|
القوى المعرقلة لنظام السوق العالمي
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 12:27
المحور:
الفساد الإداري والمالي
لقد أثبتت رأسمالية السوق أنها محرك عظيم لخلق الثروة، لكنها أن استمرت على المنوال نفسه في السنوات الخمس والعشرين المقبلة، كما فعلت في السنوات الخمس والعشرين الماضية، فإننا سنكون مقبلين على أيام عصيبة، أو أسوأ من ذلك، انهيار حاد في النظام الرأسمالي نفسه. قد يبدو هنا نذيرًا بالكارثة، فعندما تستثمر الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الاتساع، وعندما يهاجر ملايين الفقراء من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية.
هذا ما أشار إليه مقال سلط الضوء على العوامل المعرقلة لنظام السوق العالمي عنوانه «الرأسمالية العالمية في خطر: ماذا نحن فاعلون ؟» والمقال بقلم: جوزيف إل باور، هيرمان بي ليونارد، لين إس باين، نشر قبل أكثر من عقد من الزمن في المجلة الأمريكية «Harvard Businesses Review»، وفي ذات الوقت نُشر في مجلة الثقافة العالمية الكويتية، ترجمة محمد مجد الدين باكير.
وبحسب وجهة نظرهم، تكون ردة فعل الدول الغنية فرض إجراءات حمائية تزداد صرامة، وعندما تعاني الأنظمة المالية العالمية من الضعف وانعدام الشفافية، ويعجز حماية المجتمع التقليديون - وهم القطاع الخاص والصناعة والحكومة والمؤسسات الدولية - عن التصدي لهذه المشكلات وغيرها من المشكلات الملحة، فإننا نكون سائرين في طريق الكارثة.
إن فشل نظام السوق المالي في العام 2008 هو مثال عما يمكن أن يحدث، تمامًا كالكساد، الذي أعقبه في الدول المتقدمة. إضافة إلى ذلك، فإن التنبؤات المدروسة طويلة الأجل تشير إلى أن التغيير المناخي والتراجع المتزايد في الوضع البيئي سيخلفان عواقب واسعة الأثر على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وكما يقولون، لقد تأملنا فيما لمسناه وسمعناه من تحدثنا إليهم عن الأسواق المالية شديدة التقلب، وقد قوضت التجارة الحرة بفعل السياسات الصناعية ورأسمالية الدولة، ولم يوزع نتاج السوق بالتساوي. وباعتقادهم، فإن نتائج كهذه ستشكل تهديدًا للنظام الرأسمالي، وعلى ضوء خبرتنا كباحثين ومستشارين طوال عقود. وقد خلصنا إلى أن الحفاظ على رأسمالية السوق بالصورة، التي عهدناها يتطلب أن يطال التغيير مؤسسات القطاع الخاص والقائمين عليها. وبدلاً من أن يعدوا أنفسهم أطرافًا تسعي أساسًا إلى مصلحتها الشخصية في هذا النظام الذي تشرف عليه جهات أخرى. فإن على أرباب القطاع الخاص أن يطلعوا بدور أكثر فعالية في الحفاظ على هذا النظام وتحسينه.
وبالفعل، ينبغي عليهم أن يكونوا في طليعة الأنشطة الاستحداثية وعلى نطاق واسع. ويجب أن يساعدوا على وضع استراتيجيات توفر فرص العمل للمليارات من هم خارج النظام، مما يعني بدوره تغيير أسلوب تفكيرهم في العلاقة بين الإنتاجية والربح. إن عليهم أن يبتكروا نماذج للأعمال قادرة على تحقيق الاستخدام الأفضل للموارد النادرة. ويتعين عليهم أن يضعوا خططًا للتنسيق بين النواحي المهملة والمعطلة من رأسمالية السوق ووضعها تحت السيطرة.
ومن خلال استطلاع للرأي خلصوا إلى وجود قوى متعددة لديها القدرة على عرقلة نظام السوق العالمي بدرجة كبيرة في العقود المقبلة. ولأن رأسمالية السوق هي جزء من نظام سياسي اجتماعي معقد، فإن هذه القوى تنشأ من مصادر متعددة، بعضها تولده المضاعفات السلبية لنظام السوق وتنقلب إلى طرائق معرقلة. وينشأ البعض الآخر عن مصادر خارج النظام. وهناك البعض أيضًا مما يرتبط بالشروط أو المقومات، التي ينبغي توافرها لكي يؤدي نظام السوق عمله بفعالية. وبغض النظر عن أصل هذه القوى فإنها متداخلة ولا يمكن معاملة أي منها بمعزل عن الآخر.
