أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فهد المضحكي - سلامة موسى وأزمة الضمير العربي















المزيد.....

سلامة موسى وأزمة الضمير العربي


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 12:14
المحور: سيرة ذاتية
    


في كتابه «سلامة موسى وأزمة الضمير العربي»، يقول الكاتب والباحث والناقد الأدبي د. غالي شكري في مقدمة طبعته الثالثة: «ربما كان سلامة موسى (1887-1958) في حياته مفكرًا للمثقفين، رغم شعبية أسلوبه وشعبية أفكاره، والمثقفون اليوم يستطيعون الرجوع مباشرةً إلى مصادره الرئيسية دون الحاجة إلى وسيط، ولكن سلامة موسى لم يكن مجرد وسيط بين الأفكار الجديدة والواقع المتخلِّف. يبقى منه - الآن وغدًا وبعد غدٍ - الرجل والمنهج. إن سيرة حياته وأسلوبه في التفكير، سيظلَّان أمدًا طويلًا منارة هادية لمثقفينا الذين ينشدون تغيير مجتمعهم. وسلامة موسى - بعد موته - أصبح مفكرًا للشعب، لا للنخبة وحدها؛ لأن أسلوبه المذهل في التعبير عن أكثر الأفكار تعقيدًا، أسلوبه البسيط المشحون بالقدرة على الإيحاء والتغيير، أسلوبه السابق لعصره الذي كان غارقًا في الزخارف اللفظية والبهارج الشكلية، أسلوبه المكتشِف المنير النافذ إلى العقل والقلب».

وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية في تلك الفترة يذكر شكري، كان مناخنا الفكري السائد في بداية القرن العشرين مزيجًا من الثقافتين الإقطاعية والاستعمارية. فالمدارس المدنية قاصرة على دراسة الإمبراطورية البريطانية، والمعاهد الدينية قانعة بدراسة العالم الآخر، ومجلة البيان الأدبية اكتفت باستخلاص القيم الفنية من كهوف الأدب القديم. وكان هذا وضعًا طبيعيًا في ظل مجتمع يرسف في قيود الاحتلال وأغلال العلاقات الإقطاعية.. فلقد تميزت البرجوازية المصرية في نشأتها بسمات الرأسمال التجاري الضعيف، والسمة الأساسية للرأسمالية التجارية الناشئة هي استسلامها المؤقت للقوى السياسية والاجتماعية السائدة.

وهكذا بقي النشاط الوطني في تلك الفترة دون المستوى القومي، فالشعارات الرائجة حينذاك، كالدعوة إلى جامعة إسلامية، لم تكن في اتجاه الوحدة القومية التي هي الأمل المتوثب بين الضلوع مع نمو البرجوازية في بلد مستعمر وشبه إقطاعي. وبالرغم من ذلك وُلِدت الشعارات القومية وتسللت في خفوت إلى كيان الشعب ووعيه كصرخة لطفي السيد «مصر للمصريين» التي ألهبت وجدان الشعب بروح جديدة زحفت إلى فكره وثقافته بأنة وهدوء بالغين. فظهرت الأبحاث في الحضارة المصرية، والمقالات العديدة حول المسألة الوطنية الوافدة مع البرجوازية، كما صدرت المجلات العلمية والأدبية الآخذة بمنهج الحضارة الأوروبية. والحضارة الأوروبية حينذاك هي حضارة البرجوازية في العصر الإمبريالي حيث تجاوزت مرحلتها الثورية إلى مرحلة الوقوف في وجه التقدم.

ومع هذا كانت القوى الناهضة في مصر شاخصة إلى أوروبا... إلى النموذج الكلاسيكي للثورة البرجوازية. ولعل هذا ما يفسر لنا ترجمات الأدب الرومانسي التي نشرها فرح أنطون في مجلته «الجامعة»، والنظريات العلمية كالداروينيه التي كتبها شِبلي شُميِّل على صفحات «المقطف»... إنها بمثابة المقدمات الفكرية للطبقة الثورية.

ولم تبلغ هذه المجلات درجة واسعة من الانتشار بين أبناء الطبقة الجديدة. على أن القلة النادرة التي حظيت باستقبال الثقافة الجديدة كانت تملك من الظروف الذاتية والموضوعية ما يمهد لها الطريق.

وسلامة موسى أحد أولئك الذين هيّأت لهم ظروفهم هذا الطريق، فهو أحد أبناء الفئات الصغيرة من الطبقة الجديدة.

