|
فؤاد محمود دوّارة.. علامة بارزة من علامات النقد المسرحي
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 12:01
المحور:
سيرة ذاتية
يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزاماتهم وإخلاصهم وموهبتهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، وأسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض المسرح المصري والعربي.
وفي تناولها سيرة الكاتب والناقد المسرحي فؤاد محمود دوّارة (1928-1996)، أحد صُنّاع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، تقول الكاتبة همت مصطفى، في مقال نشرته بوابة «دار الهلال»: هو ناقد وكاتب مسرحي، دخل الصحافة، وترك بصمة في تاريخ المسرح والفن المصري، لم يكن مجرد ناقد عابر، بل كان صاحب رؤية عميقة مؤثرة أثرت في مسار النقد المسرحي بفضل جديته وتفانيه، وألف أكثر من ثلاثين كتابًا، إضافة إلى ترجماته ومقالاته ودراساته الأدبية إنه فارس النقد المسرحي.
ولد فؤاد دوّارة بحي الدكة بالإسكندرية، وشكّلت طفولته حبّه المبكر للقراءة بفضل مكتبة أخيه الذي كان يكثر من شراء الكتب والمجلات العربية والأجنبية، وكان «دوّارة» يتفرّج على صورها في البداية ثم يقرأ بعض الكلمات إلى أن تعلم القراءة.
بدأ «دوّارة» تعليمه في مدرسة سعيد الأول الأبتدائية بين 1937-1940، ثم المدرسة العباسية الثانوية، ليتابع شغفه في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية من سنة 1954 حتى 1957، حيث درس الأدب العربي، وحصل على ماجستير الأدب العربي من جامعة القاهرة عام 1977.
شغل «دوّارة» عدة مناصب مهمة، فعمل أمينًا لمكتبة في جامعة الإسكندرية، ومدرّسًا للغة العربية في المدارس الثانوية، ومدير تحرير مجلة «المجلة» في وزارة الثقافة، ومدير المطبوعات في دار الكتب المصرية، ومدير مركز إعداد الروّاد الثقافيين بالثقافة الجماهيرية، وأستاذ أدب المسرح والنقد بالمعهد العالي للفنون في الكويت، ومستشار الثقافة الجماهيرية في وزارة الثقافة، وكان عضوًا في اتحاد الأدباء المصريين. وعُيّن مستشارًا لوزير الثقافة من 1986 حتى 1988 حتى التقاعد.
أقام «دوّارة» في الكويت في 1974 حتى 1978، وزار العراق سنة 1978، وفرنسا وبلغاريا سنة 1977. عاش قصة حب انتهت بالزواج أيام دراسته في الكلية، فتزوج وله 4 أولاد، منهم المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوّارة. كان «دوّارة» ناقدًا جادًا وكان يؤمن ويستند إلى معايير النقد الواضحة والموضوعية، التي تواكب الحركة المسرحية ويضع مصر وبنية المسرح فوق كل اعتبار.
وقال عنه توفيق الحكيم: «إن الصفة البارزة التي عرف بها دوّارة هي صفة النقد الجاد، والجدية عنده قد بلغت حدًا يمكن وصفه بالفدائية، ففي دنيا الأدب جماعة من الفدائيين يكرسون حياتهم وجهودهم في سبيل عمل وهدف مما يرونه ضروريًا ونافعًا بصرف النظر عما يأتي لهم بالفائدة التي يسعى إليها أكثر الناس».
واهتم فؤاد دوّارة بتطوير المسرح المصري مع الحفاظ على هويته، ترك إرثًا غنيًا من المقالات والكتب التي ناقشت أدق تفاصيل الفن المسرحي، مثل في النقد المسرحي، وصلاح عبدالصبور والمسرح.
أبرز مؤلفاته: «سقوط حلف بغداد»، سلسلة كتب «سياسة»، هكذا كتبوا، مقالات ودراسات عن أدباء أجانب، في «الرواية المصرية»، «تخريب المسرح المصري في السبعينيات والثمانينيات»، «أيام طه حسين: مدخل لفهم أدبه». من مسرحياته: «العبور»، «دليل المتطوّع لمحو الأمية»،«مسرح توفيق الحكيم»، «حلم المتنبي»، «نجيب محفوظ من القومية إلى العامية».
