أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فهد المضحكي - أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد















المزيد.....

أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:13
المحور: سيرة ذاتية
    


في كتابها «أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد» الذي صدر عن مؤسسة هنداوي عام 2014، تقول أستاذ الفلسفة بآداب جامعة القاهرة، د. يُمنى طريف أمين الخولي، إن شهر مايو (1995) شهد مرور مائة عام على ميلاد أمين الخولي (1895-1966). يتبدَّى أمامنا قرن شاسع من تاريخ الحضارة العربية، لنذكر كيف كان الربع الثاني منه - في أعقاب ثورة 1919 المصرية - مرحلة توهج للثقافة العربية، وتوثب طامح للعقل فيها.

الوطأة الوبيلة للاستعمار، التخلف الضارب في الأعماق، البون الشاسع بيننا وبين العالم الصناعي المتقدم والمتسيِّد... كان هذا قوة دفع هائلة لمفكرينا ومثقفينا في بحثهم الدؤوب عن الخروج من هذا الوضع المأزوم واللحاق بركب العصر، إثبات الذات فيه ونشدان الهوية، والمساهمة بنصيب في آفاق التقدم المتسارع.

انطلقت جهودهم في جملتها من الثبات البنيوي في حضارتنا - النص الديني والتراث - نحو استشراف روح العصر وقيم الحداثة التي تبلورت في تجربة الحضارة الأوروبية. كانت انطلاقة ساهمت في ترسيمها خطوط متفاوتة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من أعمق جذور الأصالة إلى أبعد آفاق المعاصرة، خطوط سلفية وإصلاحية وتحديثية وعلمية وعلمانية توفيقية وليبرالية واشتراكية، تحاورت جميعها في أجواء متفتحة مواتية، نجدها أكثر مواءمة لقيم العقلانية النقدية، وأشد نزوعًا لغاية «التجديد» التي يُناط بها تحديث وجودنا الحضاري بتميزه، ومن ثم التنهيض المرجو والتنمية.

في هذا المناخ الموار كان الدور الريادي الذي لعبه الشيخ أمين الخولي، بتمكنه الأستاذي من التراث ونصوصه - من أصوليات حضارتنا - لينذر جهوده لقضايا التجديد. فكان - على حد قولها - بحق شيخ الأصوليين في التجديد، وشيخ المجددين في الأصولية، إيمانًا منه بالماضى كركيزة، والحاضر كحياة متوثبة، وبالحوار الدائم بينهما ليتفاعلا ويتلاقحا فيثمرا المستقبل المأمول.

رفع شعاره الشهير: أول التجديد قتل القديم فهمًا وبحثًا ودراسة، «أما إذا مضى المجدد برغبة في التجديد مبهمة، وتقدم بجهالة للماضي وغفله عنه، يهدم ويحطم ويشمئز ويتهكم - وقيتم شره - تبديد لا تجديد». هكذا كان الخولي يبث «أصول» التجديد في كل المجالات المتصلة بإسهامه: في اللغة ونحوها، في البلاغة وجمالياتها، في الأدب ونقده، في تفسير القرآن، وفي الفكر الديني... وحتى حين تعرَّض لترجمة إمام من عصر التدوين، لن يحمل خطوطًا تجديدية بل فقط أصول السلفية، هو الإمام مالك بن أنس، حتى في هذا أعطى الخولي درسًا تجديديًا في أصول تحرير التراجم و«وثارت بينه وبين العقاد معركة أدبية شهيرة حول كتابة التراجم». لذالك قيل عن الخولي إنه في كل إسهاماته قد «حرر عقله من سلطان التقليد الذي يبطل الإرادة الحرة، ويميت روح الإبداع، ويشل العقل، فبعدت مطارح أفكاره، ولاسيما في نظر طلابه، ودأب على سموه في كل يوم في النفوس والعقول معًا».

