، وآباءٌ يبيعون ما تبقى من ممتلكاتهم من أجل شراء رغيف خبز قد لا يكفي لسد جوع عائلاتهم، وهو مفقود ويساوي الدم، حيث تشهد مناطق تسليم المساعدات مجازر يومية بحق المجوعين، إحداها مجرزة غرب غزّة ارتقى فيها 66 مواطنًا».

وفي مقابل ذلك، أشار أحد التقارير إلى أن 155 فلسطينيًا لقوا مصرعهم بسبب المجاعة وسوء التغذية في ظل انعدام شبه كامل للغذاء والماء والدواء.
وبحسب المصدر ذاته، يقول المواطن محمود الحداد، وهو أب لثلاثة أطفال: «لا شيء يؤلم القلب أكثر من أن ترى أطفالك جياعًا ولا تستطيع أن تعطيهم سوى القليل من الطعام. نحاول أن نجبر أنفسنا على الصبر، لكن الجوع يكسر كل شيء».

وتضيف السيدة فاطمة، إحدى الأمهات التي فقدت زوجها في الحرب الأخيرة: «كل يوم يمر دون طعام يكسر قلبي، وأشعر بالعجز الشديد وأنا أرى أطفالي يبكون من الجوع، لم نعد نعرف إلى أين نلجأ».
وما يزيد من فداحة الوضع - وفق الأهالي في غزّة - هو صمت العالم، وخذلان العالم العربي والإسلامي، وسط تحذيرات حقوقية بأن قطاع غزّة دخل بالفعل في كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وبينما تتوالى التقارير عن الكوارث الإنسانية، ويدعو الناشطون والدول والمؤسسات إلى فتح المعابر والممرات وتوفير المساعدات، يبقى الصوت الدولي مترددًا أو متجاهلاً، لا تتحرك الضمائر، ولا تُرفع الأيادي، وكأن الجوع والدمار في غزّة صار شيئًا عاديًا يجب أن تقبله.
إن المؤشرات الثلاثة لإعلان مجاعة في قطاع غزّة باتت تقترب بشكل مقلق من التحقق، ما يعني أن سكان القطاع على أعقاب كارثة مؤكدة في ظل غياب تام على التدخل والاستجابة نتيجة استمرار الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة منذ 2 مارس 2025.

ثمة تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يذكر فيه أن المجاعة في قطاع غزّة باتت واقعًا لا يُحتمل، ووضعًا قاتمًا يعيشه مليونا فلسطيني محاصرين تحت وطأة الحرمان ونيران القتل، وفي ظل حصار شامل، وتدمير منهجي لمقومات الحياة، وفشل كامل للمنظومة الدولية في وقف جريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق السكان، وسط عجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الجريمة، علاوة عن العجز في تأمين المساعدات الغذائية والصحية، وهو ما مكّن سلطات الاحتلال من مواصلة جرائمها دون رادع، والإفلات الكامل من المساءلة والعقاب.

وكان آخر تقرير لشبكة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الصادر في مايو 2025، قد أشار إلى أن قرابة نصف مليون فلسطيني في قطاع غزّة يواجهون جوعًا كارثيًا ضمن المرحلة الخامسة، وهي أعلى درجات انعدام الأمن الغذائي، بينما يعاني سكان القطاع وفق التقرير من انعدام حاد في الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة. وبعد شهرين من صدور هذا التقرير، يزداد الوضع سوءًا وتتعمق مأساة قطاع غزّة بعد أن صم العالم آذانه عن جريمة القوات المحتلة في استخدام التجويع سلاحًا. فعلى وقع ذلك، ارتفع عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية إلى أكثر من 71 ألف طفل، إلى جانب أكثر من 17 ألف سيدة بحاجة إلى تدخل علاجي فوري.

إن الأزمة تتفاقم بسرعة، ما يجعل المجاعة نقترب بشكل خطير من تحقق مؤشرات المجاعة الثلاث المعتمدة دوليًا، حيث يعاني ما يفوق نسبة 20% من الأسر من انعدام شديد في استهلاك الغذاء، كذلك تشير نسب إصابة الأطفال بالهزال الحاد إلى ما يزيد على 30%، فيما يبدو أنهم مقدمون حال استمرار الوضع الراهن على تحقق الشرط الثالث لإعلان المجاعة، وهو زيادة معدل الوفيات المرتبطة بالجوع بما يشمل حالتين يوميًا لكل 10 آلاف من السكان، فهل ينتظر العالم الوصول إلى هذا المستوى للتحرك؟!