يحتوي الكتاب الذي صدر عن مؤسسة هنداوي عام 1962 على ثمانية فصول وهي، رائد الفكر العلمي، هؤلاء علموني، في معبد التطور، مدينتي ليست فاضلة، الحيَّة... ومأساة الإنسان، الإنسان... ذلك المعلوم، الفنان ضمير العالم، طريقنا... حرية الفكر.

وإذا ما أردنا الحديث عن أهم فصوله «الحيَّة... ومأساة الإنسان» نشير إلى أبرز ما خلص إليه الباحث وهو، كانت الصدمة العنيفة التي واجهت سلامة موسى، حين وطِئت قدماه أرض لندن لأول مرة عام 1908، هي الفروق الضخمة بين صورة المرأة الأوروبية، وصورة المرأة المصرية. فقد أحس بالمرأة الإنجليزية كائنًا إنسانيًا يختلف كثيرًا عن السَّحنة الآدمية المصرية.

وبقيت رواسب هذه الصدمة الذهنية والاجتماعية في صحبة سلامة موسى حتى أواخر إنتاجه الفكري، إذ كانت مفاهيمه عن الحياة في تطور دائب مستمر، وكذا أيضًا كانت المرأة تتقدم إلى الأمام، ومع ذلك فإن الصورة القديمة لم تفارق خياله، وهو يحس خيوطًا «معاصرة» قوية تشده إلى ذلك الماضي، ولم تكن هذه الخيوط سوى نماذج حية للمرأة القديمة ماتزال تعيش في دنيانا.

وربما كان عود الثقاب الذي أشعل نور الأمل في وجدان سلامة موسى نحو المرأة هو الكاتب النرويجي إبسن؛ لأن «الواقع» الذي رآه الشاب المصري، متمثلًا في نساء إنجلترا، كان المظهر السطحي للواقع الحقيقي، وحين وقعت عيناه على هذا «الواقع الحقيقي» كما رسمه إبسن، وعى جيدًا أن الاختلاف بين المرأة الأوروبية وزميلتها المصرية، هو - في جوهره- اختلاف دَرَجي فحسب، وبدأ هذا المعنى يترسب في أعماقه بشكل ثوري، ورأيناه على التو يبحث عن «أوجه الاتفاق» بين الإنجليزية والمصرية، فلم يجد بينهما اتفاقًا، وإنما اكتشف حقيقة الاتفاق بين النظام الاقتصادي الأوروبي، والنظام الاقتصادي في الشرق العربي.

وبالفعل كانت أوروبا تغلي بالثورة الصناعية، ومجتمعها الرأسمالي في أوج اكتماله. بينما كانت البلاد العربية ترسف في أغلال الأنظمة الإقطاعية ( وأحيانًا العبودية). والخيط الذي يربط بين المرأة في المجتمع الإقطاعي وزميلتها في المجتمع الرأسمالي هو «النظام الطبقي» الذي يشمل كليهما. أما وجه الاختلاف - النسبي - بين، فقد لمس الجوهر على الأقل، والمظهر في الأكثر.

كان الهدف الأول لسلامة موسى هو الحصول على «مفهوم متكامل للحرية» نستضيء به في تغيير أحوال المرأة العربية.

منذ كتب «مقدمة السوبرمان» كان عاكفًا على «بلورة» فلسفته في الحرية. حتى إذا قرأنا له «المرأة ليست لعبة الرجل» - صدر عام 1956 - تعرفنا على الجذور الحقيقية لدعوته إلى تحرير المرأة. ففي هذا الكتاب، أحسسنا منهجًا علميًا يسيطر على فهمه لكل مظهر اجتماعي، وعلى ضوء هذا المنهج رأى سلامة موسى في المرآة المعاصرة امتدادًا للصراع الاجتماعي بين البشر.

وحرية المرأة في ظل الرأسمالية هي موضوع كتاب سلامة موسى «المرأة ليست لعبة الرجل». وعلى ضوء التطور التاريخي للمجتمع البشري، استنبط منهجه العلمي في رؤية الظروف الموضوعية المحيطة بالمرأة المعاصرة.