من ترجماته: مسرحيات «الحضيض»، مكسيم جوركي، «ثورة الموتى»، أروين شو، «الأدب والحياة» مكسيم جوركي، «الإنسان والسلاح»، جورج برنارد شو، «الحياة الشخصية»، نويل كووارد، «الفنان في عصر العلم». من مقالاته: «في النقد المسرحي»، مجموعة مقالات نقدية، «عشرة أدباء يتحدثون»، مجموعة أحاديث أدبية،«في القصة القصيرة»، «السينما والأدب».
في بحثه «السينما والأدب» المنشور عام 1976 بمجلة «عالم الفكر» التي تصدر عن وزارة الإعلام في دولة الكويت، يذكر دوّارة: ما زالت غالبية الأفلام التي تنتجها السينما أبعد ما تكون عن الفن بأي مقياس من المقاييس.
وبرأيه، إن المشكلة ليست قاصرة على السينما وحدها، بل تتعداها إلى كل الفنون، وإن كانت أوضح بالنسبة للسينما لحداثة عمرها، ولغلبة الصناعة والتجارة عليها أكثر من أي فن آخر.
ومع ذلك، فالأفلام الرديئة - مهما كثر عددها - لا ينبغي أن تنفي صفة الفن عن السينما، فكما أن كل كلام ليس أدبًا بالضرورة كذلك ليس كل تصوير فنًا، يمكن القول إن ليس كل فيلم فنًا أيضًا.
فاستخدام الخام والحرفية المتقنة لا يكفيان لخلق فن، بل لا بد من توافر خصائص جمالية وفكرية معينة ليتحول الكلام إلى أدب موح، وتصبح صورة الإعلان الملونة إبداعًا تشكيليًا خلاقًا، والفيلم التجاري الرخيص فنًا مؤثرًا باقيًا.
إن كل فن يعتمد في عملية إبداعه وتوصيله إلى جمهور المتذوقين،على قدر من الصناعة، وقد يستفيد من التقدم التكنولوجي ويستخدمه فإذا زاد هذا الجانب الصناعي في الفن وتعقد، فغالبًا ما يتعرض هذا الفن للخضوع للآلة والمهيمنين عليها، وهم غالبًا من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، ممن لا يهمهم - عادة - إلا تحقيق أكبر قدر من الربح المادي، ولو على حساب القيم الفنية الأصيلة.
ولا شك أن السينما هي أكثر الفنون اعتمادًا على الآلة، ومن ثم كانت أكثرها خضوعًا لأهواء المنتجين المسيطرين على وسائل أنتاجها. ومن قديم وكبار الأدباء والفنانين يستنكرون هذا الوضع المهين وينفرون منه.
خلاصة رأيه: ورغم ذلك، فقد استطاعت السينما خلال تاريخها القصير أن تقدم نماذج رائعة حقًا توحي بالمستقبل العريض الخطير الذي ينتظرها بشرط أن تتحرر من النزاعات التجارية الغالبة عليها، وتستخدم أهدافًا إنسانية وفنية سامية، وتعمق لغتها الخاصة، عن طريق صهر الفنون التي تستخدمها في فن جديد له سماته الخاصة وقيمه الجمالية المتميزة.