وفي موازاة هذا التجويع الممنهج، حولت سلطات الاحتلال ما تُسمى «مراكز توزيع المساعدات» إلى مصائد موت حقيقية، فمنذ بدء العمل بها في 27 مايو 2025، وبدل أن تكون هذه المراكز بوابة للنجاة، تحوّلت إلى ساحات إعدام ميداني للمدنيين المجوّعين. قتلت قوات الاحتلال 851 فلسطينيًا وأصابت أكثر من 5634 آخرين قرب تلك المواقع، وتمنع أي إجراءات تعمل على معالجة حقيقة لأزمة الجوع المتفاقمة.

هذه الهجمات، التي تتم في ظروف لا تشكل فيها حشود المدنيين العُزّل أي تهديد لحياة الجنود أو العاملين في تلك النقاط، تُعد امتدادًا مباشرًا لجريمة الإبادة الجماعية، باستخدام المساعدات الإنسانية فخًا للقتل تحت ستار العمل الإنساني، إن هذا النموذج الفج من الاستغلال السياسي والإجرامي للمساعدات الإنسانية يُجسد بأوضح صورة عقيدة العقاب الجماعي التي تُمارَس بحق سكان غزّة، واللامبالاة المطلقة بحياة الفقراء والجياع.

وبحسب ما ذكره التقرير، فإن الاستخدام الفج للتجويع سلاحًا ضد السكان المدنيين في قطاع غزّة لهو جريمة حرب موصوفة بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما أنه يشكل خرقًا صارخًا للمادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بضمان تزويد السكان بالغذاء والرعاية الطبية. إن الأثر التراكمي لهذه السياسات، بما فيها منع دخول المساعدات، وتقييد الحركة، وخلق فوضى تحول دون الوصول إلى الغذاء، يرتقي إلى جريمة إبادة جماعية وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تشمل التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية، عبر إخضاعها عمدًا لأحوال معيشية يراد بها إهلاكها الفعلي.

في ضوء هذه المعطيات، إن المجاعة في غزّة جزء من مشروع سياسي إسرائيلي لإخضاع السكان وتفكيك المجتمع في قطاع غزّة، وهو أمر لا يمكن فصله عن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطة الاحتلال منذ عقود، والتي تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ السابع من أكتوبر 2023.
إن استمرار الصمت الدولي، وتقاعس منظومة العدالة الدولية، يمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا وجنائيًا لمواصلة الإبادة. كما أن الإفلات من العقاب لم يعُد خطرًا قانونيًا فقط، بل بات تهديدًا أخلاقيًا لما تبقى من منظومة القيم الإنسانية.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
- الاتحاد الأوروبي وحلم الجيش الموحّد
- ترامب وسياسة «الغموض الاستراتيجي»
- مكونات العقل العربي
- القوى المعرقلة لنظام السوق العالمي
- د. أميرة حلمي مطر.. رائدة في الفلسفة في مصر والعالم العربي
- عن التديُّن والسياسة
- الأرجنتين تحت حكم ميلي
- الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية
- المرأة والخطاب الطائفي
- عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية ...
- محمد أركون وأهمية نقد الموروث
- لم أشعر يومًا بخوف على مستقبل الولايات المتحدة كما أشعر الآن
- عن معرض «إعادة تدوير الأشياء»
- آباي كونانباييف.. علامة مشرقة في تاريخ كازاخستان
- عصر الأنوار
- تهجير العرب من فلسطين فكرة صهيونية قديمة
- الهوية وحرّية الفكر والعمل
- اقتصاد أوكرانيا: بين خسائر الحرب والنهب
- الناتو وزيادة الإنفاق الدفاعي


المزيد.....




- هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء ...
- ألمانيا تعتبر -التقدم الأولي المحدود- في إيصال المساعدات إلى ...
- أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل
- بعد قرار ترامب في وجه روسيا.. تعرف على أسطول غواصات أميركا
- لغز يحيّر المحققين.. رضيعة تنجو من مجزرة عائلية مروعة والقات ...
- حماس ترد على تصريح ويتكوف حول استعدادها لنزع سلاحها
- أكسيوس تجذب الجمهور بأسلوب تحريري فريد
- تقرير بريطاني: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحر ...
- بسبب -صوت مصر-.. شيرين عبد الوهاب تلجأ إلى القضاء ردا على تص ...
- إعلام إسرائيلي: العالم يتكتل ضدنا بعد أن اتحد لدعمنا في 7 أك ...


المزيد.....

- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فهد المضحكي - غزّة بين التجويع والإبادة