ويمضي المفكر شكري فيلقي الضوء على قضية حرية الفكر عند سلامة موسى فيذكر: في عام 1945 صدر لسلامة موسى كتيب صغير بعنوان «حرية العقل في مصر». والكتاب وثيقة تاريخية تروي لنا فصلًا من قصة الحرية الفكرية في مصر، فهو يشير إلى الاستعمار كعائق كبير في طريق الحرية، ويضرب مثلًا بالإنجليز: حين كان أعظم ما يصرون عليه هو ألا تحدث في مصر دعاية اشتراكية؛ لأنهم يعرفون أن الاشتراكية هي الحمض الذي يكشف عن زيف الاستعمار ويوضح جرائمه». ومن هذا، كما يقول شكري، يمكننا أن نخرج بأن لم تكن ثورة سلامة موسى عام 1945، إلا تجسيدًا لأزمة الحرية الفكرية في بلادنا العربية، وامتدادًا لثورته العظيمة، قبل هذا التاريخ بعشرين عامًا. ففي عام 1927 - وشرفنا العربي يعاني من أنفاسه المكتومة بأيدي المستعمرين المتشابكة من أيدي المستبدين من أبناء الوطن - صدر كتابه عن «حرية الفكر» تعبيرًا ثوريًا حاسمًا عن أزمة الصراع بين الجهاز الإقطاعي الحاكم، والقاعدة الشعبية المغلوبة على أمرها.

إن حرية الفكر ليست «ترفًا» جميلًا يمكن مزاولته بعيدًا عن المجتمع، ذلك أن حرية الفكر تتضمن بصورة عفوية حرية المجتمع، أي إن العمل من أجل الحرية الفكرية، معزولًا عن العمل من أجل حرية المجتمع، شيء بلا معنى. وهذا هو منهج سلامة في التفكير، فهو يفسر اضطهاد الحكام للمفكرين بأن «خوف» من تغيير الأوضاع الاجتماعية التي استراحت إليها مصلحة هؤلاء الحكام. ومنذ القديم، والصراع بين البشر والنظم الاجتماعية المستقرة لا يهدأ. و«القديم» هنا لا يعني «منذ الأزل»، وإنما يقصد ذلك التاريخ الذي سجل الصراع الأول بين الناس، حين أدى تطور المجتمع البشري إلى تقسيم بني الإنسان إلى سادة وعبيد.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دون الحقيقة والعدالة، لن تنتهي الحرب
- أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
- حديث عن صراع ترامب مع أوروبا وتفكيك المنظومة الدولية الليبرا ...
- المفكر التونسي عبدالمجيد الشرفي.. أحد أبرز مؤسسي التيار النق ...
- عن تدهور العلاقات بين الهند والولايات المتحدة
- التنوير.. نقلة نوعية ثقافية واجتماعية وسياسية
- فؤاد محمود دوّارة.. علامة بارزة من علامات النقد المسرحي
- نواجه أزمة حقيقية.. والإمبراطورية الأمريكية في حالة تراجع
- عن قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون 2025
- تراجع المساعدات الإنسانية
- صنع الله إبراهيم.. أحد أبرز رموز النقد السياسي والاجتماعي
- تقرير صيني حول انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة في ...
- عبدالمعين الملوحي.. أديبًا ومترجمًا
- تهجير الفلسطينيين يعني تصفية القضية الفلسطينية
- غزّة بين التجويع والإبادة
- المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
- الاتحاد الأوروبي وحلم الجيش الموحّد
- ترامب وسياسة «الغموض الاستراتيجي»
- مكونات العقل العربي
- القوى المعرقلة لنظام السوق العالمي


المزيد.....




- 9 فقط حول العالم.. كاميرات ترصد صغير وحيد القرن الأسود الناد ...
- جدل بعد فيديو يزعم رش رضيعة بـ-مادة كيميائية-.. والأمن الداخ ...
- مالي: المجلس العسكري يوقف بث قناتين فرنسيتيْن لاتهامهما ببث ...
- ترامب يدرس صفقةً لبيع السعودية مقاتلات F-35 ويؤكد: سينضمون ق ...
- إسرائيل تنفي علاقتها.. ماذا نعرف عن الانفجار في دمشق حتى الآ ...
- أزمة -بي بي سي-... اليمين يشن معركة ثقافية شرسة ضد السمعي ال ...
- الصين تحذر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر سببه تهديد ...
- كيف تستفيد فلسطين وسوريا من القرار الأممي بالسيادة على الأرض ...
- ترامب يريد التحقيق بعلاقة بيل كلينتون وإبستين.. لماذا؟
- غرق عشرات الخيام بسبب الأمطار وحماس تدعو لإيصال عاجل للمساعد ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فهد المضحكي - سلامة موسى وأزمة الضمير العربي