والذي ينظر مليًا في آراء دوّارة المتعلقة بالمسرح السياسي العربي يجده كان منحازًا إلى التغيير، أو بالأحرى إلى الثورة، وهو ما عبّر عنه في مقال كتبه عام 1967، وعنوانه «الثورة في المسرح العربي»، والمقال نُشر في مجلة «الآداب» اللبنانية عام 1970 يذكر فيه: من الطبيعي أن يتأخر ظهور المسرحيات السياسية في المجتمع العربي لما يتطلبه من نضج سياسي وجرأة على مناقشة شؤون الدولة بصورة لا بد أن تمس السلطة الحاكمة من قريب، وهو ما يطلب قدرًا كبيرًا من الحرية لم يعرفه المجتمع العربي إلا في سنواته الأخيرة وفي أجزاء قليلة وبصورة محددة، أما الجانب الأكبر من المجتمع العربي فما زال يعيش في ظل القهر والمصادرة والوصاية العنيفه من جانب السلطة. ومن هنا كان التجاء الكاتب المسرحي العربي من قديم إلى التاريخ يحتمي في ظلاله ليدلي ببعض آرائه المتحررة ونقده للأوضاع السياسية القائمة، فتضخم بذلك عدد المسرحيات التاريخية والأسطورية في أدبنا العربي الحديث، ومن هنا أيضًا كان التجاؤه إلى الرموز والتلميحات الخفية لكي لا يتعرض لبطش السلطة، وإن كان من الحق أن السنوات الأخيرة شهدت عددًا غير قليل من مسرحيات النقد السياسي المباشر، وبصفة خاصة في أعقاب هزيمة يونيو 1967.
وكما يوضح، وبدراسة النماذج الكثيرة للمسرحيات السياسية يمكن أن نميز بين ثلاثة موضوعات رئيسة: الأول، الثورة على الاستعمار الأجنبي في مختلف صوره وأشكاله بما فيها الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين، ولكن كانت المسرحيات التي عالجت هذا الموضوع وتفاعلت مع الثورة الفلسطينية من الكثرة والأهمية بحيث أصبحت تمثل أهم الموضوعات التي تشغل الكاتب العربي المعاصر. والثاني، هو الثورة على الفساد والقهر الداخليين، وهو موضوع شغل كتاب المسرح العربي من قديم وتعددت صور تناولهم له. والثالث، عدد آخر من المسرحيات عالج موضوعات السياسة العالمية من وجهة نظر ثورية، أو تعرض لأزمات السياسة العربية من وجهة نظر إنسانية شاملة تعانقت مع فكرة الثورة العالمية.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نواجه أزمة حقيقية.. والإمبراطورية الأمريكية في حالة تراجع
-
عن قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون 2025
-
تراجع المساعدات الإنسانية
-
صنع الله إبراهيم.. أحد أبرز رموز النقد السياسي والاجتماعي
-
تقرير صيني حول انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة في
...
-
عبدالمعين الملوحي.. أديبًا ومترجمًا
-
تهجير الفلسطينيين يعني تصفية القضية الفلسطينية
-
غزّة بين التجويع والإبادة
-
المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
-
الاتحاد الأوروبي وحلم الجيش الموحّد
-
ترامب وسياسة «الغموض الاستراتيجي»
-
مكونات العقل العربي
-
القوى المعرقلة لنظام السوق العالمي
-
د. أميرة حلمي مطر.. رائدة في الفلسفة في مصر والعالم العربي
-
عن التديُّن والسياسة
-
الأرجنتين تحت حكم ميلي
-
الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية
-
المرأة والخطاب الطائفي
-
عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية
...
-
محمد أركون وأهمية نقد الموروث
المزيد.....
-
سيارة تتسبب بتحطم حافلة مدرسية في جدار مبنى.. والشرطة: أولوي
...
-
ترامب يطلب من المحكمة العليا إنهاء حق الحصول على المواطنة با
...
-
هل نجحت نيوجيرسي بكسر الرقم القياسي لأكبر حفلة بيتزا في العا
...
-
-إدلب هي العشق-.. أحمد الشرع يوجه رسالة حول أهمية وحدة الشعب
...
-
ما قصة جدوع وخالد وكيف عادا لعائلتهما؟
-
تتكون من 21 نقطة.. ما تفاصيل خطة ترامب لإنهاء حرب غزة؟
-
حزب الله بعد عام على مقتل نصر الله: أزمة الهيبة وانهيار الرد
...
-
بلير والعودة للتاريخ البريطاني الاستعماري الخبيث
-
فرنسا: تهديدات بالقتل تطال القاضية التي أدانت ساركوزي
-
جيش الاحتلال يفجر منزلا في القدس ويصيب العشرات بالخليل
المزيد.....
-
أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة
/ تاج السر عثمان
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
المزيد.....
|