ويأتي في مقدمة هذه القوى هشاشة النظام المالي الذي تمر عبره تريليونات الدولارات يوميًا بين مختلف بقاع العالم، وبسرعة عالية. وقد أظهرت الأزمة المالية التي وقعت في العام 2008 أن ترك هذه التدفقات المالية دون أشراف أو رقابة سيعني تراجع مستوى الشفافية وتعاظم المخاطر، وبالتالي عواقب مدمرة. ومن هذه القوى أيضًا الخلل الحاصل في التجارة العالمية، خصوصًا أن الانهيار المالي الذي وقع في العام 2008 قد أثبت أيضًا أن التجارة يمكن أن تختل بالنتيجة وتكون لذلك آثار حادة عميقة. لقد انعكس الجمود في تمويل التجارة وانهيار الطلب على السلع وهو أول تراجع منذ الحرب العالمية الثانية. يضاف إلى ذلك حالة انعدام المساواة وتفشي النزعة الشعبوية، ذلك أن فروقات الدخل والثروة تتعاظم داخل الدول وبين المناطق المختلفة.
ومن أبرز ما توصلوا إليه، ثمة نزعة تشكل قلقًا لأولئك الذين استطلعنا آراءهم، فالفجوة الآخذة في الاتساع تدحض فكرة أن النمو الاقتصادي يصب في مصلحة المجتمع، كما أن النزعة السياسية الشعبوية الناتجة قد تؤدي إلى تداخلات حكومية مضرة مثل الإفراط في الرقابة على المعاملات السوقية ومصادرة الملكية وغيرها من الانتهاكات، وتعد الهجرة الواسعة وهي من القوى المعرقلة. كما إن إخفاق حكم القانون يعد من بين هذه القوى المعرقلة.
خصوصًا أن انتشار الفساد والسرقة واغتصاب الحقوق في بعض أنحاء العالم يجعل من الصعب إرساء نظام رأسمالي يحترم الملكية وحقوق الإنسان ويصون الحقوق التعاقدية. وعندما تؤدي الرشوة، لا المنافسة، إلى تحديد من يكسب لا يكون جدوى من الابتكار. ويضاف إلى ذلك القوى تراجع الصحة العامة والتعليم العام، خصوصًا أن حجم القوى العاملة يعتمد على صحة العمال، كما تتوقف إنتاجيتها على جودة التعليم ومستوى الحالة الصحية. إن مستوى التعليم في الدول المتقدمة يعاني من تدهور، كما أن تكاليف الرعاية الصحية باتت خارج السيطرة في كل مكان.
ومن بين القوى المعرقلة أيضًا ظهور رأسمالية الدولة، حيث بلغت بعض الدول النامية في القرن الواحد والعشرين مراتب العمالقة، بعد أن كانت هذه الدول تتبنى خليطًا من السياسات لتسريع النمو الاقتصادي. وإلى الحد الذي تطبق فيه روسيا والصين والهند قواعد اللعبة الخاصة بها، فإنها تمتلك القدرة على عرقلة أو تشتيت رأسمالية السوق بصورتها المطبقة في الدول المتقدمة. ومن تلك القوى المعرقلة أيضًا الحركات المتطرفة والإرهاب والحروب، ذلك أن التحدي المتعاظم، المتمثل في إرساء قدر كافٍ من السلم والأمن يكفل للرأسمالية الازدهار، هو تهديد يحيق بالنظام الرأسمالي، فالصراعات المستمرة،
على حد قولهم، يمكن أن تعرقل تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال اللازمة لعمل الأسواق العالمية. ويعد تطور العوامل المرضية وظهور الأوبئة من القوى المعرقلة أيضًا، حيث إن ظهور العوامل المرضية مثل البكتيريا، وعدم رغبة الحكومات في محاربة الأوبئة والانخراط في جهود تعاونية لكبح انتشار المرض تشكل تحديًا آخر. إن ظهور مرض معدٍ لا يمكن شفاؤه قد يؤدي سريعًا إلى عرقلة الأسواق التجارية والمالية في مختلف أنحاء العالم. وآخر تلك القوى المعرقلة يتمثل في عدم كفاءة المؤسسات سواء الحكومية أم الدولية في التصدي لحجم وتعقيدات تلك التحديات المتعددة.