إن تجديد الفكر الديني، برأيها، يستدعي بالضرورة قضية الموقف من التراث، والتي هي في تقاطعها مع قضية الموقف من الغرب، هيكل الشغل الشاغل للفكر العربي الحديث، حتى يمكن القول إنها هي التي ترسم خريطته. إنها مشكلة الأصالة والمعاصرة الشهيرة، أو بتعبير آخر هي مشكلة التراث والتجديد.
والتيار الإصلاحي الذي شقه محمد عبده قد تمثل هذه القضية - الموقف من التراث - تمامًا. أما لأمين الخولي فإن تجديده ذروة من ذرى هذا التمثيل، ونحن نتمسك بأن الموضع السليم لأمين الخولي في منظومة الفكر العربي، أو على خريطته، إنما هو امتداد هذا التيار الإصلاحي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن نشير إلى رأي المفكر السوري د. طيب تزييني، الذي وضع أمين الخولي في إطار ما أسماه: النزعة التحييدية للتراث في فرعها الوثائقي، التي بزعم الدفاع عن حرمة العلم ترى الحقيقة التاريخية الكاملة مجسدة في الوثيقة بعيدًا عن ممارسة التفسير والتقويم التاريخي والتراثي لها، ما يعني نفي النظرة التاريخية والإيديولوجية للتراث؛ أي نفي النظر إليه في إطار عصره ومقتضيات واقعه الحضاري، ومن خلال المشكلات والآفاق المعاصرة للتقدم والتخلف، وبالتالي من خلال ضبط طرحنا للتراث بضوابط اللحظة المعاصرة في واقعنا، بكل ما تنطوي عليه من مضامين اجتماعية واقتصادية وقومية وأخلاقية، وهنا يتساءل تيزيني: أينفي الخولي كل هذا؟

وتعليقًا على ذلك، تقول الباحثة، رغم اعترف تيزيني بأن الخولي يشير إلى أفكار مسيسة للتراث، أصر على أن أمين الخولي يرى من الخير تأجيل الانتفاع بالتراث إلى ما بعد اقتفاء أصوله جميعًا، والخولي لهذا تحييدي وثائقي.

خطوط التواصل بين محمد عبده وأمين الخولي أكثر مما يمكن نفيه، أو حتى اللجاج فيه، وإن كانت جميعها في التيار الإصلاحي ومنحاه التجديدي، هذا ما نستخلصه من حديثها في هذا الشأن.

كلاهما انشغل بقضية إصلاح الأزهر ورسالته في القرن العشرين. ومن الأعمال المتميزة لأمين الخولي بحثه «رسالة الأزهر في القرن العشرين»، إذ كانت وزارة علي ماهر قد أعلنت عام 1936 مسابقة في عدة مواضيع، منها هذا الموضوع، وكان أمين الخولي قد انتهى من بحثه هذا قبل الإعلان عن المسابقة، ولأنه اختير عضوًا في لجنة التحكيم فلم يتقدم ببحثه، وأهده إلى الأزهر بعد صدور الحكم.

المهم أن نلاحظ كيف أن كلًّا من الإمام محمد عبده والمجدد الشيخ أمين الخولي قد انشغل بقضية إصلاح الأزهر ورسالته في القرن العشرين، كلاهما أبلى فيها، وأيضًا كلاهما دخل في صدام عاتٍ مع شيوخه المتعنتين الذين دأبوا فيما مضى على معارضة أي إصلاح؛ فرفضوا دعوى الخولي الحارة في الربط بين الدين والحياة. وفي النهاية أخفق كلاهما ولم يحقق أهدافه، فعلق آماله في إصلاح التعليم على الجامعة المصرية.

لم يدرس الخولي في الأزهر - بل في مدرسة القضاء الشرعي - لكن درَّس فيه. نذكر من هذا أول ما يُدرَّس الفلسفة رسميًا في العهد الجديد للأزهر، إن محاضراته غير المشورة «كُناش في الفلسفة وتاريخها» سنة 1934.

للخولي ثلاث مجموعات من المحاضرات في الفلسفة غير منشورة، فثمة «كُناش» و«كتاب الخير» و«تاريخ الملل والنحل». بصفة عامة لم يكن نشر الكتب يغري الخولي كثيرًا. همه الأكبر - كما تذكر - في صناعة التلاميذ، وكان يسميهم «أبناء العقل».

هكذا انطلق إمين الخولي مؤكدًا أن التجديد تطور، والتجديد بهذا انطلاق مع الحياة ووفاء بجديد حاجتها، وما كان أصل الاجتهاد في الدين إلا تقديرًا للحاجة الماسة والضرورة القاضية بحدوث تغيير يوجبه التطور. وبهذا نجد التجديد لا يكون مع منطق الحياة والواقع إلا تطورًا. الدين في حاجة دائمة للتجديد والتطور بفعل المتغيرات، والعوامل القومية التي تصطخب حوله؛ لهذا كان الاجتهاد والتجديد ضرورة.