وفي كثير من الأحيان يقوم التعاون الدولي على اتفاقيات لأغراض خاصة كتلك التي قصد منها مواجهة مسائل التغير المناخي والتجارة والهجرة. والأسوأ من ذلك أن القوى المعرقلة تتفاعل وتتداخل بصورة سلبية، بحيث إن المشكلات في ناحية معينة تثير مشكلات جديدة في نواح أخرى. إن السمة المتمثلة في شمولية هذه التحديات هي تحديدًا ما يجعل من الصعب التصدي لها، فلا الحكومات ولا بضع الشركات الدولية القائمة حاليًا بقادرة أو مؤهلة للتعامل مع حالة الانهيار الشامل.
والنتيجة التي توصلوا إليها، أن أكثر المسائل ازعاجًا للعديد من الأراء المستطلعة كانت الشرعية، فالحكومات سواءً كانت تتحلى بالكفاءة أم لا (خصوصًا الحكومات المنتخبة) يعتبرها البعض محتكرة للعمل الجماعي. ويتطلب التفاوض في المناطق الرمادية بين القطاع الخاص والمصلحة العامة مهارات خاصة. وقد رأى العديد منهم أن المشاركة الفعالة في هذا الجانب ستكون ذات آثار كارثية، لكننا نرى العكس تمامًا. وباعتقادنا، فإن عدم مبادرة القطاع الخاص إلى قيادة جهود القضاء على القوى المعرقلة لنظام السوق سيعني إمكانية أن نخسر هذا النظام.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
د. أميرة حلمي مطر.. رائدة في الفلسفة في مصر والعالم العربي
-
عن التديُّن والسياسة
-
الأرجنتين تحت حكم ميلي
-
الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية
-
المرأة والخطاب الطائفي
-
عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية
...
-
محمد أركون وأهمية نقد الموروث
-
لم أشعر يومًا بخوف على مستقبل الولايات المتحدة كما أشعر الآن
-
عن معرض «إعادة تدوير الأشياء»
-
آباي كونانباييف.. علامة مشرقة في تاريخ كازاخستان
-
عصر الأنوار
-
تهجير العرب من فلسطين فكرة صهيونية قديمة
-
الهوية وحرّية الفكر والعمل
-
اقتصاد أوكرانيا: بين خسائر الحرب والنهب
-
الناتو وزيادة الإنفاق الدفاعي
-
فاطمة حدّاد الشامخ.. أبرز القامات التونسية في مجال الفلسفة
-
حلف الناتو.. هل يتفكك؟
-
عبدالعظيم أنيس.. المفكر والأديب
-
فهل يحق لي أن أشتكي من انعدام التحرر؟
-
العرب والدولة الحديثة والديمقراطية
المزيد.....
-
-نفتقدك-.. كيتي بيري تغيب عن زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
-
في كوريا الشمالية.. من يُسمح له بالدخول إلى المنتجع الضخم ال
...
-
ليلة تحييها ليدي غاغا وإلتون جون.. وتوقعات اليوم الأخير لحفل
...
-
هل توجد مؤشرات حقيقية تدفع نتانياهو للتوجه نحو إقرار هدنة في
...
-
-عراك بين إسرائيلي وإيراني- في أستراليا.. ما هي حقيقة الفيدي
...
-
-شهيدات لقمة العيش-.. مصر تودع 18 فتاة قضين في حادث مأساوي
-
خلفيات التوجه الأمريكي نحو إقرار وقف لإطلاق النار بغزة
-
رواندا والكونغو الديموقراطية توقعان اتفاق سلام في واشنطن
-
التداعيات المحتملة لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورو
...
-
تحذيرات من موجة حر قياسية تضرب جزء من أوروبا ومخاوف من حرائق
...
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|