ها هنا يتبدى بجلاء تفتح واستنارة الخولي، وقدرته على سحب البساط من تحت أقدام الخصوم. فقد كان التطور، على حد تعبيرها، مقولة رفعت لواءها المدرسة العلمية المناوئة لكل خطوط السلفية والأصولية الدينية، إن لم نقل ولعناصر الأصالة ذاتها، مدرسة سلامة موسى (1887-1958) وشبلي شميل وإسماعيل مظهر. وبينما تكرس سلفيون لشن حرب شعواء على «نظرية التطور»، بل ويقف في مقدمة المهاجمين جمال الدين الأفغاني نفسه، ها هو ذا أمين الخولي يستفيد منها ويسخَّرها لخدمة الفكر الديني وضرورة التجديد فيه.

في كل حال يظل ديدن الإسلام - بتعبير الخولي - هو «مثالية لا مذهبية»، مثالية تتقبل كل إصلاح اجتماعي دون ضغط، فليس الإسلام هو الذي يريد المذاهب مذهبًا والآراء رأيًا، بل الإسلام، برأيه، مثالية تقابل الواقعية بهذه المثالية «يُفتح باب الخلود والبقاء للدعوة الإسلامية، إذ تستطيع مع هذه المثالية أن تساير التطور وتُجاري التقدم، وتتلقى كل جديد مدروس، لا تبرم به، ولا تعارضه بفهم سابق، يمثل مرحلة من مراحل الماضي التي غادرتها الدنيا، وتقدمت عنها الحياة، وتلك هي المثالية المقابلة للواقعية».

لقد بات من الضروري السير في الطريق الذي عَبَّده الرائد أمين الخولي للتجديد والتطور في الفكر الديني، استنقاذًا للوعي القومي وللشخصية الحضارية، بل ولوجودنا الحضاري ذاته لا سيما بعد أن تصاعد مد سلبيات العولمة مهددًا باكتساح الخصوصيات الحضارية والتنوع الثقافي فلا يبقى إلا النمط الأمريكي.

يقول الكاتب والباحث التونسي المنصف بن عبدالجليل: «إن سر التقدم فهم الدين ضمن ثقافات العصر الحاضنة، والاختلاط على أساس التفاعل لا السيطرة، وإن ادّعى المسلمون سيادة سياسية، ولا يكون ذلك ممكنًا إلا إذا توافر شرط الحرية، حرية التفكير والإقدام على المعارف».



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن صراع ترامب مع أوروبا وتفكيك المنظومة الدولية الليبرا ...
- المفكر التونسي عبدالمجيد الشرفي.. أحد أبرز مؤسسي التيار النق ...
- عن تدهور العلاقات بين الهند والولايات المتحدة
- التنوير.. نقلة نوعية ثقافية واجتماعية وسياسية
- فؤاد محمود دوّارة.. علامة بارزة من علامات النقد المسرحي
- نواجه أزمة حقيقية.. والإمبراطورية الأمريكية في حالة تراجع
- عن قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون 2025
- تراجع المساعدات الإنسانية
- صنع الله إبراهيم.. أحد أبرز رموز النقد السياسي والاجتماعي
- تقرير صيني حول انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة في ...
- عبدالمعين الملوحي.. أديبًا ومترجمًا
- تهجير الفلسطينيين يعني تصفية القضية الفلسطينية
- غزّة بين التجويع والإبادة
- المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات
- الاتحاد الأوروبي وحلم الجيش الموحّد
- ترامب وسياسة «الغموض الاستراتيجي»
- مكونات العقل العربي
- القوى المعرقلة لنظام السوق العالمي
- د. أميرة حلمي مطر.. رائدة في الفلسفة في مصر والعالم العربي
- عن التديُّن والسياسة


المزيد.....




- شاهد.. شرطة واشنطن تعتقل عدة أشخاص -مارسوا سلوكا مشينًا- وتف ...
- فيتنام: تحذير من تجاوز هطول الأمطار 700 مليمترًا.. وفيضانات ...
- سوريا: وزير الداخلية يرحب بدمج -الضباط المنشقين- بالوزارة له ...
- ما الذي يجعل -الرعب النسائي الدموي- مختلف عن روايات الرعب ال ...
- خفض المساعدات الغذائية الأمريكية يدفع بنوك الطعام للاستعداد ...
- كيف ردت ناسا.. كيم كاردشيان لا تصدق هبوط الإنسان على القمر
- أطباء بلا حدود: آلاف السودانيين في دائرة الخطر بعد سقوط الفا ...
- هآرتس: تسريب فيديو سدي تيمان أداة اليمين ضد -الدولة العميقة- ...
- إدارة الطاقة لا الوقت.. 9 عادات يومية تساعدك على القيادة بنج ...
- المتحف المصري الكبير.. أكبر مجموعة أثرية للحضارة القديمة


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فهد المضحكي - أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد